"حين ننزع عنا رداء المهنية و تتساقط جميع الإعتبارات جانبا، لنظل نحن كإنسان جنبا إلى جنب مع ذكرياتنا.."
- بقلمي : إيمان إسماعيلي علوي
المشهد الأول:
على متن حافلة بيضاء تبتدئ رحلة هاته الفتاة اليافعة ...من ايام مضت كان حفل زفافها..وهاهي ذي اليوم تبتدئ اول ايام شهر عسلها في مكان غريب عنها ...في قرية لم تألفها ....قرية من قرى مغربنا الحبيب.
تمسك بيد زوجها تنظر اليه بشغف.. ترى فيه فارس احلامها ..سندها و امانها... تشد على اصابع يديه .. وكأنها تتأكد من انه حقيقة وليس حلما من احلام يقظتها.
جلباب ابيض مطرز..حناء نقشت بعناية في اليدين ..خاتم زواج لا تنفك تنظر اليه بين الفينة و الاخرى..كحل اسود يرسم عينيها العسليتين و خجل يورد وجنتيها البيضاويتين.
الزوج وهو ينظر من خلال نافذة الحافلة :ايه ...شوف سبحان الله طرف الخبز فين ايدييك!
الزوجة: ايوا الحمد لله عليها ...كيما كان الحال حال حسن من حال هادي غي البداية وان شاء الله ربي يسهل الامور من بعد...نطلبوا من الله يجعلها فاتحة الرزق.
الزوج : ان شاء الله...حتى 300 كلم زوينة ...هههه المهم دابا غي ايكونو شي ديور للكرا وتكون مأمنة باش حتى ايلا رجعت للخدمة نكون مهني عليك.
الزوجة: نوصلوا بعدا و ايحن الله ...انا هاد الطربق طوالت عليا ...جاتني الدوخة... قاد كتفك نحط راسي شوية.
تأبطت كتفه وارخت رأسها بنعومة..اخذت نفسا عميقا من رائحة عطره المنبعثة من ملابسه واستسلمت لنوم هادئ..
المشهد الثاني:
وصلا الى المكان المنشود...نزل الزوج اولا...ثم امسك بيد زوجته ليساعدها في النزول ينظران حولهما ...الساعة تشير الى الثانية زوالا شمس الظهيرة تكوي الجباه....يبحثان عن مظهر من مظاهر الحياة في هدا المكان الشبه مهجور...ادارات تراصت فيما بينها على طول الرصيف...منازل الناس تظهر من بعيد فوق الجبال المجاورة بعثرت بعشوائية كأنها رسمة لفان جوخ.
الزوجة: يالله...اجي نشوفوا واش نلقاو شي حد نهدروا معاه...دخلا الى المركز الصحي القروي بخطى حذرة..
الزوجة: اجي ها واحد البيرو محلول ...وجدا الممرض الرئيسي غارقا بين اكوام مكومة من الاوراق ..يرتدي نظارتين عريضتين ماسكا الة حاسبة .. يدخل الارقام بعنف وكأنه يصب جام غضبه فيها.
طرقت الزوجة الباب ...
الزوجة :السلام عليكم ...الماجور؟
حمل عينيه بتثاقل باتجاههما ...فاغرا فاه منتظرا منها التعريف بنفسها.
الزوجة انا المولدة الجديدة اللي جيت لهنا.. جبت معايا مقرر التعيين وجيت باش نلتحق بالعمل. نهض من كرسيه ..ونزع نظارته..
الممرض الرئيسي: اه.. زيدي ابنتي مرحبا تفضلي.
الزوجة وهي تشير الى زوجها: هادا الزوج ديالي جا معايا
الممرض الرئيسي مصافحا اياه : مرحبا اسيدي تفضل
احضر كرسيا اخرا ليجلس عليه هذا الاخير...اجتمع ثلاثتهم ينظرون لبعضهم البعض ..في انتظار ان يبتدئ احدهم الكلام
تفحص الممرض مقرر التعيين قائلا : حفصة ياك ؟
حفصة : هي انا ...بغيت نعرف منك عافاك معلومات بخصوص الخدمة.. السبيطار و الموظفين.
الممرض: هادا ابنتي مركز صحي مع دار ولادة ..كنا بينا 2 ممرضين 2 مولدات وطبيبة انتقلات وماجا حد ايعوضها والممرضة اللي كانت مكلفة بالتلقيح خرجات ف mise en disponibilite عندها واحد الدري صغير من ذوي الاحتياجات الخاصة وماعندهاش اللي يقابلو ليها ...شحال وهي طالعة هابطة باش ايوافقوا ليها ويالله هادي 15 يوم باش خرجات.
حفصة:ايوا و شكون غادي ايعوضها؟
الممرض : هدا هو المشكل المطروح .. و حاليا ما علينا غي نصبروا ونتعاونوا باش نسلكوا الامور.
حفصة متسائلة : وكيفاش غادي ايكون التقسيم ديال لمهام ؟
الممرض : مادام نتوما 2 مولدات واحدة غادي تكلف بالتلقيح..ووحدة بالتخطيط العائلي و مراقبة الحمل و دار الولادة ديروا عليها النوبة و انا مكلف ب قاعة العلاج و الامراض المزمنة الصيدلية والمهام الادارية .
حفصة : وبالنسبة لاوقات العمل من 8h30 ل 16h30 ياك؟
الممرض : اه هادا التوقيت العادي و فوق 16h30 كتبدا الخدمة الالزامية .
حفصة : شنو هي هاد الخدمة الالزامية ؟؟
الممرض : هو النظام ديال الخدمة المعمول بيه فو ق 16h30.
حفصه: هي كانخدموا فوق 16h 30؟؟
الممرض : بطبيعة الحال ....الولادات و الحالات المستعجلة ما عندهم وقت...فقما جاو خصنا نشوفوهم.
حفصة: ويلا خدمت الليل كنرتاح لغد ليه؟
الممرض : لا ابنتي ماعندكش تعويض فساعات الراحة عندك تعويض مادي ديال 40 درهم لليلة ايلا زولنا 30% ديال الضريبة.
حفصة: يعني ايلا جاتني ولادة مع 3h00 ديال الصباح وماساليت معاها حتى 7h00 نجي نخدم مع 8h30 ؟؟
الممرض الرئيسي: ايوا هادا هو قانون الخدمة ....و لكن نتساعد معاكم.
طأطأت رأسها للأرض لحظة و ملامح وجهها تترجم حزنا عميقا لهاته الظروف الغير مريحة..التي بدأت بإخماد نار الحماس بداخلها.
رفعت رأسها تنظر في عيني زوجها...هي لحظة واحدة ونظرة واحدة كانت كافية ليتبادلا فيها حوارا صامتا..هي تشكيه حالها وتطلب منه مساندتها...وهو يواسيها ويشجعها.
المشهد الثالث:
اقترح الممرض على حفصة وزوجها مرافقته ليريهما مكاتب العمل و دار الولادة.
الممرض : اجيو معايا تشوفوا البيرويات ودار الولادة و الماطريال.
فتح باب وحدة التلقيح: هانتي ها SMI ها الثلاجة ديال التلقيح..ها البيرو ها الميزان ها البلاكار....
صمت اذنيها لحظة عن سماع ما يقوله الممرض الرئيسي لتنقل عينيها بين جدران خضراء كئيبة ااسودت من مناطق كثيرة نظرا لعامل الرطوبة..مكتب مبعثر الاوراق صدأ الاطراف ...ثلاجة مهترئة رتبت فيها مواد التلقيح بعشوائية..ملصقات جدران لم يتبقى فيها اكثر من الربع ...صنبور مياه...ذهبت لفتحه لغسل وجهها ..لم ينزل منه سوى قطرات قليلة مع صديد احمر.
الممرض : عنداك ابنتي هاداك الروبيني خاسر وزايدون الما هادي شهر باش مقطوع ..غير السي حميد جارنا عساس فالمدرسه اللي حدانا كيعمرلينا معاه السطولا من العين...عندهم شي مشكل فالقوادس شي ناس مداعين مع مالين لما مبغاوش ليهم ايدوزوا القوادس من ارضهم حيت كيضيعوا ليهم الفلاحة ديالهم...
نظرت اليه بلامبالاه وحال لسانها يقول هل من الممكن ان تكون الامور اسوء من هذا.
حفصة وهي تمرر يديها على ارضية المكتب المغبر: اللهم بارك ..ويلا لما ما كاينش اشنوا كاديروا فمسألة النظافة ؟؟
الممرض : كيما كلتليك ابنتي كنسقيو 2 سطولا وكنحاولوا ندوزوا بيهم هادشي ايلا كان الغيس وايلا كان جو الصيف كنكتفيو بالتشطاب...اصلا السيدة ديال النظافة كتخدم غي مرة فالاسبوع.
خرجت حفصة مسرعة لترى باقي المكاتب ودار الولادة التي لا تختلف كثيرا عن سابقتها.
حفصة: واش مكايناش المولدة الاخرى كاع ما شفتها؟
الممرض مشات تغدا شوية و غاترجع باش نمشي انا.
حفصة : واش حتى هي جديدة ؟
الممرض : لا قديييمة هادي 10 سنين وهي هنا؟
حفصة : مزيان بحرا نستافد من الخبرة ديالها.
زوج حفصة : بالنسبة للديور ما بانوش ليا هنا باش نكريوا .
الممرض: لا بلا ما تكري اصلا ماعندها فين ..ومادام غادير الخدمة الالزامية كاين سكن وظيفي فين تسكنوا.
حفصة : ايوا الحمد لله ...هادا اول خبر كنسمعوا و فرحني.
الممرض: ايوا يالله معايا باش تشوفو الدار.
تقدم الممرض و زوج حفصة يتناقشان فيما بينهما بينما ظلت حفصة ورائهما تتفحص المكان.
حفصة : واش مازال نزيدوا كاع ما بانوا لي الديور.
الممرض : الله يهديك ابنتي هاهما حداك.
حفصة : فين... واش هاد الاقسام؟
الممرض: ايوا ابنتي هادي هي العروبية السكينات غي على قد الحال....يفتح بابا من الزنك الصدئ...زيدوا تفضلوا...غرفة قسمت لقسمين ...ارضية من الاسمنت الرمادي ...اسقف من الخشب الرديئ عناكب هنا و هناك...
الممرض :ايوا هانتي ها السكينة راها مزيانة غي حضي راسك من الفيران كيقواو هاد الوقيتة.
حفصة ووجهها قد مال الى الاصفرار : اشنوا الفيران؟
الممرض: بالطبع ا ابنتي راه العروبية هادي الفيران ..الضفادع..العنكبوت .. الوزاغي.. الحشرات ..راه مسائل عادية الحمد لله معندناش الحنوشة.
حفصة تبحث بيديها عن سور تستند اليه لم تترك اها الصدمة قدرة على الوقوف..
زوج حفصة بهيستيرية عصبية : الصبر..الصبر.
الممرض: ايوا نخليكم شوية تناقشوا فخاطركم نمشي نكمل خدمتي ومنين تساليو دوزو عندي باش توقعي على محضر استئناف العمل..
وذهب تاركا اياهما فاغرين فاههما محاولان استيعاب الموقف...
المشهد الرابع :
عادت حفصة الى منزلها ....كي توضب حقائبها....بمكان منزوي بغرفتها جلست القرفصاء ....ماسكة ركبتيها بيديها الاثنتين تنظر بحزن لغرفتها التي ستشتاق اليها كما ستشتاق الى الايام الخوالي التي قضتها بها ...
ها هناك نافذتها المزينة باروقة زاهية الالوان التي لا طالما لوحت من خلالها لجارتها السيدة العجوز عائشة التي رغم كبر سنها تحرص على ممارسة التمارين الرياضية في الباحة الخلفية للمنزل...
وهناك السيد فريد الذي لا تراه الا حاملا معوله يتفقد ازهاره و اشجاره ....لا طالما تبادلا الحديث عن النباتات ...حتى انه اهداها موسوعة بهذا الخصوص...
و ها هو ذا فراشها الوثير الذي لاطالما ارتمت فوقه مغمضة العينين تحلم بمستقبل مشرق
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تشاهد والدتها تجهز لها حقيبتها ...تعد لها ما لذ وطاب من حلويات...كما لم تنسى ان تجهز لها علبة تحتوي على مختلف الاعشاب العطرية الضرورية.
ام حفصة: هانتي ابنتي .. هاد العشوب غادي اينفعوك تما ايلا مرضتي خصوصا هاد الزعتر راه بلدي..وها عليبة فيها شوية د سلو ...وها دواز اتاي باش تفطري الصباح ..وقريعة ديال العسل البلدية خليه غي لدوا.....اه....كنت غانسى راني جمعتلك واحد القريعة حتى هي فيها شوية د القطران ديري منو شوية فالباب و السراجم ايبعد عليك الحشرات....
هرولت حفصه الى حضن امها وقلبها يعتصر من الالم لمفارقتها...لقد بدأت تشعر سلفا بالم الغربة .
ام حفصة محاولة اخفاء حزنها: لا ابنتي دبا خصك تشجعي و تقسحي قلبك..دبا تولفي ...غي صبري ...غصة دامية استقرت في حلق والدتها التي استسلمت بدورها لدوامة العواطف التي انتابتهما للحظة.
هو امر صعب فعلا ان نفارق من نحبهم..انها تلك اللحظة التي تستعرض فيها كل لحظاتك الجميلة و المرحة معهم....تتلاشى عيوبهم ليظل فقط كل ما هو مثالي امام ناظريك.
المشهد الخامس :
وضعت حفصة حقيبتها في صندوق سيارة والدها...تحييي بيدين مرتعشتين والدتها و اخواتها الواقفات بالباب يشيعنها بنظراتهن.
والد حفصة: يالله ابنتي ..راه مشا الحال بحرا نلحقو الكار.
ركبا السيارة متوجهين الى المحطة الطرقية..حيث ودعها والدها داعيا الله ان يحفظها في طريقها.
اتخدت مكانها بين الركاب .. وضعت حقيبة يدها جانبا ..حملت هاتفها تتصل بزوجها ..كي تخبره بمكانها...لم يتسنى له توديعها ..عمله العسكري بمدينة اخرى لم يسمح له باخذ ماذونية اخرى لايصالها.
حفصة: الو يحيى...انا دبا فالكار راحنا خارجبن
يحيى: وا حضي راسك ...شكون كالس حداك??
حفصة: حتى واحد البلاصة لي حدايا خاوية.
يحيى : ديري صاكك تما باش ما يجي حد ايتبسل عليك .
حفصة : وخا..صافي..كون هاني ..المهم تهلا فراسك ..بسلامة ..
وضعت حقيبة يدها في المقعد المجاوركما طلب منها زوجها ..وضعت سماعتي الاذن ...شغلت سورا من القرآن الكريم بصوت الشيخ سعد الغامدي كي يطمئن قلبها " الا بذكر الله تطمئن القلوب".
المشهد السادس :
وصلت الى مقر عملها تجر حقائبها الثقيلة ...انه يوم احد ...اطفال اختاروا الرصيف كملعب لمزاولة لعبتهم المفضلة ..كرة القدم.
كان من بينهم الابن الاصغر للممرض الرئيسي ادريس ..ايمن..فور رؤيته لحفصة هرول اليها فرحا.. بابتسامة بريئة
حفصة : كاين باباك فالدار?
ايمن: لا بابا فالقهوة ماما كاينة.
ذهب ايمن ينادي والدته بصوت عال افزعها
عالية: مالك اولدي لاش كتغوت
ايمن: الفرملية جديدة جات.
كانت السيدة عالية امراة في عقدها الرابع نحتت اثار التعب على وجهها الجميل تجاعيد جعلتها تبدو اكبر سنا...تزوجت وهي لا تزال في ربيعها العشرين من ادريس ..انتقلت معه كثيرا من قرية الى اخرى حتى استقر بهم الحال هنا.
وضعت السيده عالية شالا على راسها و خرجت تبحث عن حفصة: زيدي ابنتي مرحبا متبقايش واقغة فالباب.
حفصة : لا معليش شكرا ...بغيت غي سوارت ديال الدار..باش نقاد حويجاتي..
عالية : ايوا غي دخلي دبا نديروا كاس داتاي تردي بيه راسك من الطريق .. وغي يرجع ادريس من القهوة.. يعطيك السوارت وندوز معاك نعاونك.
دخلت حفصة منزل عالية وهي خجلة من كرم هاته السيدة ... لكنهن سرعان ما اندمجن و استغرقن في احاديثهن النسوية.. الى ان عاد ادريس من مقهى الدوار الذي لا يعدو كونه بضعة كراسي وضعت بجانب دار المقدم يجتمع فيها اعيان القرية اما البقية فتجلس على صناديق المشروبات الغازيه.
ذهبت حفصة و عالية الى المنزل الجديد توظبانه بهمة ونشاط..تصلحان ما يمكن اصلاحه كما لم تنسى وصية والدتها ...لتضع قطرات من القطران على عتبة الباب و النوافذ عسى ان تقيها شر الحشرات....
ارتمت على فراشها الجديد تعبة ...التحفت بغطائها و استسلمت لنوم عميق بعد يوم حافل استعدادا ليوم غد...هدا اليوم الذي لا طالما انتظرته لتباشر عملها كممرضة.
المشهد السابع :
الساعة تشير الى السابعة صباحا ...ذهبت حفصة لغسل وجهها...نظرت الى المرآة تحدث نفسها ...انها تقنية
تعلمتها فيما مضى في احدى الدورات التدريبية لتطوير الذات لاكتساب الثقة بالنفس.
عبق رائحة القهوة يملأ الأرجاء ...فتحت حقيبتها ...اخرجت وزرتها البيضاء الجديدة...لقد اقسمت يوم تخرجها ان تحترم مهنتها ...وبان تظل سريرتها نقية كنقاء هاته الوزرة.
لقد كان يوم مميزا...يوم احتفلت اسرتها الصغيرة بتخرجها ... اتخذت من مائدة الطعام منبرا لها .... ادت قسم المهنة ارتجاليا تحت تصفيقات والديها واخواتها.
قلبها يخفق بسرعة.... وملامح الارتباك تعلو محياها ....القت على مرآتها نظرة اخيرة لتوضب حجابها ... ثم توجهت صوب مكتبها الجديد\ القديم ... ولسانها يلهج بادعية التوكل على الله كي يذهب عنها الخوف و الارتباك.
اصوات الناس تتعالى من بعيد ... لغو النساء ...بكاء الاطفال ... و زفرات الرجال...ما ان فتحت مكتبها حتى تجمهر الناس حولها يتسابقون ...
حفصة بابتسامة تترجم براءة و سذاجة المتدربة في حسن الاستقبال: غي صبروا عافاكم نحط التلقيح و الماتريال ونا معاكم
لم تشفع لها ابتسامتها وكلامها الحلو كما دربوها في ان تجعل الناس تتراجع ... بل فهموا في الحين انها متخرجة حديثة فاستغلوا الوضع لقضاء مصالحهم بسرعة .
رجل من بعيد: والشريفة و تي سربينا دغيا لقحيلينا الولد راه تابعنا التسجال ف الحالة المدنية .
لم تكد تجيبه حتى بادرتها اخرى :
اختي سربيني دغيا عطيني الفنيد الراجل عندي مزروب و الحديد غايمشي علينا .
امرأة اخرى : ادكتورة شوفيلي هاد البنت عندي مريضة شوفيلي ليها شي دوا الله يشدليك فالصحيحة.
لم يترك لها الناس فرصة للحديث ...اغلقت باب المكتب بصعوبة محدثة نفسها: ناري يا سيدي ربي اش هاد الوحلة ...كل واحد باغي ايسبق لاخر وما كاين اللي ينظم ....ايه يا السطاج...ايه يا الشفوي فين هو النظري دبا فاش غاينفعني.
