أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

حقيقة زيادات أجور الممرضين بالمغرب: بين التهويل الإعلامي والواقع الفعلي

 

حقيقة زيادات أجور الممرضين بالمغرب بين التهويل الإعلامي والواقع الفعلي

خلال الأسابيع الأخيرة، عجّت المنابر الإعلامية بأخبار تتحدث عن "زيادات كبيرة" في أجور الممرضين ومهنيي الصحة بالمغرب، ما جعل فئات واسعة من المواطنين تعتقد أن هذه الفئة باتت تتقاضى رواتب خيالية. لكن عند التدقيق في هذه الأخبار، يتضح أن الواقع مختلف تمامًا عن الصورة التي رُوِّجت.  

زيادة يتيمة بقيمة 500 درهم فقط وابتداءً من يوليوز 2025  

في خضم هذه التغطيات الإعلامية، يغيب التفصيل الأساسي: كل ما سيستفيد منه الممرضون فعليًا هو زيادة 500 درهم فقط في خانة التعويض عن الأخطار المهنية، وهي زيادة مستحقة ومتأخرة بالنظر إلى طبيعة المخاطر التي يواجهونها يوميًا في المستشفيات والمراكز الصحية.  

والأهم من ذلك، أن هذه الزيادة لن تُحتسب إلا ابتداءً من فاتح يوليوز 2025، ما يعني أن الأجور الحالية ستظل على حالها حتى ذلك الحين، وهو أمر يتناقض مع الخطاب الإعلامي الذي يوحي بأن الزيادة أصبحت سارية المفعول فورًا.  

أما باقي الأرقام التي تداولتها الصحافة، فلم تكن سوى وعود وتصريحات وردت إما في بلاغات التنسيقيات النقابية أو تصريحات مسؤولي وزارة الصحة، ولم تتحول إلى زيادات فعلية في الأجور.  

تحوّل جذري في النظام الأساسي للممرضين  

بالتوازي مع هذه الزيادة الطفيفة، يتم التحضير لتغيير جوهري في النظام الأساسي للممرضين ومهنيي الصحة، حيث سيتم نقلهم من الوظيفة العمومية إلى نظام جديد تحت مظلة المجموعات الصحية الترابية (GST)، ليصبحوا مستخدمين بدلًا من موظفين عموميين.  

هذا التحول يطرح عدة تساؤلات حول الحقوق المكتسبة، والاستقرار المهني، وشروط العمل، وهو ما يثير مخاوف مشروعة وسط العاملين في القطاع، خصوصًا في ظل عدم وضوح تفاصيل هذا الانتقال وآثاره المستقبلية على وضعهم المهني والاجتماعي.  

مفارقة: قطاعات أخرى استفادت دون تغيير وضعياتها 

في الوقت الذي يُطلب فيه من الممرضين القبول بهذه الزيادة المحدودة والمشروطة بانتقالهم إلى نظام جديد، استفادت قطاعات مهنية أخرى من زيادات مهمة في الأجور دون أن يُفرض عليها أي تغيير في وضعها الإداري أو المساس بحقوقها المكتسبة  

هذا التفاوت يطرح علامات استفهام حول مدى العدالة في توزيع الزيادات، خصوصًا وأن مهنة التمريض تُعدّ من أكثر المهن إجهادًا وخطورة، ما يستوجب تحسين وضعية العاملين بها بشكل منصف يراعي طبيعة عملهم الحيوي داخل المنظومة الصحية.  

بين التهويل والواقع: ضرورة تصحيح الصورة  

ما جرى في الأيام الماضية يعكس نموذجًا متكررًا من التضخيم الإعلامي الذي يُراد منه توجيه الرأي العام، إما لتخفيف الضغط على الحكومة، أو لصرف الأنظار عن الملفات العالقة في قطاع الصحة، مثل نقص الموارد البشرية، وتحسين ظروف العمل، والعدالة في التعويضات.  

الممرضون اليوم لا يطالبون فقط بزيادات في الأجور، بل بإصلاح شامل وعادل يضمن لهم حقوقهم كاملة، ويعترف بمجهوداتهم الجبارة داخل منظومة صحية تعاني من العديد من التحديات.  

خاتمة

الحديث عن زيادات ضخمة في أجور الممرضين بالمغرب مجرد تهويل لا يعكس الحقيقة، إذ أن الزيادة الفعلية لا تتجاوز 500 درهم، ولن تُحتسب إلا ابتداءً من فاتح يوليوز 2025، مقابل تغييرات جوهرية في وضعهم المهني. وبينما تتجه الأنظار إلى النظام الجديد، يظل السؤال المطروح: هل سيحمل هذا التحول تحسينًا فعليًا لحقوق الممرضين، أم سيكون مجرد تغيير إداري يخدم مصلحة الدولة أكثر من مصلحة العاملين في القطاع؟

إدارة الموقع
إدارة الموقع
تعليقات