أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

التمريض في المغرب: المهنة، الأجور، التكوين، الواقع والمستقبل

 

التمريض في المغرب المهنة، الأجور، التكوين، الواقع والمستقبل

في المغرب، يظل التمريض حجر الزاوية في النظام الصحي، حيث لا تكتمل دورة الرعاية الصحية دون وجود ممرض كفء قادر على المواكبة المهنية والإنسانية لحالة المريض. ورغم أهمية الدور الذي يلعبه، فإن واقع المهنة ظل لفترة طويلة بعيدًا عن الاهتمام، سواء من حيث التحفيز أو التكوين أو ظروف العمل. لكن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا مهمًا، بفعل نضالات الجسم التمريضي وتغير المقاربة الرسمية تجاه القطاع.


مهنة الممرض في المغرب: نبض النظام الصحي


مهنة التمريض ليست مجرد تنفيذ لتعليمات الطبيب أو مراقبة المؤشرات الحيوية، بل هي مسؤولية مستقلة قائمة على أسس علمية ومهارية دقيقة. فالممرض هو من يتابع تطور حالة المريض لحظة بلحظة، يقيّم حالته الصحية، يساهم في التشخيص التمريضي، ويؤمّن الدعم النفسي والعاطفي الضروريين، خاصة في الحالات الحرجة والمزمنة. ويظهر هذا الدور جليًا في أقسام المستعجلات، الإنعاش، التوليد، الأشعة، تصفية الدم، وحتى الرعاية المنزلية، حيث يُطلب من الممرضين تقديم رعاية شاملة تغطي الجانب الجسدي والنفسي والاجتماعي.


التكوين التمريضي بالمغرب: تعددية المسارات وتفاوت الفرص


الولوج إلى مهنة التمريض في المغرب يتطلب مسارًا دراسيًا صارمًا يبدأ عادة بعد الحصول على شهادة البكالوريا. يُعد المعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة (ISPITS) التابع لوزارة الصحة، الخيار الرئيسي أمام الطلبة الراغبين في الولوج إلى المجال، حيث يمتد التكوين على ثلاث سنوات، ويمنح شهادة الإجازة المهنية في التمريض في عدة تخصصات منها العلاجات، الإنعاش، الأشعة، الصحة النفسية، القبالة وغيرها.


وفي المقابل، توجد مؤسسات خاصة مرخصة من طرف الدولة، تقدم تكوينًا تقنيًا في المجال التمريضي، يتيح لخريجيها فرصًا محدودة في القطاع الخاص أو بالخارج. هذا التعدد في المسارات يفتح آفاقًا واسعة، لكنه يخلق أيضًا تفاوتًا على مستوى الاعتراف المهني، خاصة داخل سوق الشغل، مما يدفع العديد من الخريجين إلى التفكير في الهجرة أو التكوين المستمر لتحسين وضعهم.


أجرة الممرضين: بين الإنصاف والنضال


شهدت أجور الممرضين في المغرب تحسنًا ملموسًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد سلسلة من النضالات التي خاضتها التنسيقيات والجمعيات التمريضية، مطالبةً بالاعتراف بالمخاطر المهنية وظروف العمل الشاقة. وقد تم فعلاً رفع الأجر الصافي للممرضين العاملين في القطاع العام ليصل إلى حوالي 8000 درهم شهريًا، وهو تحسن نسبي يُحسب للحركة التمريضية.


ومع ذلك، يظل هذا الراتب غير كافٍ مقارنة بحجم المهام الملقاة على عاتق الممرض، وساعات العمل الطويلة، ناهيك عن غياب تعويضات عادلة عن المداومة الليلية والعطل. أما في القطاع الخاص، فإن الوضع أكثر هشاشة، حيث تتراوح الأجور غالبًا بين 3000 و6000 درهم فقط، مع تفاوتات كبيرة حسب المدينة والمصحة، وفي غياب أي إطار قانوني ينظم العلاقة الشغلية بشكل عادل.


فرص العمل والآفاق المهنية


رغم الصعوبات، فإن مهنة التمريض تبقى من أكثر المهن طلبًا في المغرب وخارجه. ففي القطاع العمومي، يُفتح باب التوظيف عبر مباريات سنوية حسب الخصاص في المستشفيات والمراكز الصحية. أما القطاع الخاص، فيستوعب أعدادًا مهمة من الممرضين، خاصة في المصحات، مراكز تصفية الدم، المختبرات، ومراكز الأشعة.


إضافة إلى ذلك، تُمثل الهجرة خيارًا جذابًا لكثير من الممرضين المغاربة، خاصة نحو أوروبا وكندا، حيث الأجور أكثر تحفيزًا وظروف العمل أفضل تنظيمًا. وقد بدأت عدة دول في تسهيل إجراءات معادلة الشهادات المغربية وفتح الأبواب أمام الكفاءات التمريضية.


تحديات يومية ومطالب مستمرة


لا يمكن الحديث عن واقع الممرض دون التطرق إلى التحديات التي يواجهها بشكل يومي. فالممرض المغربي يعمل في بيئة تتسم أحيانًا بضغط مهني كبير، ونقص في المعدات، واكتظاظ المرضى، وهو ما يفرض عليه مضاعفة الجهد دون مقابل مادي أو معنوي كافٍ. كما يعاني الممرضون من ضعف التكوين المستمر، وغياب تغطية قانونية تحميهم من الأخطاء المهنية أو الاعتداءات اللفظية والجسدية التي يتعرضون لها في بعض الحالات.


المستقبل: إصلاحات قانونية وانتظارات مهنية


رغم الإكراهات، فإن المستقبل يبدو واعدًا نسبيًا، خاصة مع شروع الدولة في تنزيل إصلاحات قانونية وتنظيمية مهمة. فقد تم اعتماد القانون 43.13 المتعلق بمزاولة مهن التمريض، إضافة إلى الحديث عن هيئة وطنية للممرضين تشرف على تأطير المهنة، وتحمي حقوق المنتسبين إليها.


كما أن مشروع تعميم التغطية الصحية الشاملة وتوسيع البنية التحتية الصحية قد يساهمان في تحسين وضعية الممرضين، سواء من حيث الأجور أو من حيث ظروف العمل والتكوين المستمر. ومع دخول المغرب مرحلة جديدة في تنزيل الورش الملكي المتعلق بإصلاح المنظومة الصحية، يُنتظر أن تكون للممرض دور أكبر وأكثر وضوحًا في القيادة الصحية الميدانية.


خاتمة


مهنة التمريض في المغرب لم تعد مجرد وظيفة بل أصبحت قضية وطنية تتطلب الاعتراف، الدعم، والتأهيل. فالممرض ليس فقط من يقدم الدواء، بل من يمنح الأمان، يواكب الألم، ويرافق المريض نحو الشفاء. وبين التحديات الحالية والطموحات القادمة، يظل التمريض مهنة الأمل في قلب نظام صحي يسعى إلى التغيير والعدالة.

إدارة الموقع
إدارة الموقع
تعليقات