نظرت حولها ...عليها ان تنظم الاوراق المبعثرة... و تبحث عن الاوراق اللازمة لحصة التلقيح.
توجهت الى مكتب الممرض الرئيسي لتطلب منه حاجياتها اللازمة لحصة التلقيح...بحثت عنه فوجدته بقاعة العلاجات محاطا بعدد كبير من المرضى .
حفصة : السي ادريس... السي ادريس...عافاك بغيت les fiches journaliers و registre ديال SMI.
ادريس: مكاينينش تما?! ....وخا تسناي شويا.
انتظرته على مضض وهي تعلم ان كل تأخير من طرفه يعني غضبا زائدا من منتظريها.
المشهد الثامن :
فكرت في طلب المساعدة من زميلتها....فرصة ايضا للتعرف اليها ...فهما لم يلتقيا بعد.
توجهت صوب دار الولادة...وجدت زينب تقيس ضغط احدى الحوامل.
حفصة : السلام عليكم ... زينب ساج فام?!
اشارت لها زينب بيدها كي تصمت الى ان تنتهي من قياس الضغط.
زينب وهي تنزع السماعات من اذنيها: نعام انا هي .
حفصة : سمحيلي .. ما تلاقيناش من قبل.. انا حفصة ساج فام الجديدة.
لقد كانت زينب في السادسة و الثلاثين من عمرها... مطلقة ...تبدو متبلدة الاحاسيس...متجهمة ... في عينيها حزن عميق ...و صوتها يحمل رنات اسى غريبة.
زينب :بديتي الخدمة?!
حفصة : بديت ولكن ترونت...كلشي باغي اسبق هو اللول ... تزاحمولي فالباب... ماعرفت شكون نسبق و شكون نوخر!
زينب بحدة : يالله معايا!
تقدمت زينب حفصة بخطى واثقة من وحدة التلقيح....بمجرد ان رآها الناس بدأو بالتراجع الى الوراء دون ان ينبسو ببنت شفة.
زينب بصوت جهوري : اللي عندو التلقيح ايبقا... اللي عندو حاجة اخرى ايدوز لهيه...
مخاطبة النساء : يالله عطيوني الكارنيات ...اللي عطاتني الكارني تجلس ف بلاصتها ما نلقى حتى وحدا واقفالي فالباب.
وضعت زينب ملفات التلقيح على مكتب حفصة التي بدت كالمذهولة من الطريقة التي انصاع بها الناس لأمرها....انها حقا امرأة قوية.
زينب : هانتي ها الكارنيات ...خدميهوم اللول... وسجلي المواعيد و عيطيلهم وحدة.. وحدة ...وخا ايهضروا سدي ودنيك وديري خدمتك كيمما خصها تكون.
حفصة وهي تهز رأسها : اه....واخا .... شكرا.
عادت زينب الى مكتبها تاركة حفصة تطبق نصائحها ...لقد دهشت فعلا كيف استطاعت ان تهتم بالوضع دونما اي جهد يذكر ...منت نفسها بالتعلم من هاته السيدة الغريبة الاطوار.
المشهد التاسع :
نظرت حفصة الى ساعتها انها الثالثة زوالا ...لقد مرت ست ساعات من العمل المتواصل جعلت حفصه تشعر بالام في الظهر و الساقين ...لقد شعرت للحظة انها تفقد انسانيتها و تعمل كالروبوت نزولا عند رغبة الناس .
خرجت من مكتبها نحو بهو المركز الصحي ... لم يتبقى احد...حمدا لله ...وجدت الممرض الرئيسي بدوره ذاهبا الى منزله .
وجدها فرصة ليسألها عن رأيها في العمل ... هل استطاعت التغلب على الصعوبات و النجاح في اول يوم لها...كما اعتذر عن عدم مساعدتها لانه كان غارقا بدوره وسط من يريد تغيير ضمادته ومن يريد اخذ الحقن ومن يرغب بقياس ضغطه..
اجابته بابتسامة منكسرة تعبر عن حالتها النفسيه
ادريس : يالله ابنتي نخليك نمشي نتغدا glycémie هبطات وحتا نتي سيري ترتاحي وبالنسبة l'astreinte حتي لسيمانا الماجيا وتبدايها دابا زينب راها مكلفة.
عادت الي بيتها ...و ضعت وزرتها جانبا...مصارينها تعزف مقطوعة لبتهوفن ...تذكرت كيف كانت تعود لبيتها ايام الدراسة لتجد والدتها قد جهزت المائدة.
حفصة : الله يسمح لينا من الوالدين...فينك الواليده و فين طويجناتك.
لم تجد وجبة اسرع من وجبة البيض و الطماطم و فنجانا من الشاي.
وضعت رأسها على وسادتها تتابع فيلما اجنبيا...لقد كانت من عشاق افلام الرعب و الاشباح...لكن تفكيرها كله كان منصبا حول زينب...لقد بدت لها كاحجية تحتاج حلا...ما هو سر حزنها يا ترى ? مالذي يجعلها جافة المشاعر هكذا? لما لم ترحب بها كما كانت تنتظر?
كلها اسئلة لم تجد لها حفصة جوابا فبدأت تبتكر الخطط لتذويب جبال الجليد التي تفصلهما وتتقرب منها..
المشهد العاشر :
توالت الايام تباعا ...تتشابه فيما بينها ...وان اختلفت الوجوه...بدأت حفصة بالتعود على طبيعة الناس ....شيئا فشيئا بدأت تتعلم اساليب الدهاء و امتصاص غضب الناس.
رجل : افينكوم ...اللي خدامين فالسبيطار
حفصة مطلة من باب مكتبها : مالك الشريف اشنو عندك?
رجل : واش كتشوفي المرا حاملا بغا تولد وكاتسوليني اشنو عندي...زيدي شوفي اش ديريليها
تجاهلته حفصة وتقدمت نحو المرأة : زيدي اختي معايا لدار الولادة.
المرأ ة بصوت متهدج: اصباري اختي ....الحريق كايقطعني.....اميمتي واش داني....مقاداش اختي نزيد مقاداش...
هوت المرأة بركبتيها على الارض من شدة الالم.
لم تفلح حفصة وهي ذات البنية الهزيلة في مساعدة المرأة على النهوض لكونها بدينة نوعا ما.
هرولت باتجاه دار الولادة تنادي زينب: زينب ... زينب اجي اختي عاونيني واحد المرا بغا تولد وماقاداش تزيد.
لقد كانت ولادة عسيرة ... ازداد بها المولود بحالة موت ظاهر ...لكنه لم يجعل زينب تتردد في استعمال كل الاساليب كي تنقذ المولود من موت محقق.
انها لحظة عايشتها كل المولدات ولا زلن...هي تلك اللحظة التي تستعمل فيها كل الطرق لانعاش المولود المزداد بحالة سيئة ...تلك الطرق التي تتكلل بالنجاح ويصرخ المولود صرخته الاولى...وتبدأ اطرافه الزرقاء باخذ اللون الزهري.
تلك اللحظة التي ترى فيها صدر المولود يعلو و ينخفض بانتظام ....فتتنفس الصعداء ....فرحة عارمة تغمرك...لا يدرك كنهها الا من عايشها.
زينب وهي تمسح العرق عن جبينها : هانتي كملي اللباس للولد ...نمشي نبدل بجامتي ...ولات حالتها..
حفصة : وخا.. كوني هانية ...المرا جاية بغا انا نولد...راكي عارفة عام ديال التشومير نسينا كلشي.
حفصة مخاطبة المرأة : ايوا هانتي تفكيتي على خير دعي معانا
بدأت المرأة بالدعاء لهما بطول العمر ودوام الصحة وبان يرزقهما الله كل ما يتمنيانه.
استرسلتا في الحديث حتى فهمت حفصة من المرأة كيف انها حاولت ان تلد في منزلها بين اسرتها ...وكيف احضرت امرأة من احدى الدواوير القريبة لمساعدتها على الوضع...و كيف ان تلك المرأة استعملت بعض البخور باعشاب معينة لكن كل محاولاتهن باءت بالفشل.
حفصة : ايوا شتي الشريفة ...راه ديك البخور و العشوب هما اللي كانو غادي ايخرجوا عليك وعلى ولدك حتى تزاد سخفان... علاش منين بداك الحريق ماجيتيش عندنا نيشان ... واش معارفاش باللي الولادة فالدار خطر??!
المرأة : ابنتي الاعمار بيد الله... حنا العيالات د العروبية كانبغيو نولدوا فديورنا مستورين ما يسمع حد غواتنا حيتاش عندنا عيب يسمعوا الرجال البرانين المرا تاتغوت ...اناىعندي 6 ديال الدراري كلهم مزيودين فالدار ...وحنا ابنتي معندناش الحديد والدار مجاياش على الطريق ....منبن تيزيرنا الحريق بالليل على ما كيخرج الراجل ايدبر الطنوبيل كنكونوا ولدنا وسالينا.
اعطت حفصة للام نصائح بخصوص الرضاعة الطبيعية وكيف تعتني بسرة وليدها وهي تفكر كيف يظل المسؤولون الكبار يحثون النساء على الولادة بالمراكز الصحية متناسين ظروفهم الاجتماعية و المعيشية ...هل هو كلام لمجرد الكلام ام فقط لرفع عدد الارقام في تقاريرهم لمنظمة الصحة العالمية ...تذكرت مثال الرجل الذي قيد شابا ورماه بالبحر وقال له : اياك اياك ان تبتل.
المشهد الحادي عشر :
كان مساء يوم الجمعة ...كانت حفصة و عالية زوجة ادريس جالستان تتسامران ...تتبادلان اطراف الحديث ...ارادت حفصة ان تعرف من عالية سبب انطواء زينب على حالها ...فهي لم تتوانى عن استغلال كل فرصة ممكنة وبكل طريقة ممكنة التقرب اليها ...لكنها عبثا تحاول ...لا تخرج الكلمات من فم زينب الا للضرورة المهنية...ورغم هدا تصر حفصة على انها امرأة طيبة.
عالية : اش غادي نكوليك ابنتي ...من نهار جات وهي شادة بابها عليها ...ماتمشي عند حد ما تهدر مع حد من الخدمة للدار ومن الدار للخدمة...كون مكانش دوك الوراق اللي كتعمروا فاللول كاع مانعرفو واش مطلقة.
حفصة : ولكن هادشي غريب ... اي واحد فينا عايش فبلاصة غريبه عليه كايبغي ايلقا معامن ايتوانس .
عالية : وخا كاتبان حدودية عمرنا سمعنا منها شي كلمة د العيب.
حفصة : ما كاتجيش عائلتها تزورها ??
عالية : عمري شفت شي حد جا عندها ...هي اللي كل شهرين تاتخد سيمانة ...ولكن عمرنا عرفناها فين تاتمشي.
حفصة : انا حاولت الصراحة باش نتقرب منها ولكن بلا فايدة ....كاتبنلي بحال ايلا مقلقة وشي حاجة شاغلة بالها.
عالية :ايوا الله ايفرج همها وهمنا وهم كاع المسلمين.
حفصة وهي ترتشف كاس الشاي : امين.
لقدت وجدت حفصة في عالية الانس و الجود ... و كذلك عالية نجحت اخيرا في تكوين صداقة مع احدهم رغم فارق السن...فلم يكن يسمح لها ادريس بمصادقة نساء القرية ...فهذا حسب خبرته الطويلة يخلق فيما بعد مشاكل مهنية.
كان ادريس من النوع المحدود العلاقات ...بعد ان ينتهي من عمله ...كان بجلس في مقهى الدوار مع صديقه الموظف الجماعي فؤاد ....كانا ابناء منطقة واحدة ...كانا يستعلمان عن احوال بلدتهما من بعضهما البعض...عجيب كيف يصبح ابن منطقتك في بلاد غريبه ...اعز انسان لديك.
فؤاد : سمعت باللي جات شي فرملية جديدة عندكم.
ادريس : اه... هادي يالله 5 ايام باش جات ...ما زال مولفت مسكينة.
فؤاد : مزوجة ولا لا??!
ادريس : مزوجة ....علاش كتتسول?
فؤاد : هههه ...لا غي كلت عندي واحد ولد ختي محامي وكلت ناخد الاجر.
ادريس مازحا: دير الاجر غي فراسك ودخل سوق راسك لا تجبد عليك الصداع.
المشهد الثاني عشر :
انه اول نهاية اسبوع تقضيها حفصة...عليها ان تستمتع بها ...انطلاقا من الاسبوع المقبل سيحل دورها في المناوبة الليليه.
وجدت حفصة اشجارا زرعها فيما مضى ادريس... لكنه مع كثرة انشغاله و اصابته بمرض ارتفاع ضغط الدم ...لم يعد يهتم بها ...لقد كانت تعتبرها جنتها الصغيرة ...كانت تحمل كل مساء خرطوم المياه لتسقي الشجيرات.
لم تعد تلك الفتاة التي لا تفقه شيئا في الزراعة...بل اصبحت شغوفة جدا بمعرفة اسماء النباتات و اوقات الجني والاوقات الملائمة للغرس ...وما الذي يجب فعله للاعتناء بالاشجار ...لقد ساعدتها الموسوعة التي اهداها اياها جارها فريد كثيرا .
لقد بدأت تفهم حب هذا الرجل لازهاره و اشجاره ...انها رابطة قوية تجمعك بكل ما غرست يداك ...تجعلك تتفانى في العناية بها ...انها هواية جميلة و مثمرة...يكفي ان اللون الاخضر و ز قزقة العصافير تريح الاعصاب.
كان ايمن ابن ادريس يحب مساعدتها في اعمال الحديقة ..وهي بدورها لم تكن لتستغني عن مساعدته.
لم يكن ادريس ينعم بساعة صفاء حتى تجده يفتح باب المركز الصحي مرارا وتكرار للحالات المستعجلة و الغير مستعجلة ...
حياة الممرض بالبادية ليست ملكا له ...هو رهن اشارة الساكنة طول الوقت ...لم يكن من اولئك الذين يتملصون من اداء مهامهم ...هكذا كانت تحدث حفصة نفسها ...لا زالت تذكر كيف كانت البارحة عالية تشرح لاناس ان يعودوا فيما بعد لان ادريس كان بصدد اخذ حمامه ...لكنها كمن يشرح للصم ...فاضطرت ان تغلق الباب بوجوههم تاركة اياهم يصرخون و يصبون غضبهم بطرقات عنيفة على الباب.
المشهد الثالث عشر :
ذهبت زينب في عطلتها الاعتيادية لتظل حفصة وحيدة تؤدي مهامها ومهام زينب ..لقد شعرت بالفعل بالنقص الحاد الذي يشهده النظام الصحي في الموارد البشرية.
حفصة : موارد بشرية ديال الصومال ....وباغين ايطبقوا برامج صحية ديال اوروبا ياودي ...ياودي بقات غي فالهدرة.... اينوضوا ايهدروا تشدك البكية تقول هنا نبات ...
انهت عملها حوالي الساعة الثانية زوالا....توجهت صوب مكتب الممرض الرئيسي ...لملأ استمارة الخدمة الالزامية .
وجدت ادريس منهمكا في اعداد الضمادات ... نظرت اليه بحزن وخاطبته : ايه ا سي ادريس الناس وصلو للقمر و الممرض فالمغرب مازال كيضيع الوقت فالتصواب ديال كومبريس ....نعاونك?
ادريس مرحبا بالفكرة : جيبي كرسي و اجي .
بدات في طيهم ...ثم حدثته مازحة : هاد المسمن لي تنصاوبوا صغيورين.
ادريس : ايوا ابنتي خصنا نقتاصدو ...من 3 اشهر ل 3 اشهر كيصفطوا لينا باكية ولا زوج ...لمن غادي تكفي....وهنا الناس تبارك الله ماكاين غي هدا داير عملية ... هدا ختن ولدوا ...هدا كان كايلعب وتفلق وهدا كان كيحش الربيع وضرب يدو بالمنجل ...وزيد وزيد.
حفصة : بصاح ... عندك الحق ...ولكن..واش مامنحقكش تطلب العدد اللي بغيتي?
ادريس: ابنتي وخا تعيا تطلب ...فالتالي كيعطوك داكشي اللي بغاو ....نهار تانبغي نجيب dotation كنبقا نحسب قبل مانجي ل centre و وخا هاكداك منين كانجي كانلقا الناقص.
حفصة : وعلاش مكتوليش تعيط لافارماسي بروفانسيال وايعطولك دكشي اللي ناقصك.
ادريس : اودي شحال قدك ... عييت ابنتي خصوصا هادشي كيتعاود كل مرة ...فما بقيتش كانهدر.
تسائلت حفصة بهمس عن هاته الفوضى التي تتخبط فيها مؤسسات الصحة.
حفصة : ودابا كي غادير فالمسالة ديال الدوا ....هنا الناس موالفين ياخدوه ...ودبا الطبيبة مكايناش.
ادريس : غي خليها على الله ...مشكل كبير تطرحلي بهاد القضية ديال الطبيبة اللي مكاينة.
حفصة :ايوا وشنو الحل لي غادي دير الناس ماتيهمهاش واش طبيبب ولا ممرض اللي يعطيهوم الدوا المهم ياخدوه.
ادريس : ايوا ما عندي ما ندير كانسلك الامور ب les fiches de reference .
حفصة : و الناس كتقبل هاد الاوراق ?
ادريس : قليل لي تيقبل ...اما البقية اما كتسب وتمشي فحالها...اولا كاتلصق وتاتبغي دير الفوضى ...كنعطيها دوليبران ولا اوريوميسين ونقولوهم الله يشافي .
حفصة : وكيفاش هاد الطبيبة مشات وما جا حد ايعوضها ?!
ادريس: درجوا المنصب ف لوائح التوظيف ... ولكن الطبيب اللي جا تايشوف الخلا و القفار كايدير بناقص.
حفصة : هاء .... ايوا قراو باش ايسمحوا فالخدمه?!
ادريس : الله ايهديك ابنتي ...واش كيحسابليك هوما فحالنا....ايلا معجبوش البوسط ...تيسمح فيه ...حتى ايولي ايدوز كونكور العام الماجي ...ويولي ايشوف تاني عجبو هو هاداك ماعجبوش كيسمح ...وكاين اللي كيتخرج كايفتح عيادة ديالو .
حفصة : اوا ايلا جينا كاملين نشوفو الخلا والقفار وننسحبو راه حتى مركز صحي مغايتحل ..راه مزايدين عليهم غير بالصبر وهاد الناس اش دنبهم.. الدولة تتعرف غير دشن فالحيوط وتسفط الممرض يخدم باش يتحل المركز الصحي ويتسمى بلي عندهم منشأة صحية...هذا راه العبث وسياسة الديبناج لي مصالحة لوالو لا للمواطن لا للممرض.
ادريس : صراحة مشكل كبير تطرحلي بغياب الطبيب مع الساكنة اللي مكاتفرق لا بين طبيب ولا بين ممرض ..يكفي انك لابس بلوزة بيضا باش تقضي الغرض وتفك الناس بالخاطر بالسيف باش ما بغيتي.
حفصة : الاشكال هو الفراغ القانوني لي عندنا هو فراغ متعمد باش يسلكو امورهم مع الشعب على ظهرنا ...قضينا غرض وما مات حد ما تعطب حد داكشي لي بغاو وقع الله يحفظ شي حاجة يدوزونا من عين الابرة..وينساو تضحيات والخدمات لي قدمنا سنوات هادي .
ادريس : حفصة ابنتي نتي يالله بديتي او....
قاطع حديثهما رجل اربعيني حاملا طفلته ذات الخمس سنوات بيده كشبه ميتة
الرجل بصوت مشحرج تخنقه العبرات : السي ادريس السي ادريس... عتقني اخويا بنتي كاتموت بنتي غرقات ...بنتي السي دريس بنتي كاتموت
قام ادريس بالاسعافات الاولية حيث كانت الطفلة المسكينة لا تزال حية .. قبل ان يوجههما الى المستشفى الجهوي .. لقد ظلت المسكينة ما يزيد عن الساعتين غارقة بما يشبه البئر قبل ان تفطن والدتها بغيابها.
المشهد الرابع عشر :
ذهبت حفصة لمعاينة احد الحوامل الوافدات تاركة ادريس يكمل عمله بمكتبه
حفصة وهي بخضم ملأ ملف مراقبة الحمل لاحدى النساء الحوامل : فوقاش جاتك الحيضة اخر مرة .
المرأة و بكل ثقة : شحااااااااال هادي !!!
حفصة تحاول عبثا كتم ابتسامتها : ايييه ...اينا شهر بالضبط ?
المراة : ما عقلتش.
حفصة: حاولي تعقلي ...ضروري باش نحسبليك شمن شهر راكي .
المراة ما عرفتش هانتي شوفي كرشي و قدري .
حفصة : وخا نتي شحال حاسبة ??!
المراة : نكوليك 7 اشهر ... نكوليك 8 اشهر .
حفصة مستسلمة للامر الواقع ترسم علامة استفهام داخل الخانة المخصصة لتاريخ اخر دورة شهرية.
حغصة : زيدي اختي طلعي فوق الطبلة .
بعد ان انتهت من الفحص بادرتها المرأة بالسؤال : ايوا قولياي فوقتاش غانولد??!
حفصة بمرارة : نكوليك شهر 8 نكوليك شهر 9...منين غايجيك الحريق غاتولدي ...
حفصة منادية امرأة اخرى :يالله اللي نوبتها تدخل .
حفصة : سميتك ?
المراة : السعدية بنت الخمار .
حفصة :سميت راجلك ?
المراة : بوجمعه.
حفصة: بوجمعة آش???
نظرت المرأة لحفصة باستفهام
حفصة: الكنية ديالو?
المراة : والله معرفت ...صباري نخرج نسولو.
حفصة: شحال ونتي مزوجة??
المرأة : 8 سنين.
احضرت المرأة البطاقة الوطنية لزوجها علها تجيب اسئلة حفصة.
حفصة: فوقتاش جاتك الحيضة اخر مرة ?!
المرأة : فشاع الميلود.
حفصة : شنو?!
المرأة : شاع الميلود.
حفصة : شمن شهر هادا.
المرأة : حنا اختي كانحسبو بالعربي ونتوما تتحسبو بالفرانساوي.
لم تجد حفصة حلا سوى ان تتصل بوالدتها التي شرحت لها ان المرأة تعني الشهر الموالي للشهر الذي يحتفل فيه الناس بالمولد النبوي.
انتهت حفصة من فحصها وضربت للمرأة موعد الزيارة الثانية حين لاحظت بانها ايام معدودة فقط تفصلهم عن شهر رمضان المعظم.
فتحت حفصة درج المكتب كي تمنح المرأة الحبلى مكملا غذائيا يحتوي على مادة الحديد و حمض الفوليك...وجدت ورقة كتب عليها بخط تعرفه جيدا "كلينيك الكوثر-مركز الانكولوجيا- دكتور الراشدي 64552135"
حفصة : هادا خط زينب اش كادير عندها هاد الورقة ؟؟!
بتلك اللحظة اتى ادريس
حفصة: لقيت هاد الورقة فالمجر ديال البيرو د زينب ...
ادريس مرتبكا : انشوف ... اه ..لا هادا غي واحد السيد مريض مسكين وكنت وصيتها تجبلي النمرة ديال الطبيب وسميت الكلينيك.
حفصة: كلت واش كتعرف شي طبيب معا هي معندها كاع المعارف .
ادريس بضحكة مزيفة : ههه ...لا..علاش ماكتعرفيش زينب ماعندهاش معا بنادم.
ذهب ادريس تاركا حفصة متنفسا الصعداء : كنتي غاتفضحينا ازينب .
وضع الورقة بدرج مكتبه واغلقه باحكام.
المشهد الخامس عشر :
حفصة مخاطبة ادريس : بغيت عافاك الوريقات اللي خاصيني باش نقاد mutuelle .
ادريس: اجي بعدا سمعت شي دقان عندك البارح بالليل ...شكون جاك .
حفصة : شي مرة كانت كاتخصر قاديت ليها المسائل وسفطتها للسبيطار الكبير .
ادريس مزيان ...بالنسبة للوراق خاصك حتى تتخلصي عاد تصاوبيها حيت كايطلبوليك شهادة الاجرة.
حفصة: هاد المساله نيت ديال الخلاص معرفتش شحال غادي ايتعطلو علي ?
ادريس : على حسب ابنتي ...كلها وشحال المدة اللي جاتو ...انا عن نفسي حتى دازت 9 اشهر عاد تخلصت.
حفصة: 9 اشهر بزاف .... واللي ماعندو اللي يعطيه ... بالعكس عائلتو تتسناه ايعطيهم اش يدير ?
ادريس : ايوا الصبر ايفرجها الله...عاد دبا الحمد لله الامور بدات كتسرع ...3 اشهر ولا 4اشهر كاع و تتخلصوا اما القدام شحال هادي هما اللي كلاو العصا.
حفصة : وعلاش فنظرك هاد المسالة كتاخد هاد الوقت كامل ?
ادريس : حيت ابنتي الملف كايتخدم فكتر من بلاصه ...علما كيوصل من المندوبية للوزارة ومن الوزارة تياخد وقت باش ايدوز للمالية ...والعدد دالموظفين كتار ...كيدوزوا الملفات بالافواج.
حفصة : اودي كاع العالم عايشة بالسرعة ...وحنا مازالين فدب الحلزون فوق حجارة .
ادريس ضاحكا : مدام خدامه فالمغرب خليك غي فالمغرب ما تقارنيهش ببرا ....هاد الانترنت والفايسبوك خرج عليكم .
حفصة ضاحكة : حتى الانترنت فهاد البلاد السعيدة مازال فدب الحلزون فوق حجارة ..
المشهد السادس عشر :
مر الأسبوع شاقا وحفصة تعمل تارة في المركز الصحي وتارة بدار الولادة محاولة ان تؤدي مهاما مختلفة في آن واحد.
الساعة تشير الى الواحدة لم يظل كثير من الناس سوى نساء فضلن البقاء بالمركز الصحي ينتظرن ازواجهن رغم انهن نلن ما ارادنه من خدمات .
ذهبت حفصة الى صيدلية المركز تساعد ادريس في عزل الادوية المنتهية صلاحيتها بصناديق لا تشبع.
حفصة : والله حتى حرام هاد العرام ديال الدوا لي كيضيع غير هكاك و الناس محتاجها وما لاقياهاش.
ادريس : ايوا اش غدير ابنتي كون كان من حقنا نعطيوه بلا طبيب غانفرقوه ف 15 يوم ...ولكن راكي عارفة اللي كاين.
حفصة : مفهمتش لاش اصلا ايسفطوا لينا الدوا منين معندناش الطبيب ...علاش هاد الضيعه ديال الفلوس ...انا فنظري دوك الفلوس لي تتضيع فالشريان ديال الدوا و المازوط باش كايجي كون نيت ايوفروه وايتعاونوا به مع الصيدليات الخاصة و ايخفضوا الطاريفة ديال الدوا ...
رن هاتف ادريس ليقاطع حوارهما
ادريس : الو سعيد سافا ...كيفاش... اتسعت حدقتي ادريس وفغر فاه منصتا لمخاطبه ...
استمرت حفصة في ترتيب الادوية وهي ترى ارتباك ادريس ...فتكهنت من طريقة حديثه على الهاتف حدوث خطب ما.
حفصة بفضول : ياك لاباس اسي ادريس..ياكما كاين باس ??!
ادريس متلعثما : هاه..اه..لا..غي الوالد..عيان وتزير عليه الحال نعسوه فالسبيطار .خاصني نمشي نوقف معاه....
ادريس مردفا : كملي عافاك نتي هادشي وخلي دوك الصنادق حتى نرجع و نحرقهم انا غانمشي نعمر واحد الكونجي اكسيبسيونيل ديال 4 ايام ونخليهليك صفطيه مع الكوريي مع احمد .
بطريق عودتها الى المنزل وجدت حفصة عالية تخرج شنط السفر فبادرتها حفصة قائلة : عالية ..حتى نتي غادي تمشي ?!
عالية: ايوا اش غاندير الحبيبة ..ضروري نمشي معاه ...خصوصا ملي الدراري سالاو القرايا ...بغاو ايشوفوا جدهم.
عالية :مهم تهلاي فراسك و ما تقنطيش زينب غالبا غاترجع الاحد.
حفصة مودعة عالية و الاطفال: غاتخليوا بلاصتكم ...الله يشافي الوالد اسي ادريس.
رغم كون مسقط ادريس قريبا نوعا ما من مقر عمله الا انه فضل البقاء هنا ...لتفادي العمل وسط اهله واحبابه لما يخلق ذلك حسبه من احراج .
اتصلت حفصة بزوجها...تطمئن على احواله ...تبثه شوقها ووحدتها ...وتخبره بما الم بادريس و كيف انها ظلت وحيدة ...لكنه سرعان ما بدد احزانها بان اخبرها انه آت في غضون اسبوعين لرؤيتها.
المشهد السابع عشر :
لاول مرة تبحث حفصة عن القنوات الوطنية ...فهي لم تكن من محبيها ...فبحسب قولها انها لا تبث سوى تخاريف و تفاهات...لكنها اليوم مضطرة كي تستعلم عن اليوم الموافق لفاتح رمضان.
بعد 15 دقيقة من من الاخبار المملة ..افصح المذيع عن بلاغ لوزارة الاوقاف تنهي الى الشعب ان غدا السبت هو اول ايام شهر رمضان المعظم .
فرحت لقدوم هذا الشهر الحبيب ..لكنها حزنت ايضا...فهذا اول رمضان تقضيه بعيدة عن اسرتها وعمن تحبهم.
لقد افتقدت جو الترتيبات الذي كان يستبق حلوله...تالمت لانها لن تصلي التراويح هذا العام رفقة صديقاتها بمسجد الحي وكيف انها ستشتاق للصلاة وراء مؤذن الحي الذي كان يمتاز بصوت ملائكي يدخلك في جو من الخشوع منقطع النظير ... وكيف انها ستحرم من جلسات الوعظ التي كانت تقام بدار المرأة وكيف كانوا يحتفلون بحفظة القران ...ياليت شعري ما احوجها الى تلك الاجواء الربانية .
اتصلت باهلها واهل زوجها و صديقاتها تبارك لهم حلول الشهر المبارك.
ضبطت المنبه على الساعة الثالثة صباحا كموعد للسحور ...ثم التحفت بغطائها ..وتمنت الا يأتي احد ما هاته الليلة فما احوجها الى سويعات راحة تنسيها تعب هذا الاسبوع.
المشهد الثامن عشر :
تململت حفصة في فراشها ... تبحث بيد كيد الاعمى عن هاتفها ...ياالله ..انها الحادية عشر صباحا كيف لم يوقظها المنبه للسحور...اغتاظت ورمت هاتفها غاضبة.
نهضت لغسل وجهها وترتيب حجرتها ...فلديها من الاعمال المنزلية المؤجلة الشيئ الكثير.
في خضم انشغالها بتنظيف منزلها... سمعت طرقا على باب منزل ادريس ...فالتزمت الصمت وتعمدت الا تحدث اي ضوضاء تدل على وجودها ... فآخر شيئ تريده الان متسكع مار بجانب المركز الصحي يتذكر انه يوما ما في شهر ما اصابه طفح جلدي و عليه معالجته.
نظرت من ثقب الباب ورأت اصرار هذا الرجل و الحاحه في الطرق ...كيف رفس الباب برجليه متلفظا بكلام ناب ثم رحل.
ادت حفصة فريضة العصر ثم توجهت الى المطبخ لاعداد الاكلة الرمضانية المعروفة ب " الحريرة" رغم انه ينقصها العديد من المكونات.
لم يتبقى سوى 5 دقائق على اذان المغرب.. المائدة جاهزة..والحموضة التلفزية كذلك ابتدأت ... رفعت صوت التلفاز لخلق جو من الانسة والجلبة بالغرفة الصامتة الا من صدى افكارها .
جلست وهي تنظر لمائدتها للحظة ..لحظت مرت و كانها الدهر ..تنظر لنفسها وهي جالسة وحيدة امام مائدة متواضعة لا تقارن بمائدة والدتها...تتخيل كيف ان والدها لا بد ان يكون الان ماسكا مصحفه يتلو ورده اليومي...وكيف ان والدتها ستكون الان بصدد وضع اللمسات الاخيرة على الطاولة ..وكيف ان اخواتها سيكن الان لا محالة ماسكات كؤوس ملئى بالمياه الباردة ينتظرن الاذان فقط.
يا ليتها معهم الآن ..ياليتها فقط تراهم من بعيد وتسمع كلامهم وترى وجوههم .
اطبقت جفنيها لتحرر دمعتين حبستهما طويلا .. ليمرا على خديها ..كما يمر الماء الزلال بحلق العطشان ...تطفئ ولو قليلا نار الغربة التي تحس بها.
اذن المؤذن ولم تكد تتناول تمرتين و كاس ماء حتى سمعت ما لم تكن ترجوه...طرق عنيف متواصل على بابها.
حفصة : شكون?!
رجل : حلي اختي حلي .
حفصة : شكون نتا بعدا و شنوا عندك ?!
رجل : عندي مرا كاتولد حلي عافاك .
حفصة بامتعاض : وخا سير جيهة دار الولادة نلبس ونجي .
ارتدت حفصة وزرتها وهي بحال لا يعلمها الا الله .
توجهت حفصة الى دار الولادة ..اقتادت المرأة الى غرفة الوضع ..ما ان كشفت عن بطنها حتى رأت علامة ولادة قيصرية سابقة .
حفصة : فايتة دايرة سزاريان ياك...وقتاش اخر ولادة ولدتيها .
المراة : هادي عام و اربع شهور.
حفصة وهي تفحص عنق الرحم :وعلاش اشنو السبب??!
المرأة: الحكاك ضيقين.
حفصة التي وجدت ان عنق الرحم قد اتسع كاملا :عام واربع اشهر هادي باش درتي العملية وحاملة وعارفة باللي الحوض عندك ضيق و مخلية راسك حتى لدابا واش باغة طرطقي الوالدة ديالك ??!
المرأة محاولة دفع الجنين خارجا : بغيت نولد طبيعي مافيا مايدير شي عملية.
حفصة :واش هادشي فيه بغيت وما بغيتش...ماتزحميش ...غادي طرطقي الوالدة ديالك متزحميش.
حفصة ومظهر الارتباك و التوتر طغى عليها تبحث عن رقم هاتف سائق سيارة الاسعاف.
حفصة مخاطبة زوج المرأة : سير دق على دار احمد مول لابيلانص ...الريزو ما شادش عندوا سير دغيا .
الزوج : علاش ...ولديها نتي نيت هنا ...علاش هدا ماشي سبيطار .
حفصة بصوت جهوري غاضب نفخ اوداجها : سير دغيا باركة من الهدره ماعندنيش الوقت دبا باش نتناقش معاك...جري لا تموت لينا المرا والترابي.
بدات حفصة بتجميع العدة اللازمة لمرافقة المرأة للمستشفى الاقليمي.
مرت 15 دقيقة على حفصة و كانها 15 سنة وهي بين الفينة و الاخرى تفحص ضربات قلب الجنين التي بدات تتغير قليلا.
حفصة : و اخيرا جيتي احمد يالله اخويا نعتقوا هاد المرة ...غي زرب الله يرحم الوالدين.
انطلق احمد بسرعة فائقة لم تستهجنها حفصة رغم سوء الطريق الوعرة كونها لم تكن تفكر بشيئ اخر سوى ايصال المرأة الى بر الامان...
المشهد التاسع عشر :
بمنتصف الطريق طلبت حفصة من احمد الوقوف جانبا .
حفصة : وقف احمد شويا عفاك نهبط نشوف المرا شفتها تتزحم بزاف.
فحصت حفصة المرأة التي لم تستوعب ان مجهوداتها في الدفع بالجنين خارجا لن تفلح.
حفصة : اختي متزحميش ...خلينا نوصلوا على خير ...راه مغاديش ايخرج ...غير تتسخفيه..وغطرطقي الوالدة ديالك ..
عادت حفصة لمكانها وانطلق احمد من جديد صوب المستشفى المحلي.
مرت 50 دقيقة عانت فيها المرأة و حفصة ما شاء الله ان يعانوه الى ان وصلوا .
حفصة ماسكة بورقة التوجيه ومساعدة احمد في انزال المرأة : انا غاندخل نشوف القابلات .
دخلت حفصة بهو جناح الولادة ...التقت بعاملة النظافة لتسألها : فين عافاك المولدات ?!
عاملة النظافة : غي وحدة اللي كاينة شادة هاد الليلة اصباري نعيط ليها .
حفصة : وخا اختي بالزربة عافاك...راه حالة مستعجلة .
عاملة النظافة منادية على المولدة : سميرة ... سميرة ...اجي شوفي واحد الفرملية باغاك.
خرجت سميرة مستفسرة عن الحالة .
حفصة : اختي هادي واحد المرا فايتة دايرة cesarienne هادي عام و اربع اشهر بسباب الحوض عندها ضيق ودبا راها complete.
سميرة : ياربي السلامة ومالها على حالها...المهم دخليها عافاك لهاد البيت نسالي واحد l'episio ونجي.
ساعدت حفصة المرأة بالدخول الى الغرفة في انتظار ان تاتي سميرة .
سميرة نازعة قفازتي يديها البلاستيكية : مشكلة هادي ...من قبيلة ونا نصوني على الطبيب ودابا طفا التيليفون ...هادشي كامل فطور .
حفصة : اويلي على طفا التيليفون ..وشنو الحل دابا !!!
سميرة منادية احدى حراس الامن : رشيد ...رشيد...اجي اخاي واحد الدقيقة...سير عفاك دق على دار الطبيب قولو قالتليك سميرة راه كاينة حالة مستعجلة فالسبيطار.
حفصة محاولة تهدئة المرأة وزوجها اللذان بدآ بفقدان اعصابهما.
حفصة مخاطبة سميرة : فين هو هادا دبا ايجي ايعتق المرأة?!!
رشيد لاهثا من ركضه ذهابا و ايابا : والو اختي عييت ندق مكاين حد قالولي الدراري شافوه قبيلا غادي الجامع يصلي التراويح.
سميرة : وعلامات التوتر بادية على محياها : والله ايلا مزيان هو معامن جات...مخليني واحلة حتى الفطور ما فطرت فخاطري .
سميرة مخاطبة حفصة : انا نشوف رشيد ايمشي لعندوا الجامع ايجيبوا ما جاش غادي نعلم مدير السبيطار ايشوف هو الحل.
صوت امرأة اخرى تصرخ من داخل جناح الولادة جعل سميرة تركض نحوها تاركة حفصة برفقة المرأة.
حفصة محدثة نفسها : ونا اللي كنت كنقول سعدات البنات اللي خدموا فالسبيطارات مع الاطباء محميين وخدامين مرتاحين ساعة ويل ويل....وحده شادة 20 مرة دقة وحدة و الطبيب ما جاه الايمان حتى la gard ديالو...
الساعة تشير الى التاسعة و النصف ولا زالت حفصة تنتظر رفقة السيدة وزوجها الذي ذهب يصب جام غضبه في سجارتين ...الى ان اتى اخيرا الطبيب بخطى واثقة وهادئة: فين هي المريضة ??!
حفصة مشيرة للمرأة و حال لسانها يقول : اودي بهاد الخدمة لي درتي كلنا ولينا مراض .
عادت حفصة الى منزلها متأخرة ...الساعة تشير الى 22h40 ...مائدة الفطور اليتيمة لا زالت كما تركتها ...اعادت الصحون الى مكانها وهي تستحضر المثل المصري القائل "جات الحزينة تفرح ...ملئتش ليها مطرح".
المشهد العشرون:
انه يوم احد جميل ، شمس ساطعة متلألئة كأنها ملكة متوجة .
نظرت من نافذة مطبخها وهي بخضم جلي الصحون ...صبيان يركضون هنا وهناك يلعبون و يضحكون...تذكرت كيف مر صباها سريعا ..لم يكن لديها وقت كثير للعب ..كان عليها ان تدرس كثيرا وتلعب قليلا كي تحضر لمستقبلها..هذا المستقبل الذي تعيشه الان ...لا يشبه كثيرا ما حلمت به وعملت جاهدة لتحقيقه.
تذكرت كيف مر صباها بين اسوار مدرستها الجميلة...بذكريات جميلة و اخرى سيئة .
ذكرياتها السيئة كانت منحصرة باصابتها بمرض الصرع بسن السابعة رافقها لمدة عقد من الزمن ...لقد كان مرضا محرجا نوعا ما ..يجعل اقرانك يخافونك..يشيرون اليك باصابعهم ...مرض يجعل فرائصهم ترتعد عند حضور نوبة من نوباته .
كانت تحمد الله ان نوباتها كانت منزلية بعكس صديقتها ريم التي كانت تعاني من نوبات كثيرة بالحصص الدراسية .
10 سنوات تناولت فيها حفصة دوائها فيها كل ليلة...لم تكن تستطيع المبيت عند احد ما من افراد العائلة...لم يكن باستطاعتها الذهاب في الرحلات المدرسية ...ولا الخرجات الدراسية....لم يكن بامكانها شرب الشاي كونه منبها...ولا السهر متأخرة كاخواتها ايام العطل...حاولت مرات عديدة ان تمتنع عن اخد دوائها ...كم من مرة رمت علبة الدواء غاضبة ...وفي كل مرة كان الامر يسوء اكثر ... الى ان اتى يوم اتتها نوبة الصرع وهي بخضم صعود السلم ...اصيبت اصابة بالغة جعلتها تعيد النظر بقراراتها .
لقد كان مرضها سببا رئيسيا في ان تركز اكثر على دراستها محاولة ان تحافظ على مركز الصدارة امام زملائها ...عليها ان تشعر بانها لا تنقص عنهم شيئا.
لولا ما كن اخواتها يحكينه لها ما علمت ما يقع لها اثناء النوبة ...لقد كانت بالنسبة لها نومة مفاجئة قصيرة المدة تفيق على اثرها محاطة بأسرتها الخائفة الباكية.
حمدت الله على انتهاء معانتها من هاته التجربه المؤلمة.
لقد كانت تتعاطف بشكل خاص مع المرضى الوافدين اللذين يعانون من نفس المرض...كانت بدون شعور تنغمس معهم في احاديث بهذا الشأن ...وكأنهم يحكون تجربتها بمكان وزمان مختلفين.
افاقت من ذكرياتها على صوت اقدام زينب مارة الى منزلها ..لوحت لها حفصة من نافذة مطبخها : زينب .... على سلامتك.
زينب بابتسامة مقتضبة كالعادة : شكرا.. بارك الله فيك..و اتمت مسيرها لمنزلها .
المشهد الواحد و العشرون :
اتى يوم الاثنين ...ترك ادريس فراغا كبيرا بغيابه...اقترحت زينب على حفصة ان تهتم هي بمهام ادريس على ان تقوم حفصة بالباقي...استحسنت حفصة الفكرة فلا احد يستطيع ضبط الامور كزينب.
دخل نائب رئيس الجماعة القروية يخبر حفصة وزينب عن قرب حلول حملة طبية ستنظم بالمركز الصحي بعد 13 يوما ...وكيف يتوجب عليهم التنسيق بينهم لضمان مرور هاته الحملة في احسن الظروف.
غادر النائب لتخاطب حفصة زينب بسذاجة : مزيان ...هاد الجماعة قلبها على الناس دبراتليهم فهاد الحملة الطبية.
زينب : الله يجيبك على خير ابنتي ...الانتخابات قربات ... وهاد الناس ايديروا اي حاجة باش ايجمعوا الاصوات...غي صبري دوز الحملة الانتخابية وشوفي واش مزال باقي تشوفي شي حملة طبية.
حفصة : هكاك...قولي القضية فيها اهداف سياسية !!
زينب : دبا تجي الحملة وتشوفي الفوضى وتمارة اللي غاضربي ...وفالتالي الناس كاتمشي ما عاجبها حال.
حفصة : علاش ??!
زينب : حيت ماكاين اللي ينظم ....الجماعة المهم عندها خصها تسمى تهلات فالمواطن و جابت حملة طبية ...ماكيهتاموش بالجانب التنظيمي قدما كايهتموا بالمظاهر ...والتخصصات الطبية اللي تاتجي قليلة hypertention ..diabete ..و الطب العام للحوامل ...
حفصة : بصاح التنظيم مهم و الا الجهود كلها غاتمشي فالخوا.
زينب : 70 % ديال اللي كايعمروا السبيطار كايجيوا غي مساريين ايديوا الخبارات وكايديوا النوبة من الناس اللي بصاح مراض ومحتاجين الاستشارة الطبية خصوصا الناس الكبار فالسن اللي ما بقا عندهم جهد ايسافروا للمدينة باش ايتعالجوا.
لم تكن حفصة مهتمه بالموضوع اكثر من اهتمامها بمواصلة الحوار مع زينب...فهذه اول مرة يتناقشان بموضوع ما.
لقد كانت نوعا ما فخورة بنفسها ...لقد حققت ما كانت تصبوا اليه من زمن ...التواصل مع هاته المرأة الغامضة.
مر اليوم سريعا...كانت حفصة بصدد وضع فطورها بمائدتها حين تم الطرق على بابها
حفصة : واش هاد الناس بلعاني حتى كيقرب المغرب عاد تيجيهوم المرض ...اوووف ...ناس تتفطر بالتمر وحنا كنفطروا بالناس.
زينب من وراء الباب : حفصة ... حفصة
حفصة فاتحة باب منزلها :اه هادي نتي ...زيدي دخلي .
زينب : لا .. لا .. اجي نتي معايا دغيا وقعت واحد AVP 《حادثة سير 》وكاين 3 د ناس مضرورين اجي عاونيني فيهم.
حفصة : واخا انا نلبس طابليتي ونجي .
لقد كان ثلالثتهم مدرجين في دمائهم بحاله مزريه جعل حفصة تندم على ما بدر منها من قول نتيجة ضغوط العمل الكثيرة.
علقا المصل لثلاثتهم....اعتنيا بجروحهم...وتم ارسالهم للمستشفى المحلي.
حفصة : يحسن عوان ادريس حتى هو عليه الطلب.
زينب : ايوا شكوى لله ..كلها وهموا ...يالله سيري تفطري بالصحة والراحة..
المشهد الثاني والعشرون :
بيدين صغيرتين حملت حفصة اناءا حديديا تسقي به الازهار والاشجار العطرية المحيطة بمسكنها .. كانت تحب شجرة المريمية ورائحتها تداعب اوراقها كمن يداعب راس طفل صغير ... بدأ الليل البهيم يسدل ستاره وهدوء مزعج يحيط بالاطراف الا من نباح كلاب هنا وهناك وصفير صرصور الليل.
سمعت صوت سيارة اتية من بعيد ...ارخت سمعها تتاكد ... لعلها حالة ولادة على وصول.
فرملت السيارة بقوة قرب الباب الخلفي للمركز الصحي ... شرعت تطيل عنقها ذات اليمين وذات الشمال علها ترى من القادم .
لغط ايمن وهو يترجل من سيارة الاجرة كان كافيا ليحول قلقها وهواجسها لابتسامة من فرح عريضة رسمت على ثغرها.
ايمن وهو يقفز بخطوات سريعة : خااالتي حفصة ...عانقها من خصرها لقصر طوله .
تبعته عالية تحذره مخافة التعثر والسقوط وادريس يحمل الحقائب غاضبا : على 4 ايام دايين رحيل شهرايين .
دخلت عالية وحفصة في عناق طويل .. كانت مدة تعارفهما قصيرة لكن صداقتهما تجذرت بسرعة عجيبة.
يقال ان الارواح تعرف بعضها بعالم البرزخ وحين تصبح في عالم الاحياء تظل لديها الية للتعرف على الارواح التي صادفتها سابقا بذات العالم فإما ان تتآلف سريعا او تتباغض بدون اي سبب مقنع.
ادريس كان رجلا نحيل البنية ..اشيب الشعر..ذو حاجبان كثيفان عريضان..عينان غائرتان من حمل النظارة الطبية ...لحية صغيرة تفرقت بشكل عشوائي على محيط وجنتيه...يرتدي قبعة رأس دائما وابدا لا يمكن ان تراه الا بها ..حتى يخيل للواحد انها انصهرت واضحت عضوا من اعضاء جسمه .
يحافظ على لياقته البدنية خاصة بعد اصابته بمرض ارتفاع الضغط الدموي وارتفاع مستوى الكوليسترول بدمه ... فتراه في اوقات فراغه خارجا من منزله باكرا مرتديا زيه الرياضي مطلقا ساقيه للريح.
لقد بدأ الزمان يخط على وجهه مخطوطته الازلية ..تلك المخطوطة الحتمية على كل بني ادم ..مخطوطة تترجم طفولة ماضية.. شبابا فائرا ..وذكريات كثيرة مرت بحلوها ومرها .
اما عالية فكانت امراة ودودة طويلة القامة مكتنزة الجسم بتناسق قل نظيره في قريناتها ..ذات تفكير شبابي وروح مرحة عاقلة الى حد كبير.
اسرة ادريس تتكون من ابن شاب يدرس باحد المدن البعيدة ..وابنتان متزوجتان ..وايمن اخر العنقود.
تزوجت عالية بسن صغيرة ، آنذاك لم يكن مسموحا للفتيات ببلدتها ان يكملن دراستهن ..فيكفي حسب منظور كبار الاسرة ان تنال دراسة ابتدائية لتتعلم القراءة والكتابة كما كن يذهبن "للمسيد "لحفظ القرآن والمتن الاجرومية ومتن ابن عاشور وقصيدة البردة وجامع الترمذي من لدن فقهاء البلدة .
دراستها بالسلك الاعدادي لم تتأتى لها الا بعد مفاوضات ماراطونية وتدخلات عدة ..فور اكمالها للسنة الثالثة اعدادي قامو بتزويجها وبذلك يغلق باب طموحاتها باكرا.
اقترحت عالية كمرشحة لمنصب زوجة المستقبل على ادريس انذاك من طرف عمه شيخ القبيلة والذي كان على علاقة وطيدة بوالد عالية الذي كان مقدما.
بعد سنوات قليلة من زواجهما وبعد ان اضطلع على رغبتها وشوقها للدراسة والنهل من عيون العلم وبعد ان راى سرعة حفظها وادراكها ...اصبح ادريس ممرضا بالمركز الصحي ومدرسا بمنزله.
ان لم يكن هذا حبا وعشقا فما عساه ان يكون يا ترى ؟
لقد ترجما بحق الصفة الوحيدة والسامية التي وصف بها الخالق علاقة الرجل بزوجه "المودة والرحمة" .
كانت حفصة تشاهدهما بغبطة وتتمنى ان يقدر لها هكذا نصيب بعلاقتها بيحيى.
المشهد الثالث والعشرون :
بداية اسبوع حارقة ... ابتدأ الناس بالاعتياد على حفصة وهي بدورها بدأت الانسجام وطباعهم ... الناس في غالبيتها تحترم الشخص الذي يستطيع فرض نفسه بامانته وصدقه وسلوكه القويم... الشخص الذي يؤدي واجبه دون انتظار مقابل تصبح الساكنة رهن اشارته وطوع كلامه ...الا من طبقة الفت قضاء مآربها بقوة وسلطة المال... حين مصادفتهم لموظف بادارة ما يحاولون شراءه بكافة الوسائل حتى إذا آيسو منه حاربوه بكل ما تأتى لهم من وسائل وطرق لا تخفى على اشباههم.
انها طبقة اكاد اجزم انها توجد بكل قرية و مدشر... نخبة القرية واعيانها ...يحبون من يعظمهم وينصبون انفسهم اصحاب البلد واسرته الحاكمة.
منازلهم متفردة من حيث شكلها وديكورها الذي يترجم ترفهم مقارنة بالساكنة ...سيارات فلاحية وشاحنات ...ملابس ذات طابع مديني شيئا ما ..اراضي فلاحية بالهكتارات...مشاريع اقتصادية هنا وهناك ...اطفال يدرسون بالمدينة المجاورة ... وحبذا لو كان هناك فرد من الاسرة يشغل منصبا هاما باحد المدن كمناصب القضاء و السلطة والمحاماة والابناك او موظفا ساميا باحدى العمالات او الولايات لتكتمل الصورة والسلطة بكافة اشكالها فيصير صيتهم ذائع وصوتهم مسموع ...وتصبح ايديهم طويلة الى حد اللعب باقدار الضعفاء منهم.
يبنى اعتبارهم بسحق الطبقة المهمشة والفقيرة ...يستمتعون بجعل منازلهم قبة للمحتاج والمكروب لا لشيء الا لي ذراع من يعارضهم و ضمان ولاء من لا يحسن ذلك.
حاولو كسب ادريس وجعله من مواليهم ... كيف لا وهو بيديه مفاتيح مغارة علي بابا وكنوز الدواء وكل ما يحتاجه الواحد منهم بين يديه ... لكن ادريس بدهائه كان يعرف جيدا كيف يحتوي الاعيبهم بشكل لا هو من الموالين ولا من المعارضين واستطاع بذلك ان يتبنى موقفا محايدا.
المشهد الرابع والعشرون :
كانت زينب بصدد تلقين حفصة كيفية ملأ الجداول اليومية و التقارير الشهرية الخاصة بوحدة الام والطفل حين اتى ادريس يمسك راسه بيديه يشكو من صداع راس قاهر.
ادريس : كيدوزتو هاد ليامات هانية الامور مكان حتى مشكل
اجابته زينب نافية : هانية اسي ادريس ... هاه ..نسيت ما خبرتك راه جا حميد (نائب رئيس الجماعة القروية ) كايعلمنا بحملة طبية غاتجي لهنا .
ادريس : اياي يا ربي السلامة واش خداو الموافقة بعد من المندوبية ؟
زينب : معرفتش صراحة ...من الاحسن تاصل بالمندوبية شوف معاهم واش فخبارهم ولالا
ادريس : لا حول ولا قوة الا بالله ...ومصاب كون غير كانو يديروا الحاجة ويقدوا بيها ...عقلتي ازينب لعام لفايت اش وقع .
هنا تدخلت حفصة التي تركت اوراقها و جداولها متابعة باهتمام حوارهما وعيناها تنتقل تارة الى زينب وتارة اخرى الى ادريس ...حتى يخيل لك ان مقلتاها اضحت كرة تنس تدور بجفنيها .
حفصة : علاه شنو وقع لعام لفايت ؟؟
ادريس : اخر مرة دارو فيها حملة طبية جا العدد كثير وغير دارت الزوج دنهار ناس طابت بالمساينة فالشمس ...سبيطار عامر والساحة عامرة وحتى الشارع عمر والكديات المجاورين ... المهم ناس عيات تتسنا ومنين شافت راسها مغاتلحقهاش نوبة دازو فالكرياج لي كان داير المخزن وبقاو يتدافعو حتى من الطبيبة لي كانت معانا دازو فيها معقلوش عليها تهرسات من يدها .
حفصة بضحكة هستيرية : لا متقولهاش !
ادريس : ناس وخا نلومهم معدورين اللومة على لي جايب ليهم حملة بلا ما ينظموها بلا ما يوجدوا عليها جابو الناس والصبيان بقاو مليوحين يتسناو والناس كاتبغي بحال هاد الحملات العامل النفسي كايلعب دور كبير...
بهاته الاثناء سمعو لغطا وسط المركز الصحي نهض ادريس من كرسيه على عجل ليرى ما الخطب .
رجل : افينكم النصابة ... اليهود ... الكفرة بالله ... افينكم ادوك رباعة شلاهبية ...ليوم بيا ولا بيكم ...باغين تقتلوني .. باغين تخرجو عليا ...والله لا كانت ليكم يحسابلكم سايبة ..
حفصة وزينب تنظران بدهشة ... بينما ادريس يحاول معرفة ما بال الرجل .
ادريس : مالك الشريف اش واقع بسلامة !
الرجل : باغين تصفيوهالي ياك ..باغين تقتلوني ...دبا عيط ليا على المخزن ولا ما يعجبكم حال ...
اتصل ادريس بخليفة القائد مستدعيا اياه على عجل.
كان الرجل في حالة هيجان تام : حنا حيوانات ياك ...دبا نتوما بنااادم حنا حيوانات اوا اليوم نشوفو واش هاد البلاد فيها شي قانون ..يرفس برجليه مقاعد الانتظار.
حضر الخليفة مؤازرا بفرد من القوات المساعدة : مالك نتايا مبرزطنا شنو كاين .
الرجل بهدوء ورزانة مناقضة تماما لما كان عليه قبل قليل : هاد الناس ا سعادة الخليفة بغاو يقتلونا ...هاد الناس كايحسبونا حيوانات .
الخليفة مستنكرا : ياك لباس شنو كاين ؟
ادريس بحركة بكتفيه يجيبه انه هو الاخر لا يدري ما الموضوع .
الرجل : هانتا اسعادة الخليفة انا جبت ليك الدليل .. استخرج من جيبة قارورة انسولين مشيرا الى شعار الشركة الذي يتمثل في صورة بقرة : هانتا اسعادة الخليفة شوف جيت عندهم البارح قلتلهم عطيوني دوا السكر عاطيني دوا د الحيوان ...وضع اصبعا محادي لجبهته واسترسل قائلا ..لكن لقاوني انا مطااااور والله ما يديروها بيا ...قيدلي بيهم شكاية الله يرحم الوالدين ...انفجر الجميع بقهقهات عالية والرجل ينظر اليهم بعين مستغربة .
ودع الخليفة طاقم المركز الصحي وهو يحرك راسه ذات اليمين وذات الشمال مبتسما بينما يجر الرجل كي يخرج بعيدا متسائلا عن ما مدى صحته العقلية ..
المشهد الخامس و العشرون :
انها الثالثة زوالا .. حركة شبه منعدمة بالارجاء ... اقفلت حفصة دار لولادة لتذهب لحال سبيلها بعد يوم مضني من العمل.
الاجواء الرمضانية تغلف المكان... ذهبت بخطى سريعة وهي تحمي وجهها من اشعة الشمس الحارقة ..وشفتاها قد ابيضتا من العطش الى فرن القرية كي تاخذ حصتها من الخبز الساخن قبل ان تلج الى منزلها.
دغدغة مفاجئة بجانبها الايسر جعلها تلتفت بسرعة لتجد امامها صفية .
صفية شابة ثلاثينية .. طيبة القلب.. حازمة صارمة ..سيدة بالف رجل.. كانت الوحيدة التي تمتهن التجارة منافسة بذلك دكاكين الرجال ..كانت الوحيدة كذلك من بنات جنسها تسوق سيارتها محملة بالبضائع وما تشتهيه الانفس.
بعد وفاة والدها تقلدت منصبه وتحملت مسؤولية اسرة مكتظة الافراد .
كانت من اسرة ميسورة الحال ...كريمة ..طيبة... وصفية هي من تقود السفينة بعد والدها.
ليس بالامر الهين اطلاقا ..خاصة بمجتمع ذكوري متسلط ..ليس سهلا ان تنافسهم وتستبق ضرباتهم ..ضحت بفكرة انشاء اسرتها الصغيرة على حساب اسرتها الكبيرة ..فليس واردا ابدا ان يكون فارس الاحلام واحدا من القرية... فعي تعلم حق اليقين نواياهم الدفينة واطماعهم البغيضة.
كان لها متجر وفرن .. تسير تجارتها بشكل رائع كما انها صادقت موظفات القرية من استاذات وممرضات وموظفات الجماعة القروية ومعلمات دار المراة الحديثات العهد بهذا المكان.
لقد كان من حسن الصدف تواجد بائعة كصفية في القرية فكم من مطالب لم تكن لتتجرأ وتبوح بها لو لم تكن البائعة سيدة.
اختتمت حفصة شهرها الاول بصداقة صفية فقط عبر لحظات قصيرة خلال تسوقها بمتجرها ..لقد كانت شابة طموحة لبقة راقية التصرفات.
صفية : حفصة ..اجي تفطري معانا العشية متبقايش بوحدك.
حفصة : شكرا الزين ربي يخليك مرة اخرى نشالله... كيبقات مي عيشة شوية دبا مع داك الطونسيو ..باقا كاترعف ؟
صفية : لا الحمد لله بعد ما ضربوليها داك شوكة ودبا منتظمة فالدوا ولات مزيانة ...وخا مكتبغيش تسمعنا وكاتصوم .
حفصة : ناس زمان نفسهم حارة اختي صفية ميرضاوش وخا تقوليهم لي قلتي ... ماشي بحال ولاد اليوم خاصهم غا سبة باش يفطروا .. ورغم ذلك غير ردو معاها البال ولا حتا تجي عندي هاد المرة ونهضر معاها .
ودعت صفية حفصة بعد ان اخذت ما ارادته من الفرن ...ذاهبة لمنزلها ترتاح قليلا قبل اذان المغرب.
المشهد السادس والعشرين :
ها هي ذي حفصة النشيطة شمرت على ساعدها ترتب منزلها المتواضع ...تضع زينة اصطناعية هنا وهناك لعلها تضيف لهذا المكان البائس نوعا من الديكور ..ازهار بلاستكية ..لوحات صغيرة .. اشترتهم من صفية.
بدلت لحافها الاسود باخر الوانه زاهية ...مسحت البلاط والنوافذ ..ربطت حبلا صغيرا بين مسمارين فوق النافذة تماما لتعلق ستارا.
انها تستعد لمجيء يحيى بنهاية هذا الاسبوع كما اخبرها سابقا ..
بخضم اشغالها المنزلية هاتفها يعتذر عن تاجيل مأذونيته بسبب زيارة ملكية للجهة التي يشتغل بها ... تذمرت وصرخت حتى انها انهت المكالمة سريعا لتلقي بهاتفها غاضبة .
سقط بدلو الماء المجاور لها تلقفته على عجل نادمة ... تحاول تجفيفه بكمي ردائها ... لاعنة الحظ والنصيب .
حاولت مرارا تشغيل هاتفها بدون جدوى ..دمعت عيناها ...وانفجرت بغيظ تلوم نفسها.
جلست القرفصاء بزاوية من زوايا غرفتها الكئيبة تنظر تارة للسقف المهترئ وتارة تخفض عيناها للارضية الاسمنتية الرمادية .
دقات وصرخات ايمن جعلتها تمسح عيونها بسرعة فتحت الباب ليبادرها قائلا
ايمن : خالتي حفصة قاليك بابا راه عمو يحيى عيط ليه كايسول فيك حيت تلفونك مخدامش.
ارتدت حفصة جلبابها ولفت على راسها شالا وذهبت باتجاه منزل ادريس طالبة منه منحها دقيقتين تحدث فيها زوجها لتخبره ما حل بهاتفها .
بعد ان انهت مكالمتها اتجهت لصفية المنقذة تسالها ما العمل ..فاشارت عليها هاته الاخيرة ان تتركه لها فهي في الغذ ستذهب للمدينة المجاورة لاحضار بعض البضائع وستمر من هناك لمصلح الهواتف النقالة .
شكرتها حفصة لمعروفها وعادت ادراجها الى منزلها.
لم يكن من حقها التذمر ولا الغضب ..فلقد علمت مسبقا ان ارتباطها بفرد من السلك العسكري ليس بالامر الهين ..كما انها تلقت نصحا في فترة خطوبتها ان تعدل عن قرارها بالارتباط بيحيى لصعوبة الامر خاصة ان اصبح لديهم اطفال لكن حبها لم يكن ليسمح بهذا فقررت المغامرة متعهدة ان تكون صبورة مرنة .
المشهد السابع والعشرون :
كانت حفصة بخضم حساب عدد قنينات التلقيح المستعملة بالشهر الجاري الى ان دخلت سيدة مكتبها بطريقة اشبه بالاقتحام منها بالدخول .
السيدة بصوت غاضب : اجي شوفيلي بنتي ...منين درتيلها التلقيح ورجليها تنفخات ..مكاتنعس لا بالليل لا بالنهار !!
حفصة مغلقة باب الثلاجة ..وقد بدت علبها علامات الاستغراب : حطيها فوق الطبلة ..ووريني رجيلتها.
السيدة : هانتي اختي ...شوفي كيف تنفخات ليها ...واش انا جبتليك البنت تلقحيها ولا تمرضيها.
حفصة : وقتاش دارت التلقيح ?!
السيدة : هادي 4 ايام ... عييت ما نديرليها فالثلج والزيت والزبده ...والبنت غي ما كاتزيد ما بقات كاع كتقدر تحط رجليها ...ولا ترضع ولا والوا.
حفصة وقد امتقع لونها من رؤية فخذ الطفلة : وخا كلسي ...شوية ونجي .
ذهبت حفصة باتجاه زينب ...تستشيرها في هاته الحاله التي لم تصادفها قط.
حفصة : زينب ..اجي اختي معايا عفاك..شوفي معايا واحد الحالة...واحد البنت عندها شهرين وشي 10 ايام دارت عندي التلقيح ديال pentavalent هادي شي 4 ايام ...ودابا جابتها مها كاعية تنفخاتليها رجلها بزاف.
زينب : ومالكي مخلوعة هاكا ... les MAPI تيوقعوا وماشي بالضروره ايكون من التلقيح.
حفصة : وراه هادشي اللي محيرني حيت كلشي تنديروا مضبوط وماعمر ما طرالي بحال هكذا .
زينب مخاطبة المرأة : مالك المرة ?!
السيدة : بنتي اختي ...دارتليها الجلبة هاد الفرملية وخرجاتلي على رجليها.
زينب : علاش هاد الممرضة غاتشد بنتك من دون الناس وغتمرضهالك ...
زينب باحثة في مجلد التلقيح : هانتي درتي التلقيح لبنتك انتي وختك لبنتها...فين هي بنت ختك...حتى هي رجليها مرضات?!
السيدة :لا لا بنت اختي ما وقع ليها والوا انا بنتي اللي جات فيها .
زينب : ايوا مال بنت ختك ما وقعليها والو ياك تلقيح واحد و قرعة وحدة...وزايدون مادام بنتك الوحيدة اللي وقعليها هادشي ما بين 40 واحد لقح داك النهار ...يا اما بنتك عندها حساسية للتلقيح ... اولا نتي منتابهتيش لبلاصت الشوكة ووسختيهالها بشي حاجة ...ولا دهنتيلها شي عجب.
السيدة منكرة الفرضية الثانية : المهم ديرولي شي حل مع بنتي ..انا ما عندي حد ...باها مسافر وما نعرف فين نمشي.
زينب : غاتخدي ورقة من عند السي ادريس وغاتدي بنتك للطبيب ...ايشوفها هو و ايقولك اش غادي ديريلها.
السيدة : وشنو غايقولي الطبيب ...باينة غايقطعوليها رجليها ...قالوهالي النسا فالدوار ...الله ..الله ابنيتي مشاوليك رجليك.
توجهت السيدة الى مكتب ادريس ...لتستفرد زينب بحفصة معاتبة اياها على ضعفها:
مالكي درتي بحال ايلا شفتي شي جن..واش نتي شديتي بنتها ومرضتي ليها رجليها ..نتي درتي خدمتك ...كلشي عندك نقي ومعقم وفبلاصتو...نتي ما عندك لاش تخافي ...شوف هي اش دارتليها فالدار..ووخا كايديروا العجب تاينكروا وايلصقوهالينا ...انا واحد المرة درت تلقيح bcg موراها بشي 15 يوم جاني الاب د الولد مخلاليش بغا يضرب حيت داك الدري جا على 7 د البنات وجايبو سخفان ..قالي التلقيح لي درتلوا ضروا منين شافتوا الطبيبه اللي كانت هنا وبقينا نقلبوا داك الدري لقينا مو دايرالوا الكحل فالسرة ديالو عطاتو الطبيبه الورقة للمستعجلات وعلى شوية كان غايمشي فيها ...منين عرف الخطأ من مرتوا ما جاش يعتدر.. غبر ..مبقاش كاع كايجي لسيبطار.
حفصة : ياختي !! شوفي الناس اش تيديروا وكاينكروا.
زبنب : ايوا قوليها لراسك نتي لي صفاريتي وتخلعتي عمرك تبيني راسك ضعيفة اولا كايجيبليهوم الله بلي بصاح الخطأ منك.
ذهبت المراة بورقة التوجيه للاستشارة الطبية وعادت حفصة بعد نهاية الدوام الى منزلها ...لم تعد بنفس الابتسامة التي خرجت بها في الصباح الباكر ..وجه شاحب ويدان مرتعشتان...وضعت مفاتيح البيت جانبا واستلقت بهدوء بفراشها ..
كل السيناريوهات السيئة تمثلت امام عينيها ..كيف ان الطفلة بترت رجلها..كيف انها ماثلة امام قاض ضخم كثيف الشارب والحاجبين بنظارة متدليه يحكم بادانتها...يجرها عاملا السجن باصفاد وسلاسل برجليها كيف تحول لباسها من وزرة بيضاء الى لباس مخطط بالابيض والاسود تحشر وسط المجرمين والقتلة ...ينظرون اليها بتفحص ...يسئلونها ما تهمتها فتجيب :
تهمتي اني ممرضة ...تهمتي اني وهبت نفسي لمساعدة بني البشر ..تهمتي اني لم اطالب بالحصول على قانون يحميني..تهمتي اني اسحسنت العمل في العبث..تهمتي اني رضيت بوضعي ولم اعمل جاهدة لتغييره ..تهمتي ان الفضل وان كان لي لهم والوزر وان كان لهم فلي.
تهمتي اني صمت بجانب الصامتين .. ولم افكر ان انازع من اجل حق يحميني كباقي العاملين ..
المشهد الثامن و العشرون :
ايام معدودة فقط تفصل بين الصائمين و عيد الفطر المبارك....ان تقضي هذا اليوم بمقر عملها كان كابوسا يخيم على تفكيرها...كيف ستشعر بحلاوة العيد و هي بعيدة عن اسرتها كل البعد.....هي تدرك ان لا حق لها بعطلة ادارية الا بعد ان يمر احدا عشر شهرا من العمل...كما ان يومي العطلة المخصصة لهذا العيد لن تكفي للسفر وتمضية العيد و الرجوع فيما بعد.
خطر على بالها ان تستشير زينب فربما تجد لديها جواب مسألتها .. تفقدت جيبا وزرتها هل تحمل قلمها ومفاتيحها قبل ان توصد باب منزلها و تشرع في عملها اليومي المعتاد.
ولجت حفصة دار الولادة لتجد زينب مبكرة تحمل ورقة وقلما وتحسب اشياءا هنا وهناك .
حفصة : صباح الخير زينب سافا ؟؟
زينب: اهلييين....صباح النور....
حفصة :اشنو تاديري...ديالاش دوك الاوراق.
زينب: عطاهوملي ادريس ...ديال الاحصاء.
حفصة: الاحصاء السكاني ؟؟؟
زينب ضاحكة : لا احصاء ديال الماتريال اللي فدار الولادة...يعني شحال ديال الفراشات وشحال ديال الليزور...شحال ديال Les kits d’accouchement … الغطاوات...وزيد وزيد.
حفصة مازحة : علاش اودي ..ياك شي باس ماهو كاين...ياكما غانرحلو ؟؟
ابتسمت زينب باتجاه حفصة ثم عادت ببصرها تتفحص اللائحة مهمهمة.
حفصة : زينب بغيت نتشاور معاك فواحد المسالة شاغلة بالي ....مالقيتليها حل.
زينب تومئ لها باشارة برأسها ان تتكلم.
حفصة : الصراحة معرفتش كيفاش غانقولهاليك...انا عارفة باللي النوبة ديالي فالخدمة الالزامية غاتكون يامات العيد....ولكن توحشت مالين الدار وبغيت ندوز العيد معاهم...ونا حاليا كيما تاتعرفي معنديش الحق فالعطلة....حرت وماعرفت ما ندير.
زينب : ممم فهمت...شوف ا حفصة ...انا موالفة ندوز الاعياد هنا ....بالنسبة لي مااشي مشكل ....انا نخدم فعاوطك ...شوفي معا ادريس ...ايلا بغا ايعطيك سيمانة ...تمشي تعيدي مع داركم ...
عبارة زينب وهي تخبرها انها معتادة ان تمضي ايام الاعياد بالمركز الصحي شدت انتباه حفصة اكثر ... فمالذي يجعل شخصا ما يتخلى بارادته عن امضاء المناسبات والاعياد مع اسرته ..ما قصة زينب حقا ؟
لم تجد الشجاعة الكافية لتسألها ...مخافة ان تهدم هذا التقدم الذي احرزته في علاقتها معها .
عانقتها حفصة شاكرة لها صنيعها او بالاحرى عانقتها متعاطفة معها وان لم تدري بعد ما الخطب .. فقط ارادت ان تخبرها بدون كلمات انها ليست لوحدها انها معها ثم توجهت الى مكتب ادريس ....راجية من الله الا يرفض طلبها.
زينب متبلدة الاحاسيس والتي خاصمت الدمع منذ فترة حتى نست ما معنى ان يبكي الانسان قطعت الطريق على دمعة نزلت مسرعة على خدها ..دمعة ثارت على سجن زينب لها ... اشتاقت ان تخرج ليرتاح صدرها من كتم اهاته القاتلة ..دمعة اتت بعد ان زعزعت حفصة بمواساتها الصادقة حصن زينب المنيع هذا الحصن الذي بنته بدموع ليالي طويلة واهات وزفرات خيبات امل عميقة.
وجدت حفصة ادريس غاضبا ...تبدو مقلتاه على وشك الخروج من محجريهما وهو يقلب ناظريه بين اوراق شتى ملئت مكتبه..
حفصة :صباح الخير اسي ادريس .
ادريس : اودي منين غايجي هاد الخير...نصبحوا على الاعصاب و نباتوا على الاعصاب .
حفصة :مالك اسي ادريس ياك لاباس??
ادريس تاصلو بيا من المندوبية قاليك خاصني نعاود ليهم تقرير ديال الشهر حيت تلفليهم.
حفصة: لعب الدراري هذا....المهم كنت باغاك فواحد الموضوع و لكن تايبانلي نرجع فوقت اخر.
ادريس : لا..لا غي جلسي ...ااشنو خاصك؟؟؟
حفصة : اايلا جات على خاطرك ...بغيت شي يامات نمشي ندوز العيد مع مالين الدار....انا عارفة باللي مامنحقيش لعطلة .. وهدرت مع زينب قاتلي هي مستعدة تخدم فعاوطي سيمانة ...لكن بغيت نتشاور معاك .
ادريس : اش غانقوليك ابنتي ...ماغاديش نشجعك على السليت ...حيت ماشي فمصلحتك ...المهم خليني دابا انا غانفكر فشي حل ونرد عليك.
المشهد التاسع و العشرون :
كانت حفصة و زينب بدار الولادة تعقمان ادوات الولادة المستعملة حين دخل رجل عليهما متوترا ..
زينب : فين غادي الراجل ....هادي راها دار الولادة ...ممنوع ايدخلوا الرجال.
الرجل : سمحيلي اختي ...عندي واحد البنت عندها واحد المشكل و بغيتك تشوفيها.
زينب : فيناهي....شنو عندها؟؟
الرجل مناديا ابنتيه : فاطمة...هدى ...اجيو.
وضعت حفصة ادوات الولادة في جهاز التعقيم و التحقت بزينب تستعلم قصة الفتاتين.
الرجل : اختي هاهي ختها تشرحليك .
فاطمة فتاة في ربيعها السابع عشر ...بيدين مرتعشتين و صوت تخنقه العبرات ...تكشف عن عورة اختها التي لا تتجاوز سن السابعة : ادكتورة...ختي طاحت على واحد العود وكاتسيل بالدم.
زينب تشد حفصة من وزرتها لتكبح فضولها الذي اراد فحص الفتاة ....هامسة لها وهي تصك اسنانها : ما تمسيهاش خلينا نعيطوا لادريس بعدا يحضر معانا.
امرت زينب فاطمة ان تصطحب اختها الى الغرفة المجاورة ....وتضعها فوق طاولة الفحص.
حضر ادريس لتشرح له زينب الحالة بايجاز و انها لم تجرؤ على لمسها دون حضوره كي لا تتهم فيما بعد بامور لا ناقة لها فيها و لا جمل.
فحصتها بدقة و حفصة تكتفي بالنظر و تعابير وجهها تشفق على الفتاة.
ذهبت محاولات زينب في سؤال الفتاتين عن حقيقة ما جرى سدى...لا جواب لديهن سوى دموع يذرفنها لفقدان شيء من شأنه ان يغير مجرى حياة الصغيرة.
زينب مخاطبة الاب : لعجب هاد العود اللي طاحت عليه بنتك قاري علم التشريح ...وعارف الجهاز التناسلي مزيان....هادي اشريف ماشي طيحة على العود...فخاضها ما فيهم حتى اثر ديال الجرح وبالنسبة للبكارة ديالها تضررات بزاف ...خصك تديها للسيبطار الكبير ...ضروري ايشوفها الطبيب...اايقدر يعتقها ما دام الجرح باقي طري.
وضعت زينب شاشا سميكا بمنطقة النزيف محاولة ايقافه بعد تنظيف مكان الجرح .
ادريس : يالله معايا نعطيك وريقة باش تدي بنتك للطبيب.
الرجل متوسلا : انا مزاوك غي شوفولي شي حل هنا ......غي خيطوها هنا ما عندي لاش نمشي للسبيطار الكبير.
ادريس :عطيني لا كارط ناسيونال ديالك. لا اشريف ما يمكنش ..هنا ما عندنا ما نديرولها االبنت ديالك خصها الطبيب ضروري.
مد له الرجل باستسلام كيسا بلاستيكيا مليئا باوراق عدة ......افرغ ادريس محتوياته ليجد بينهم ورقة اعادة توجيه ممضاة بنفس اليوم من مركز صحي قريب من المستشفى المحلي.
ادريس :نتا عندك ورقة اعادة التوجيه من "....." وجاي لهنا....نفس الهدرة لي قالوليك تما هي لي هنا...علاش عدبتي راسك حتى لهنا عوض ما تمشي للسبيطار الكبير ؟؟؟
صرف ادريس الرجل وهو مرتاب من صحة اقواله ليجد زينب و حفصة يتناقشان حالة الطفلة.
حفصة : مسكينة يا اختي بقات فيا ...زعما تكون غي طاحت....شتي كيفاش مبغاتش تهدر معانا ...بحال ايلا شي حد محلف فيها...كن غي ما قلتي لباها والوا ...حتى ايمشي لسبيطار.
زينب : باها جايبها وعارف اشنو عندها ما شفتيش كيفاش كان مصر غي باش تتخيط.
ادريس : بصاح هاد الهدرة لي قالت زينب كاينة ...انا منين مشيت معاه باش نعطيه ورقة لقيت عندو ورقة عطاوهالو ف "...." القريب من السبيطار الكبير.
زينب : شتي شنو قلتليك ...هاد خينا ماصافيش ...ايعلم الله اشنو وقع لديك البنيتة مسكينة.
حفصة : وعلاش مبغيتيش نقلبوها غي انا وياك...علاش عيطتي لسي ادريس.
زينب: واش حماقيتي نقلبوها غي انا وياك ...باش ايلا حفاتليهوم ايقولك الممرضات هما سبابها ...اصلا ما منحقناش نقلبو هاد المسائل ....الطبيب هو اللي يخصو ايشوفها ...وخا حتا هوما تيتهربوا من هاد المسائل خصوصا فالعروبية....غي حيت كان عندها نزيف و كان خصنا نوقفوه....ونا فضلت ايكون معانا اسي ادريس باش ايشهد على الحالة.
ذهبت هدى ...لكن قصتها لا تزال راسخة في عقولهم.....فقد علموا فيما بعد انها كانت ضحية اغتصاب....دفع المغتصب مبلغا ماليا مهما للأب ليتستر على جريمته...الشيء الذي جعل الاب يتفادى الذهاب للمستشفى المحلي خوفا من ان يبلغ العاملون به السلطات المحلية و يدخل في دوامة اسئلة هو في غنى عنها.
المشهد الثلاثون :
دعت عالية حفصة لتفطر معهم .....لم يتبقى لآذان المغرب إلا القليل.....اجتمعتا في المطبخ لوضع اللمسات الاخيرة ...حين لاحظت عالية شرود حفصة لتقطع عليها سيل افكارها قائلة
عالية : حفصة ... مالكي ياك لاباس ...شتك ماشي هي هاديك.
حفصة بابتسامة حزينة : والوا غي توحشت مالين الدار و بغيت نعيد معاهم .
عالية : هدرتي مع ادريس؟؟؟
حفصة: اه ...قالي غادي ايشوفلي شي حل ...وما عرفت اشنو غايدير معايا .
على مائدة الافطار .....و الصمت شبه مطبق على الاركان الا من اصوات الملاعق و تحريك الاواني نطق ادريس
ادريس : راني لقيتليك الحل احفصة ....غادي تعيدي مع داركم و بطريقة قانونية.
اتسعت حدقتاها متعجبة كيف بإمكانها ان تسافر و بطريقة قانونية و هي لم تكمل بعد الاشهر القانونية من الخدمة الفعلية ....ليسترسل ادريس في الكلام
ادريس: غادي تعمريلي وريقة طلب عطلة استثنائية (Conge de mariage)
حفصة : ولكن اسي ادريس هوما عارفيني مزوجة.
ادريس : وخا عارفينك مزوجة ...هدا لا يعني انهم عارفينك واش عرستي ولا دايرة غي العقد....ومن حقك طلبيه ما دام مازال ماستفدتيش منو...و مزال مادار لعام على لعقد ديالك.
عالية : ايوا هانتي ...هاهو ادريس لقاليك الحل ...ايوا طلقي داك الغوباشة.
حفصة و قد انفرجت اساريرها : الله يحفضك اسي ادريس ...الله ايفرحك كيما فرحتيني....وشحال فيها من نهار؟؟؟
ادريس : 10 ايام....عيدي فيها و شوفي والديك وخوتك وشبعي منهم عاد ولي ...اما السليت ابنتي غادي ايضرك ...كاين المحسنين اللي ايوصلوا الخبارات للادارة ونتي يالله بديتي ماعندك ما ديري بالصداعات معاهم.
حفصة : اودي اش غانقولك اسي ادريس حسبنا الله و نعم الوكيل ...هادوا ماشي تايخدمونا هادوا تايجليونا...بحال ايلا بنادم مقطوع من شجرة ...ما يشوف والديه غي من العام لعام ....تقول خدامين فالخاارج....يمكن الناس اللي فالخارج و كايشوفوا الاسر ديالهم كثر منا ...والمشكل انا و الدفعة ديالي جاونا اماكن التعيين خارج الجهة ...ومؤسسة اخرى نفس الدفعة فمدينة اخرى عطاوهم اماكن التعيين فالجهة ديالنا...واش زعما باش ايخدموا الكيران ...اولا حيت عارفين باللي بنادم منين تاتجليه و كاتغربوا كتهرس شوكتوا و كيولي طالب التعادل ؟؟
ادريس مازحا : فطري ...فطري وباركا عليك من السياسة....المهم دابا الامور محلولة انا غي تفاهميلي مع زينب و السلام.
حفصة بعيون ضاحكة :كون هاني اسي ادريس ....هي ما عندها حتى اعتراض ....يالله نخليكوم ....نمشي نجمع حوايجي من داابا.
المشهد الحادي والثلاثون :
لم تخبر والديها بقدومها...ارادت مفاجئتهم...اخذت من يحيى وعودا و أيمانا مغلظة كي لا ينزع مخططاتها...هل اشتاقوا لها كما اشتاقت لهم .... هل يفتقدونها وسط لمتهم العائلية ؟؟؟؟
مرت ساعات ...لم تحس بعنائها حفصة ....فرحة اللقاء ....انستها ما يجره السفر من عناء و شقاء ....رنت الجرس و ما كادت تفعل ....حتى سقطت مغشيا عليها....لتجد نفسها محاطة بأسرتها الصغيرة ....و علامات القلق بادية على محياهم.
اتراه شقاء السفر والصيام قد انهكا جسدها النحيل؟
لا لقد كانت قوية البنية لم يكن هكذا شيء يضعفها الى حد الاغماء .
اختبار منزلي واحد كان كفيلا بتأكيد الخبر...عناق و احضان ..دمعات و ضحكات ..فرحة العيد اصبحت فرحتان ...فرحة لقاء الاسرة ...و فرحة قدوم زائر صغير بعد 8 اشهر .....زائر سيملئ حياتها لهوا و عبثا ...صراخا و ضحكا ...براءة و شغبا.
اخوات حفصة بدورهن يمزحن ويخوفنها من مسؤولية جسيمة تنتظرها لا سيما وهي بعيدة كل البعد عن عائلتها وزوجها ...كيف ستسطيع ان تربي طفلها وتوافق بينه وبين عملها الذي يستهلك قواها نهارا وليلا ؟
لا بد من وجود طريقة ما ليست هي الاولى او الاخيرة ..ان اضطرت ستتوقف عن العمل ... فلا شيء اهم من فلذات الكبد
هكذا كانت ترد حفصة على اخواتها محاولة تبديد سحابة الخوف التي تعتربها للحظة.
مرت الايام و حفصة تنهض باكرا و تنام متأخرة ...و كأنها تجمع من ابتسامات والدتها و حكاوي اخواتها زادا لفراق قريب .
والدة حفصة هي الاخرى لم تتوانى عن طبخ و اعداد كل ما يسر طفلتها ...تتذكر كيف كانت حفصة البارحة رضيعة تجهل كيف تنطق الكلمات بشكل صحيح ...و ها هي ذي الان تنتظر وليدها بشوق...عجبا للحياة كيف تستمر ....شعور جميل يخالجها حين ادركت انها قريبا ستصبح جدة ....
والدها و اخواتها كذلك استقبلوا الخبر بفرح و بهجة عظيمة سيكون الحفيد الاول بالعائلة ....يخططون من الان لوصوله و استقباله ...بملابسه و احتياجاته ...يتخيلن اطرافه الصغيرة ..و رائحته الزكية .... .
كان كل يوم تقضيه حفصة حافلا بين محلات و مشتروات ...زيارات عائلية و خرجات ...لم تكن ترتاح الا سويعات قليلة ....تجيب والدتها دائما حين تنهرها و تامرها بأخذ قسط من الراحة " خليني نشبع منكم ...انا غانمشي وتوحشوني... 😄
اشترت جوربين صغيرين للمواليد الجدد اخدت قطعة ورق كتبت بداخلها " مرحبا ابي .....انتظرني ساكمل ثماني اشهر ...و اتي لزيارتك" وضعتها بداخل الجوربين ....كانت هاته طريقتها لمفاجئة زوجهاا بالخبر السعيد.
المشهد الثاني والثلاثون :
ها هي ذي توضب حقيبتها كي تسافر الى يحيى.....تقضي معه ما تبقى من عطلتها.
الحادية عشر ليلا ...هو موعد اقلاع الحافلة ...مكانها كان وراء السائق....كانت مطمئنة نسبيا لانها شركة حافلات موثوقة...بجانبها جلس رجل عجوز ...نحت الدهر في محياه اثر التعب و الشقاء ....يجلس بصمت ...ينام تارة ....و يستيقظ تارة اخرى ...يطالع صحيفته ...يرتدي نظارة واسعة ذهبية الاطار تمتد منها سلسة تحفظها من السقوط ...تجاعيد وجهه و كانها صفحات تقرأ ما بينها كتابا يسرد ايام شبابه و صباه ...زفرات مريرة يصدرها و كأنه يحمل هما عظيما بين ثناياه.....تراقبه حفصة بصمت...دفعها لهذا الشبه الكبير بينه و بين جدها ....رحم الله ناس زمان ...الحيا و الحشمة ...الاصل و العرض...البساطة و جو النكتة.
كانت تحب الجلوس و سط جدها و اخوانه ...كانت تستهويهاا طريقتهم في الحكي عن ايام مضت ...ايام الاستعمار ...مقاومتهم للاحتلال..تجارتهم و ترحالهم في الاسواق و المدن ...مستملحاتهم و الطرائف التي صادفتهم ...للاسف كلهم رحلوا عن دنياها سوى جدها اطال الله عمره.
كانت تحلم بمنزل يشبه في طرازه المنازل القديمة بالمدينة العتيقة بفاس ...فناء تتوسطه نافورة مياه ...فسيفساء بهيجة تضوي المكان ...شتلات ازهار هنا و هناك....شباك نوافذ متعرج بطريقة الصانع التقليدي ...زجاج النوافذ بالوان قوس قزح ...تشكل مع اشعة الشمس المتداخلة جوا شاعريا جميلا ...سطح ذو طلة بانورامية...تصعده وقت الغروب ...تستمتع بمظهره ...وهي ترتشف قطرات الشاي المنسمة بوريقات النعناع الزكية ...رفقة زوجها و اطفالها ...كان هذا حلمها و فكرتها عن حياة مثالية.
لقد كانت فاس بالنسبة لها تختصر في المدينة العتيقة ....الحضارة القديمة....تاريخهاا الحاضر بكل منزل من منازلها ...بدروبها و ازقتها...بجوامعها و كتاتيبها...بمحلاتها .......بمسجد القرويين حيث كانت ترافق والدها زمانا كي يصلي ....لا تزال عذوبة ماءه الزلال في فمها ....حين كانت تتسلق حواف النافورة كي تشرب ..محاذرة ان تزل قدمها ..فتسقط على مرئ من المتوضئين.
كانت تستهويها الحفر الموجودة على اسوار المدينة العتيقة ....تحب منظر الطيور العائدة بالعشي الى اوكارهاا .....
"استراحة 25 دقيقة للعشاء" ايقظتها كلمات السائق من بحر افكارها....نزل الكل تقريبا عدا حفصة و بعض النائمين .
انها بمنتصف الطريق ....لم يظل سوى 3 ساعات للوصول ...الى" طنجة " عروس الشمال ...ترى كيف تبدو هاته المدينة التي حظيت باعجاب غالبية الزائرين ...تستحضر لكنة الساكنه هناك...لكنة لها جمالية خاصة ...ترينا جمالية المغرب باختلاف ثقافاته و عاداته و لكناته شمالا و جنوبا شرقا و غربا كباقة ورد من اقحوان و زنبق و فل و ياسمين.
المشهد الثالث و الثلاثون :
الخامسة صباحا ....لفحات نسيم بارد تعم المكان ...اتخذ بسببها انفها لونا احمرا ....عينان متعبتان تبحثان بين المارة عن زوجها... .
يحيى : على سلامتك.....مرحبا بيك فطنجة العايلة .
حفصة ضاحكة : شفتك وليتي شمالي ..تعلمتي تهضر بحالهم ....الدار قريبة ؟..عيييت ...باغا نمشي نرتاح.
حمل يحيى حقيبتها ...و تقدمها بخطوات ليوقف سيارة اجرة .
لم يصدق خبر حملها ...او بالاحرى كان امرا مفاجئا لم يتوقعه بهاته السرعة....نظرات الفرح كانت تتلألأ من عينيه ....عليه ان يخبر اسرته ....عليهم ان يشاركوه بهجته ...عليه ان يتحضر نفسيا لهذا الحدث.... ارتبك وهو يحاول اخبار اسرته الصغيرة كطفل تبرق عيناه من حصوله على اخر اصدار من لعبته الالكترونية .
بحكم طبيعة عمله ...كان يبات الليل بمقر عمله...ويعود صباحا الى منزله...ينام سويعات قليله ... ثم يخرجان للتنزه تارة بوسط المدينة قرب سور المعاكيز و المحلات المجاورة...لم يتركاا مكانا بطنجة لم يزورانه ...مغارة هرقل ...شاطئ اقشور...كاب سبارتل...مقهى الحافة...ساحة الامم..طنجة البالية..المنار..وغيرها الكثير.
كانا يخططان كما العادة الى الوجهة التي سيقصدانها....حين اتته على حين غرة مكالمة هاتفية من احد زملائه : "فينك ا صاحبي ...سربي راهم باغيينك هنا"
كانت كلمات كافية ليذهب بعجالة تاركا حفصة و سط المجهول ....كانت اخر كلماته معها ورقة كتب فيها اسم و رقم شخص تتصل به كخطوة احتياطية ان لم يتمكن من التواصل معها .
مر اليوم ببطئ .. قلق يذبحها بدون رحمة .. تركها وسط سواد في مدينة تجهلها... جلست بالبيت تنتقل من ركن الى ركن هاتفه مغلق لا تعلم حتى اين تذهب لتسأل عنه ...بدأ الظلام يسدل ستاره ولا خبر الى الان ... يا الله مالذي يحدث حقا ... اين ستذهب ولمن ستشكي امرها ..الساعة تشير الى التاسعة مساء ...ليل ليس كالخوالي لم يغمض لها جفن ...عينان دامعتان تحمل في يدها هاتفها عله يحادثها...القلق و التوتر طغيا على محياها ....يا ترى مالذي يحصل ...هل يعقل ان مكروها ما اصابه...انتظرت شروق الشمس بفارغ الصبر...اتصلت بالرقم الذي تركه لها يحيى .
حفصة : الو ...سي خالد اللي معايا ؟؟
خالد : شكون نتي ؟؟
حفصة : انا مرات يحيى ..خلالي نمرتك قبل ما يرجع الخدمة ....ما عرفت اش و اقعليه من البارح الصباح؟؟
خالد . اه...المهم اختي القضية دابا عند و كيل الملك ...ما تخافي والوا التحقيق راه بادي و ان شاء الله مايكون غي الخير.
حفصة بصوت بح من المفاجأة : القضية ...وكيل الملك ...علاه اش كاين انا راه ما فاهمة والو؟؟
خالد : المهم انا مانقدر نقول حتى حاجة ايلا احتاجيتي شي حاجة اتصلي بي.....
اقفل الخط بوجهها و هي التي كانت تأمل ان يطمأنها على احوال زوجها لم يزدها الا حيرة و قلقا ....عن اي قضية يتحدث ..وما دخل يحيى بالمحاكم ...
اتصلت بوالديها تخبرهم بما حل بزوجها ...طلبت منها والدتها العودة اليهم فورا ...خوفا على صحتها و صحة الجنين...بينما و الدها يامرها بالبقاء الى ان تعلم بالضبط ما الدي يجري ...اتصلت كذلك باخ يحيى الاكبر سنا ...ليترك ما بيده ويلتحق بها يستعلم ما الذي حل بأخيه هكذا.
رن هاتفها برقم مجهول ...اجابت لتجده يحيى ..يخبرها كيف انه ضحية كمين نصب من مافيا المخدرات لحماية الجناة الحقيقين ...وهو الان على ذمة التحقيق و قد تمت مصادرة هاتفه للتحليل المكالمات الواردة و الصادرة.
يحيى بصوت متهدج: حفصة تلفون راه خداوه وانا دبا على ذمة التحقيق ..ضبرت هاد تلفون غير باش منخليكش مشطونة ... سيري قطعي ورقتك ورجعي لداركم ..وسمحيلي بزاف شاء الله وما قدر فعل.
حفصة : واش نشوفوا شي محامي ....فين راك د ابا ...قولي غي البلاصة بعدا فين كاين ...خوك جاي فالطريق.
يحيى : المحامي من بعد انا متأكد من برائتي و قريب تبان ...هادي غي مسألة وقت ....انا دابا فالثكنة ديالنا ممنوع نخرج حتى يسالي التحقيق...وما عندكش كيف تجي ممنوع ايدخل شي حد.
حفصة : غي شوف كيدير ضروري نشوفك قبل ما نمشي ...وخا غي من البعيد...
وصف لها المكان لتوافيه هناك ...اتفق مع احد الحراس ..سمح لها ولاخيه بالدخول ...انفته و كبرياءه منعاه من ان يضعف امامها ...ارادها ان تذهب مطمئنة ...كانت لحظات سريعة ...ودعته فيها و قلبها يتمزق حسرة على ما يعانيه يحيى ..كانت اخر كلماته لها
"تيقي بيا و كوني فجنبي انا المهم عندي نشوف برائتي فعينيك ...كلما لقيت الفرصة غادي نتصل بيك نسول فيك و فولدي ..." ابتسامة حزينة و اشارة وداع باليد كانت اخر نظراتهما لبعض....عائدة لمنزل عائلتها ..
المشهد الرابع والثلاثون :
عادت حفصة ادراجها ...نفس الحافلة، نفس المقعد لكن ... ليس نفس الوجه المبتسم الذي اتى ...عادت وقد خمدت عيناها من فورة الحماس ..كل شيء بقي في منتصفه ... حزن عميق كالصخر يطبق على انفاسها.
لم تفتئ المسكينة تدعو الله طوال الطريق ان ينصر الحق ويفرج كربة زوجها ايمانا منها بأفضال دعاء المسافر .
استقبلتها اسرتها وهي تحاول التغاضي عن ذكر الأمر امامها كي لا تحزن أكثر مخافة عليها وعلى الجنين.
الام مبرحة ومغص شديد يزورها بضع مرات باليوم اقترحت على اثره والدة حفصة الذهاب لدى طبيب النساء ..فربما رؤية جنينها والاطمئنان عليه يمنحها نفسا اخر وتستمد منه القوة لتجاوز محنتها .
استقبلت حفصة الامر بصدر رحب ..فلولا الاقدار فكان هذا اخر ما ستقوم بعمله رفقة يحيى لتترك له ذكرى جميلة.
جلست رفقة والدتها بقاعة الانتظار تتحين دورها ... ترى الازواج مع بعضهم البعض جالسين امامها فتتحسر وتتخيل سيناروهات عدة تحطم قلبها المسكين.
نادت المساعدة على اسمها لتنهض على عجل ...
دخلتا غرفة الفحص ... بعد اخذ قيمها الحيوية استلقت على طاولة الفحص والمساعدة تجهزها لفحص بالصدى.
دخل الطبيب محييا اياهما : مدام حفصة صافا مزيان .
استل اداة الفحص بالصدى بيده اليمنى بينما باليد الاخرى وضع القليل من المرهم على بطنها.
ابتدأت الاشكال ترتسم على جهاز الفحص وهي بدورها تحاول ان ترى رغم انها لم تفقه شيئا بعد ...بدأت تقلق كلما استمر في صمته وعقد حاجبيه لتبادره قائلة
حفصة : ياك هانية ؟
الطبيب : اش غانقوليك ا مدام ..للاسف دقات القلب مالقيتهومش وعلى حسب تاريخ اخر دورة شهرية دبا خاص يكون عندك خمس اسابيع ..لكن منزربوش غترتاحي من هنا 15 يوم ورجعي لعندي ...غانعطيك بعض المثبتات وعليك بالراحة التامة .
وهي نازلة بالدرج ممسكة بيد والدتها ..احست وكان الدنيا متوقفة ..وكان ابراج النحس طردت ابراج السعد ودخلت في مدارها ...ما هاته الاختبارات المتوالية ...كلما زادت صبرا زادت غوصا في دوائر لا متناهية ..صحيح قولهم اذن ان الهموم لا تأتي فرادى !
عادت الى منزل اهلها ...انزوت بغرفتها ...مدت والدها بشهادتها الطبية كي يسلمها لمندوبيتها...اخبرت عالية وادريس برسالة نصية ...اغلقت باب غرفتها ... وظلت حبيسة مكانها ... لا شيء يعيد البسمة اليها ..القلق كخيوط عنكبوت نسجت من حولها كلما حاولت النهوض منها اغرقتها في غياهبها اكثر فاكثر ..
تتفقد هاتفها الاف المرات بالدقيقة الواحدة ... تنتظر مكالمة يحيى لها ... 15 يوما مرت بين هاتفها وغرفتها والقلق مرات يشتد واخرى يخف حسب ما يخبرهم به يحيى ...يعيشون اطوار البحث في قضيته واستجوابه يوما بيوم.
لم تستطع اخباره بوضع جنينها اخفت الامر الى ان تتأكد .. فلم يطاوعها قلبها ان تزيد يحيى هما على همه وتصب زيتا على ناره ..فيكفي ما يعيشه الان.
المشهد الخامس والثلاثون :
ليلة خريفية باردة ..اقترب الفجر وحفصة لم يغمض لها جفن ... الكل نيام ..وهي تصارع كوابيسها لوحدها ..تنهض تارة بجانب نافذتها تناجي ربها ان يبشرها غدا بخبر جميل ..وبان يثبت حملها ...صحيح انها قريبة العهد به لكنه حرك مشاعر الامومة بداخلها ... كيف لها ان تفرط بصغيرها ..الغد سيكون حافلا فبه الموعد الفيصل لدى طبيبها ..وايضا موعد محاكمة يحيى.
احسنت ايها الصدف ... احسنت .. انك تحبكين قصة جد مسلية.
سمعة هذا الطبيب الطيبة اشتهرت وامتدت لتصل الى ارجاء مختلفة من الوطن ..فاصبح زواره من المدن البعيدة يضاهي عدد مرضاه من نفس المدينة...مما جعلها تبكر على امل ان يكون دورها قريبا لترحم نفسها من احتمالات ارهقت فكرها .
اصبحت العادة ان يحضر الناس باكرا مع تجهيز ورقة وقلم ويتكلف اول واصل بتسجيل اسماء الوافدين بالدور وتسليم اللائحة فيما بعد لمساعدة الطبيب.
كان منظرا جميلا ينم عن تحضر جميل ...
هاهي ذي مستلقية مرة اخرى على طاولة الفحص تنتظر ما ستجود به قريحة الطبيب من قرار .
دقائق تمر كالساعات ليخبرها قائلا :
الطبيب : للاسف ا مدام الحمل متوقف والنبض مكاينش ..راكي باقة صغيرة متقلقيش .
ما الفرق يا طبيب ما الفرق صحيح انها لا تتجاوز الاثنتي وعشرين سنة لكن هل فعلا هذا شيء سيواسيها .
حفصة : وعلاش واش كاين شي مشكل .
الطبيب بعد ان سالهاةاسئلة روتينية عن سوابقها المرضية وبعض الاعراض ..اخبرها ان توقف الحمل شيء وارد في حالتها لانها تعاني ايضا من حالة متوسطة من تكيس المبيض .
لم تقوى على حبس دموعها خانتها شجاعتها وتنكر لها صبرها اخفت وجهها بيديها لتستسلم لنوبة البكاء الذي انتابتها.
بقلب رحيم اخبرها طبيبها ان لا تقلق وانها مشيئة الهية كما فتئ يذكرها بتقدم الطب وبالحلول الممكنة وبان كل شيء له حل بعد ارادة الله.. وضرب لها موعدا بعد ان تكمل سنتين من زواجها ان لم يكلل بحمل خلال هاته المدة .
اتى خبر براءة يحيى هاتفها فرحا وهي تذرف العبر حزنا ..كيف تخبره وبماذا ستخبره ...هنأته واقفلت الخط بوجهه بسرعة.
المشهد السادس والثلاثون :
في زيارة عائلية روتينية ... اتت عماتها ... صادفتا الوضع وعلمتا ما حل بها ... شحوبها واصفرارها لم يكن شيئا يخفى .
بدأتا باعطائها دروسا ومواعظ عن الصبر والابتلاء والاختبار... لم تحفل كثيرا بكلامهم فقد عهدتهن هكذا ..فقد كن عضوات نشيطات بجماعة دينية كبيرة و معروفة ...كبرت بين احضانها حفصة وترعرعت بكنفها .
كان بيت جدها يعج بعضوات الجماعة اللواتي كن يطلقن على بعضهن البعض لقب الاخت فلا يجوز نطق اسم احداهن هكذا بشكل حاف.
يقتسمن ايام الاسبوع بينهن ليقمن بانشطتهن من دروس ووعظ وحفظ للقران والصلاة جماعة وتعلم قواعد التجويد.
مقرهم الكائن بزقاق من ازقة الطالعة الصغرى بفاس كان عبارة عن رياض جميل حيث الطابق السفلي مخصص للذكور " الاخوان" والطابق العلوي للإناث "الاخوات".
كانو يقومون بأنشطة مختلفة بداخل المقر من رباط ومبيت وجلسات وعظ وارشاد و احتفالات بحاملي كتاب الله ..وكذا حفلات زفاف ان ارتبط اخ منهم باخت بذات الجماعة.
مقر كهذا يستحيل ان لا تجد صورة زعيمهم الروحي تتوسط قعر المقر ..بل حتى انك ستجدها بمنازلهم وسط خزانتهم وصالوناتهم.
اياك ثم اياك ان تنتقد نظرة زعيمهم للامور او ان تحاول التشكيك في منهجه والا ستجد نفسك طريدا من جنتهم.
بالاضافة الى المرشد والقائد الاكبر ستجد عددا من الاسماء البارزة نساءا ورجالا على قدر كبير من الولاء والاحترام برزوا بجانبه .
بغض النظر عن بعض الحيثيات والتفاصيل الصغيرة التي كانت تزعجها منهم ...وتراها غلوا او اعوجاجا ..كانت تحب جمعهم وانشطتهم تأخد منها ما بنظرها صحيح وتترك ما هو خاطئ.
لقد كانت ذات الجماعة سببا في ارتدائها للحجاب بسن جد مبكر.. لا تزال تذكر اليوم الذي قررت فيه ارتداءه وهي الفتاة ذات الربيع الثالث عشر .. ولن تنسى ايضا نظرة استاذها ذو الفكر الحداثي اليساري ...كيف تحول اعجابه بها كتلميذة مجدة ذكية الى حنق وغضب كبيرين .
..لصغر سنها لم تفهم الاختلاف القائم والعداوة الكامنة ...لم تفهم سبب معاملته القاسية الجافة نحوها ...لم تجد معنى لتغير عينيه اللتان كانتا الى البارحة تنظران اليها كمفضلته من بين جموع التلاميذ الى شزر وحمم تتطاير.
مر اسبوع ورن جرس انتهاء الحصة ...اشار اليها بيده كي تتوقف ..فخمنت ان لديه كلاما ما سيوجهه لها .
امسك حجابها باطراف يديه كمن يمسك الجيفة مخاطبا اياها : كيف لك ان تقتلي طفولتك وشبابك الاتي بخرقة ثوب تحملينها الان على رأسك ؟
ماذا ستسترين ..انت لا تزالين طفلة ..لا تزال الحياة امامك ... لا تدعي فكر والدك يؤثر عليك ... هاته الخرقة ستحبس افكارك واجتهادك بداخل رأسك .
لقد كان يظن ان توجه والدها كمحب للحزب المكون للغالبية حاليا دخل في قرارها ... او ان نهلها من كتبهم سببا ...كان يظن ان هاته الخرقة كما اسماها واجب فرض عليها بالقوة .
بشجاعة لم تعهدها بنفسها انذاك وطمانينة حلت عليها اجابته بكل هدوء انها فقط طبقت تعاليم دينها عن طيب خاطر ..واننا كشعب مسلم بعد قرار الله ليس لنا خيرة سوى الطاعة ..اخبرته انها مقتنعة به بل وجد مرتاحة هكذا.
شيعها بنظرات استهجان وشفقة ... كانت نظرة متبادلة وحفصة تخرج من باب القاعة متمتمة بداخلها : امل انك ستفهم انت ايضا يوما ما !
المشهد السابع والثلاثون :
عادت حفصة لمقر عملها ..وحالة من الكأبة واليأس تعتري محياها اطلت عالية من نافذة منزلها حين سماعها صوت حقيبة حفصة تجرها جرا .
عالية : حفصة على سلامتك ستناي !
خرجت عالية على عجل ترتدي خفها ...عانقت حفصة الباردة المتبلدة تواسيها
عالية :على سلامة ديالك ا حفصة ..ماديريش فخاطرك ..طير فالجنة نشالله .
حفصة : هزت كتفيها وحاجبيها بما معناه ومالذي استطيع فعله ؟
انه قضاء وقدر وليس لنا امامه سوى القبول او محاولة التقبل واحتساب الاجر .
انه يوم اثنين وموسم الدخول المدرسي لم يعد يفصل بينه وبينهم سوى ايام معدودة .
حركة غير اعتيادية بمركز القرية بين اباء هنا وهناك يحاولون الحصول على وثائقهم الادارية اللازمة لتسجيل بناتهم بدار الطالبة وضمان مسكن او غرفة تقيها حر الشمس وبرد الشتاء ..غرفة تقتسمها مع زميلاتها اللواتي كان لهم حظ الاستفادة من هذا المرفق.
كانت منشأة دار الطالبة تجاور المركز الصحي ...ترأسه مديرة وتساعدها بذلك مؤطرة بالاضافة الى عاملات مختصات بالطبخ والتنظيف لخدمة النازلات بذات المركز .
كثيرا ما ترى يوم السوق الاسبوعي الاباء وقد اتوا لزيارة بناتهم يشترون لهم حاجياتهن .. يوصونهن بالحفاظ على الشرف والتعقل والدراسة جيدا .
تقبل الفتيات ايدي ابائهن لأخذ الرضا يبلغن سلامهن واشتياقهن لامهاتهن واخواتهن ..يشيعن اباءهن بنظراتهن الى موعد اخر باسبوع اخر .
لطالما وفدت نزيلات دار الطالبة بالمركز الصحي ليلا في حالة هستيرية يترجين منها عطلة مرضية تسمح لهن بالعودة لمنازلهن من شوقهن او حتى من احساسهن في بعض الاحيان بغربتهن ... فالله وحده يعلم ما يكابدنه بداخل انفسهن خاصة في مرحلة عمرية حرجة.
من دار الطالبة ترى منشأة اخرى قد اصطفت على نفس الشارع ..ملحقة قيادة ... تراها يوم السوق الاسبوعي كمركز للمنازعات والشكاوى ... لن تمر هناك الا وستسمع من السباب والشتيمة القدر الكبير ... حتى انك ستجد وجوها مألوفة تحضر كل يوم سوق اسبوعي لتشتكي بأحدهم ...وجوه الفها العاملون هناك حتى لم يعودوا يأخذونها على محمل الجد.
كما انك ستجد بمحيطها عمالا من نوع خاص ...يقتصر عملهم على شهادة الزور ... يكفي ان تخرج ما لديك من مال لتحصل على اثنا عشر شاهد بسرعة البرق يساندونك ويشهدون بما لم ترى اعينهم ولم تسمع به آذانهم ...كيف لا وقد باعو ضميرهم للمال ...وما الاكثر سلطة من المال.
مرورا بطريق مستقيم ترابي ستجد السوق الاسبوعي ...سوق كبير فيه من كل ما تشتهيه الانفس خضر وفواكه ودواجن "بلدية" اسماك قطع بلاستيكية و مبيدات حشرية الات فلاحية ملابس واحذية ... خيمات نصبت كمطاعم ...حافلات نقل مزدوج وسيارات اجرة ... شاحنات ناقلة للسلع.. دواب هنا وهناك ...الكل مسرع يريد قضاء الكثير من المصالح بيوم واحد في وقت محدد حتى يجد من يقله عودة لمسكنه البعيد باحدى الدواوير.
لذلك تجد الناس يوم السوق الاسبوعي في حالة عجلة تضع معها العاملين بالمركز الصحي في خط توتر عالي ... يجب عليك ان تسرع لا يهم كيف ولا تحاول ان تشرح ...كل ما عليك هو ان تسرع ورغم ذلك لن تفلح في نيل رضاهم او استحسانهم ... هم على عجلة من امرهم فقط .
الجماعة القروية كذلك كمنشأة ادارية بالقرية تجد بين دهاليز مكاتبها جمعا غفيرا بين من يريد تسجيل اطفاله بالحالة المدنية ومن يريد استخلاص عقود ازدياد ومن يريد الحصول على رخصة ..بين هذا وذاك تجد مكتب رئيس الجماعة مكتظا بالاعضاء في حوارات تهم الصالح العام ..نعم الصالح العام ولا تحاول حتى ان تساير ما يجول بعقلك الان فانت على حق 😁
كما لن ننسى ذكر نجوم هذا الاسبوع .. فئة المقدمين وشيوخ القبيلة حيث يتصدرون قائمة المبحوث عنهم.
المشهد الثامن والثلاثون :
انتهى اليوم وانتهت معه طاقة العاملين بالمركز الصحي ... وحفصة ذاهبة الى منزلها لنيل قسط من الراحة تبعتها زينب بخطى سريعة تناديها .
زينب : حفصة.... الله يعوض ليك خير اختي ...بقا فيا الحال منين سقت لخبار ..معليش اختي راك مزالا صغيرة ومزال الدنيا قدامك.
حفصة :ماعرفتش ازينب ..على حسب ما قال طبيب حالتي شوية معكسة خاصها متابعة وممكن نوصل لمرحلة الا ماوقعش حمل طبيعي نفكر فاطفال انابيب او ف تلقيح اصطناعي او ...
اسكتتها زينب قائلة :ايلا كان عندك غير امل واحد فلمية انك تولي واحد نهار ام شدي فيه وتيقي بيه ... كلشي على هنا (مشيرة لرأس حفصة ) ... الخايبة احفصة هو مايكون عندك ولو ديك 1 فلمية باش تقاومي وتشجعي وتتقاتلي .
نزلت دمعتان قسرا من عيني زينب التي توارت عن الانظار في لمح البصر تاركة حفصة مشدوهة للمشهد الذي جمعهما قبل قليل.
ولجت منزلها استلقت تفكر بحالها وكلام زينب كالمطرقة يحفر في راسها الصغير متسائلة ما بال زينب ما الذي تعنيه بكلامها ؟
صحيح انها كانت تتسائل هل لديها اطفال تزورهم بتلك الفترة التي تذهب بها كل شهرين ؟
حزنت رغم جهلها لقصة زينب فالظاهر انها تخفي الشيء الكثير ..لا بد وان يكون هما ثقيلا حتى جعل منها امراة حديدية ...امراة غلفت نفسها بغلاف القسوة واللامبالاة ..ربما اتخذته درعا كي تحمي ما بقي من روحها في منأى عن صدمات بشرية اخرى ....من يدري ..مالذي عانته المسكينة ...دموعها قبل قليل ما هي الا بقايا انسان يحاول الصراخ وراء القناع بانه لا يزال هاهنا .
دقات ايمن المسرعة على بابها جعلها تقفز من مكانها ليقطع عليها سيل افكارها .
فتحت حفصة الباب ليدخل ايمن لمنزلها بسرعة يجري للغرفة وهو يريها لوحته الالكترونية فرحا .
ايمن : شوفي اخالتي حفصة عمي شنو سفط ليا ... عفاك انسطاليلي اللعب هنا ماما ماعرفاتش .
حفصة وهي تضحك من منظره المشاغب :ايمن خاصنا بعدا الانترنت عاد باش نقدرو ندخلو اللعب فيها .
ايمن وقد اختفت الابتسامة من على محياه :دبا مغاديش نقدر نلعب ..منين نجيب الانترنت ؟
حفصة : سير جري عند صفيه قولها تعطيك روشارج وعطيها طابليط دخليك فيها الانترنت وانا لعشية ندوز عندكم للدار ونقاد ليك اللعب .
عانقها يشكرها وذهب يجري فرحا يحمل اطراف سرواله بيد ولوحته باليد الاخرى .
ما فتئت تغلق باب منزلها حتى باغتها رجل يطلبها على عجل لترى زوجته التي فاجئها المخاض على حين غرة وهي الان بالسيارة وقد وضعت جنينها.
جمعت ادواتها ومستلزماتها في علبة وانطلقت صوب العربة على استعجال لترى الام والجنين .
الام : اختي راه خرج ماغوتش..واش ميت ؟
بادرت حفصة بقطع الحبل السري ولف الجنين بخرقة وذهبت تجري الى دار الولادة تقوم بفركه وعصره وضربه على مؤخرته ورجليه ...حركات استعجالية في وقت زمني قصير ولا استجابة الى الان ... لم تيأس .. استمرت على فعلها والاب قد ايس من روح ابنه ..لم تياس حفصة والعرق يتصبب شلالا .. تذكر الله بداخلها وتطلب منه ان لا يحرم امه منه كما حرمت هي من جنينها .
بدا قلبها يعتصر الما الى ان صرخ الجنين صرخة جعلت والديه يبكيان فرحا ..تنفست الصعداء وضعت له قناع الاوكسجين ..تركت الجدة المرافقة تلبس له ملابسه لتعتني هي بالأم .
اكملت واجبها وذهبت لمنزلها ترتاح وهي بين الفينة والاخرى تذهب لعيادة الام ومراقبة صحتها وصحة الجنين.
التقت بزهرة اخت صفيه حاملة صينية تحوي ما لذ وطاب من اكل متوجهة لدار الولادة تكرم النفساء .
كانت عادتهم ان رأو حالة ولادة ان يكرمو النفساء ويعتنيوا بها نظرا لعدم وجود خدمة المطبخ بدار الولادة وبعد الاسرة غالبا عن مركز الدوار ..كانت اسرة طيبة كريمة .
المشهد التاسع والثلاثون :
بعد مغادرة الاسرة والتي كانت غالبا لا تكمل 12 ساعة بدار الولادة بعد ان يوقع الاب متحملا مسؤولية قراره ..ذهبت حفصة الى منزل ادريس لتفي بوعدها لايمن.
وهي تقوم بضبط اعدادات اللوحة الالكترونية ...رجعت بذاكرتها 10 سنوات الى الوراء لترى نفسها وهي ابنة 12 ربيعا بغرفتها تبكي بحرقة بعد ان شاهدت اشهارا تلفزيا بإحدى القنوات يخص الحاسوب و كيف بإمكان المرء ان يلج الى عالم غريب بصندوق واحد.
كيف بإمكانها ان تجول العالم بين مختلف المواقع والموسوعات.
تبكي بحرقة لانها لا تملك واحدا ..وحينئذ كان الحاسوب حكرا على الاسر الغنية و الطبقة البرجوازية كان اداة تعتبر من الكماليات ووسيلة من وسائل الترف.
لا تزال تذكر كيف كانت تناجي الله وتسأله هل سياتي يوم ما وتمتلك هي ايضا حاسوبا ؟
كانت تراه من المستحيلات فتنقهر اكثر واكثر .
لا تزال تذكر يوم احضر والدها حاسوبا مستعملا ...كم كانت فرحتها كبيرة ... لا يهم شكله ولا نقصان ازراره ولا حتى ثقله ...
يكفي ان تراه يملأ غرفتها تستكشف ادواته ... كان الصراع حامي الوطيس بينها وبين اخيها الاصغر سنا ... حين كان العرف ان الممسك بالفأرة هو صاحب القرار والمتحكم بزمام الامور .
من برنامج الرسم الى برنامج الكتابة الى الة الحساب لم يكن به الشيء الكثير لكن كان كافيا لارضاء غرورها وكبريائها .
انذاك لم يكن الانترنت بالشيء الموجود لدى المنازل ... كان يتواجد فقط بمقاهي الانترنت ...حيث كان الشباب والرجال يقضون ليالي بيضاء بين متعلم ومتصفح وبين فضولي 😉.
لقد كانت ليلة ليلاء يوم وعدها والدها انه سيأخذها صباحا لمقهى انترنت لتتعلم كفية انشاء بريد الكتروني وزيارة مواقع الاطفال.
لم تنم ليلتها ولم تدع والدها ينام ..لتوقظه كل ساعة خوفا من التأخر .
كان شكلها مضحكا وهي تمسك الفأرة وتحاول تحريكها بحركات عنيفة جعلت البعض يتوجه ببصره نحوها مستهزئا ..لكن هيهات ان تأخذ على خاطرها منهم ..فاليوم يوم عيد لن يتكرر الا بعد زمن.
عادت الى بيتها وهي تحمل قطعة ورق تحوي معلومات سرية نعم جد سرية ..بريدها الالكتروني ورقمه السري ... عليها ان تضعه بمأمن من الاتلاف ... تفكر بوضعه بحقيبة الاوراق المهمة الخاصة بوالدها نعم يجب الحفاظ عليه بمعيتهم.
حفصة وقد انتهت من مهمتها مدت اللوحة الالكترونية لايمن الذي طار فرحا لغرفته ...بينما اوصت حفصة عالية بعدم شحنه مرة اخرى برصيد انترنت ..فاللعب الالكترونية الموجودة به حاليا تكفي ..خوفا من ان يسقط في براثين هاته الشبكة العنكبوتية بمساوئها.
المشهد الاربعون :
هل يوم الخميس بجو خريفي بارد جعل هبوب رياحه اوراق الشجر تدخل في رقص خاشع كرقص الصوفي في حضرته.
توجهت حفصة الى المركز الصحي ...فتحت بابه لتجد مي فاطنة بالانتظار...ولجت بعد سلام وكلام لتبدأ مهمتها المعتادة .
مي فاطنة عاملة النظافة الخاصة بالمركز الصحي تجاوزت قبل سبع سنين عقدها الرابع ... تعمل بتفان و استقامة يشهد لها بذلك عاملو المركز ... احبوها واحبو تفانيها بعملها طوال المدة التي التحقت بالعمل برفقتهم والتي تناهز الست سنوات .
جلست حفصة لتملأ بعض الكراسات الخاصة بالنساء حين استأذنتها مي فاطنة بعد ان ارتدت بذلتها وحملت ادواتها .
مي فاطنة : حفصة انبدا بالبيرو ديالك لول ماحد ماعليك زحام ؟
حفصة :هي لي متعاود امي فاطنة ...تركت لها المجال والتحقت بمكتب ادريس.
مي فاطنة التي اجبرتها ظروفها الاسرية ان تلج سوق الشغل على كبر سنها ...لم يكن لديها سوى ابنة وحيدة متزوجة وزوج مهمل اصبح يعيش على نفقة زوجته.
بمكتب الممرض الرئيسي وجدت حفصة ادريس وهو يتجهز للذهاب برفقة احمد سائق سيارة الاسعاف الى المندوبية الاقليمية فمخزون اللقاحات ووسائل منع الحمل بالاضافة الى بعض الادوية الضرورية قد شارف على الانتهاء وعليه تزويد المركز من جديد .
حمل اوراقه بينما احمد يحمل صناديق اللقاحات العازلة للحرارة ويوصي حفصة بان تهتم في غيابه برفقة زينب بالمركز الصحي .
شيعته حفصة لدى الباب وعادت ادراجها الى مكتبها.
انطلق ادريس واحمد في رحلتهم المعتادة و التي تتكرر كل شهرين الى ثلاثة اشهر تقريبا .
تبدأ طقوس الرحلة بعد الوصول الى المدينة بالتوجه لدى المندوبية الاقليمية ووضع بعض الاوراق لدى مكتب الضبط كشكايات و بلاغات وطلبات وتراخيص تم يتوجه الى الممر المحادي وهناك ترى ادريس كفراشة تحوم من مكتب الى مكتب ومن مسؤول خلية الى اخرى هذا يطبع وهذا يرشد والاخر يقدم المستجدات ..ينتهي طوافه ليتوجه الى المسؤول عن صيانة الاجهزة والالات ليقدم له ما اصابه عطل او خلل ويستبدلها هناك ان وجد بديل.
بعد ذلك يتوجه الى الصيدلية الاقليمية كأخر وجهة وهناك يتحول ادريس الى الة حساب وعد ...ويستحضر كل قواه العقلية ليقوم بتركيز شديد بحساب ما يعطى له ومحاولة عدم نسيان اي شيء فمن الغير الممكن ان تعطى له السيارة مرة اخرى الا بعد مرور اشهر.
سيارة الاسعاف هي الوسيلة التي تستخدم في هكذا امور لعدم توفر المركز الصحي على سيارة خاصة بالمركز الصحي .
فطلب سيارة الاسعاف من رئيس الجماعة ليس بالشيء البسيط.. فكان على ادريس اعلامه بطلب خطي ... كما عليه الاتصال عدة مرات كي لا يلف طلبه بالنسيان ... فكم من مرة ماطلوا وتناسوا بل حتى واغلقوا هواتفهم تاركينه في مواقف حرجة فقط كوسيلة ضغط كي يلين ادريس او ينكسر.
ادريس الذي بحنكة سنواته في العمل لم يرضخ لهم بل كان يضغط من جهته ايضا وبطرقه ايضا حتى اذعنوا رافعين راية الاستسلام.
انتهى اليوم وانتهت معه قوى ادريس ...ترجل من سيارة الاسعاف بعد وصوله الى المركز الصحي ..متعاونا هو واحمد على ادخال الصناديق التي اسالت لعابا من متفرجين اخذوا وضعية جمهور الملاعب ...يقتنصون الفرصة كي يستفيدوا وحصريا مما احضر ادريس قبل ان تنتشر الاخبار ويعلم القاصي قبل الداني ان "ادريس جاب الدوا "
المشهد الواحد والاربعون :
التقت حفصة صباحا بادريس ..حيته وجلست تستعلم منه ما الجديد فبادرها باعطائها ورقة تخص موعدا ضربته لها المندوبية يوم الاثنين كموعد لفحص مضاد عقب شهادتها الطبية.
حفصة : واش هادو هبلو؟ برا لي برا يا السي ادريس هادو عاد فاقو ؟
ادريس مبتسما : المكتوب ما منو هروب يا حفصة ... حتا نتي اش فيها سيري منها تشوفي لمدينة فوجي و تقداي لي خاصك من تم ورجعي .
حفصة : والله ايلا بصح ... وكيفاش كايدوز هاد الفحص المضاد السي ادريس ؟
ادريس : والو غاتدي معاك وريقاتك د الطبيب ودواياتك وتمشي للمندوبية لمكتب المندوب هو لي غايدوز ليك الفحص المضاد ؟
حفصة : هادشي فيه غير الهضرة واستعراض الادوية والفحوصات؟
ادريس : تماما ..هادشي لي كاين .
حفصة وهي تهم بالخروج من مكتبه :اوا الله يدوزها على خير انا نمشي ما حد مكاين حد نقاد ماتريال لولادة لي جبتي البارح .
ادريس : الله يرضي عليك ولي حسبي كلشي تما ..راه البارح دخت انا بقوة الحسابات وقيديلي فشي ورقة حتا دوزيهوم لي .
اتجهت حفصة الى دار لولادة لتقوم بترتيب تلك الاكوام المكدسة من الادوات الخاصة بالولادة ..حين دخلت زينب ومعها امرأة تبكي والدماء قد غلفتها من كل جهة .
تركت ما بيدها وذهبت لترى ما بال المرأة
حفصة : زينب ؟
اومأت لها زينب انها هي الاخرى لا تدري .. اجلسنها على طاولة الفحص ..وبصعوبة فهموا ما تحكيه والكلمات تخرج من فمها متقطعة من خوفها وبكاءها.
كانت امرأة حامل في شهرها الرابع ... تدخلت في عراك جمع بين زوجها وابن عمه حول شجيرات زيتون انتهت بعراك بالعصي والمناجل .. اخذت منها نصيبها هي الاخرى .
كان عنق الرحم مغلقا لكن النزيف كان سببا في ملئ زينب لورقة توجيه لتذهب به الحامل الى المستشفى الاقليمي لتلقي العلاجات .
نادين سائق سيارة الاسعاف لحمل المرأة وزوجها الذي كان يعتني بجرحه ادريس بالغرفة المجاورة.
لم يكادو ينتهون حتى اتت حافلتان مليئتان عن أخرهما برجال حاملين العصي يبحثون عن الرجل وزوجته لاكمال ما بدأوه بالدوار..لكن من حسن الحظ ان احمد انطلق قبل وصولهم بقليل .. لم يمنعهم هذا من الاحجام عن فعلتهم بل دخلوا مكتب ادريس عنوة يستفسرون عن مكان ذهابهم.. اعطاهم ادريس عنوانا مغلوطا بعد ان حفظ ارقام سياراتهم ليعلم سرية الدرك ويعطيهم معلومات حول الواقعة كي يقومو بواجبهم.
المشهد الثاني والاربعون :
بمقعد جلدي اسود بمحاذاة مكتب سكرتيرة المندوب الاقليمي تجلس حفصة متوترة وبيدها ملف يحتوي على كل اوراقها وعلب دواءها ..وهي غير مقتنعة بهذا البروتوكول المتأخر عن اوانه.
صوته جهوري مربع القد ذو شارب اسود كثيف اتى يعبر الممر ليدخل الى مكتبه.
لم تمر الى دقائق حتى استدعتها سكرتيرته لتلتحق به.
مكتب عريض كبير المساحة طاولة اجتماعات تتوسط المكان واثاث جلدي يمنح للمكان رونقا وبريستيجا ..صور عائلية بإطار وديبلومات وشواهد معلقة ..مكتبة صغيرة خشبية .
المندوب : تفضلي ا مدام.
حفصة : السلام عليكم ..عندي ليوم موعد فحص مضاد .
المندوب : فوقاش بديتي الخدمة ؟
حفصة هادي شهرين تقريبا ؟
المندوب : شهرين وبديتي بالشواهد الطبية ؟
حفصة :مكره اخاك لا بطل
المندوب وهو يتفحص حفصة جيدا وكأنه عجب من عفويتها وجرأتها : شنو عندك باش خديتي 15 يوم .
حفصة : كان عندي حمل وكان مهدد بالاجهاض والطبيب اعطاني راحة بالاضافة لدواء.
المندوب : ايوا؟
حفصة :ايوا ماكتبش الله .. الله يعوضنا خير .
المندوب :مممم ولكن امدام هاد العطلة المرضية جات مور العطلة الاستثنائية نيشان ادن انا غانعتبرها تمديد للعطلة فقط.
حفصة مستغربة : توقيت لا دخل لي فيه هادشي هكدا جا وها وريقات الطبيب وها الدوايات وصور الايكوغرافيا !!
بعد تفحص وحوارات وترت حفصة اكثر فأكثر صمتت لتدع له المجال يتحدث وحيدا فلم يعد لها ما تقوله ..ليختتم بأن وقع على ورقة كانت بجانبه وصرفها لحال سبيلها.
لم تكن تهتم ما نتيجة الفحص المضاد ..بقدر ما كانت تنتظر متى ستنتهي من هذا الفحص البروتوكولي لتطلق ساقيها للريح ..خرجت من باب المندوبية تتصل بصفية رفيقة الطريق التي تكلفت بايصالها .. كان عليها ان تتوجه للبنك كي تأخد ما يكفي اقامتها هناك كما كانت تشتهي بعض انواع المأكولات الغير موجودة بالقرية وعليها ايضا ان تمر الى احدى الاسواق الممتازة لتبتاع ما اوصتها به عالية وزينب من حاجيات ..
المشهد الثالث والاربعون :
حل موسم الدخول المدرسي وملئت الدنيا ضجيجا وحركة غير اعتيادية .. بحلوله تاتي ايضا انشطة صحية مرافقة له في اطار مايسمى بالصحة المدرسية .
يعنى برنامج الصحة المدرسية بكل ماله علاقة بالمتمدرسين خاصة مرتادي السنة اولى ابتدائي والسنة اولى اعدادي والسنة الاولى ثانوي.
يهتم برنامج الصحة المدرسية بصحة الفم والاسنان الاذن والحنجرة الامراض الجلدية الامراض التنفسية القياسات البدنية كالطول والوزن وقياس النظر كما يتم تلقيح الاطفال ذوي الخمس سنوات بلقاحهم الخاص.
هي فرصة ايضا لدعوة التلميذات اللواتي بلغن من العمر 15 سنة فما يزيد للانخراط في برنامج تلقيح الفتيات بلقاح الكزاز .
في العادة يتكون الفريق الخاص بالصحة المدرسية من ممرض واحد او اثنين بالاضافة الى طبيب الوحدة .
يقوم الممرض الرئيسي بجرد عدد المدارس التابعة ترابيا لمركزه الصحي ثم يضع جدولا زمنيا للزيارة المرتقب حصولها .. بالاضافة الى تواصله مع مدراء المدارس او مع ممثلي السلطة المحلية لاعلام التلاميذ واولياءهم بموعد زيارتهم ... بالاضافة الى إخبار رئيس الجماعة القروية وقائد المنطقة .
لم تكن حفصة على دراية ببرنامج كهذا فتكوينها كقابلة لم يسمح لها برؤية شيء مماثل ..اللهم يوما واحدا فقط في اطار التدرب بالمجال القروي حيث اخذتهم المؤطرة من دار الولادة بسيارة نحو مدرسة القرية كي يقمن باعطاء نصائح وارشادات حول صحة الفم والاسنان بحصة لم تتعدى الخمسة عشر دقيقة ليتفرقن بعدها.
كانت اول مرة ستفهم ما هو برنامج الصحة المدرسية ما اهدافه ما الفئة المستهدفة ..كل هذا بفضل ادريس الذي لم يبخل بتنويرها حين اتته ذات صباح وهو منهمك في اعداد الجدول الزمني الخاص بالبرنامج.
تحمست كثيرا للخروج في زيارة كهاته... فقبل عشر سنوات من الان كانت حفصة تقف في طابور تلميذات المستوى اول اعدادي في انتظار دورها لفحص كهذا بقسمها ..والان ستدخل القسم كممرضة تؤدي نفس المهمة.
سألت حفصة ادريس عن كيفية قيامهم بهاته الانشطة ومن الذي سيشارك ممنية النفس بان يكون من نصيبها ... فطنة ادريس قرأت حماستها من عينيها اللتان تلألأتا بوميض طفولي .. ابتسم ليبشرها بانها من سترافقه فزينب منهكة ولا يظنها تريد الانضمام لنشاط كهذا كما كانت عادتها دوما.
لقد كانت فرصة لها للتواجد مرة اخرى بين اسوار المدارس .. فرصة تتذكر بها كيف مر صباها ..وان لم تكن نفس الرقعة على الخريطة ...فجميع المدارس متشابهة بجدرانها وكل اطفال المغرب متشابهون.
المشهد الرابع والاربعون :
"تافرسيت " قرية من قرى الريف تابعة اداريا لاقليم الناظور .. عمل والداها هناك لمدة 16 سنة كمعلمين... لم تكن تعرف بإسمها كثيرا بل كانت تعرف بابنة المعلمة فلانة ... كانت تحزن عندما يناديها اصدقاؤها في لحظات الغضب الصبيانية "غربية" لم تكن تعرف ما معناها او لم ينادونها هكذا فهي لم تعرف لها مكانا غير هناك .
ترعرت بين جنبات تلك القرية امضت طفولتها و السنوات الاولى لمراهقتها ... انتقلت بعدها لتعلم انها لم تكن غربية بل كانت ابنة المنطقة وان انتقالهم كان اول مسمار يدق في تابوت غربتها الفعلية الابدية.
نعم لم تكن ريفية الولادة او الاصل لكنها كانت ريفية الروح.. الا يقولون من عاشر قوما اربعين ليلة صار منهن فكيف بمن عاش اولى ايام حياته هناك واستمر لستة عشر سنة ؟
في حين تربت على سماع ان تافرسيت ليست بلدها الاصل وان المدينة الام تنتظر يوم لحاقهم بها لم تكن المسكينة تدري ان تافرسيت هي الام والمنشأ وكيف لا وهناك تركت اصدقاء الطفولة ..تركت اماكن احتضنت قهقهاتها وهي تسابق الريح رفقة صديقاتها ... مكان حفظته عن ظهر قلب وهي تتجول بجنباته مكان كان لديهم من الاصدقاء فيه من عوض نقص العائلة.. اكثر مكان عاشو فيه بطمأنينة.
كانت مدرستهم كبيرة جدا ذات ساحة جد واسعة مع منظر اشجار واعشاب تؤثث المنظر العام .
كانت الاقسام كذلك تتجاور بطريقة تصاعدية حسب المستوى الدراسي ... اسرة التدريس كانت تنقسم بين ابناء المنطقة واخرين من مدن اخرى ... صعوبة انتقالهم جعلتهم يتعايشون لمدة جد طويلة اصبحو خلالها اصدقاء ورفقاء درب
بجوار المدرسة تجد باعة محلات بيع وشراء ولعل ابرزهم
"قادا" صاحب محل مجاور للمدرسة كانت تذهب اليه حفصة رفقة قريناتها لشراء ما يردنه في استراحة الصباح او المساء.
مرت 14 سنة من اخر يوم فارقت فيه حفصة تافرسيت لتحملها معها في قلبها وليس من الممكن ابدا ان تنساها او تنسى ساكنتها التي ما دوما اعتبرتهم عائلتها الاولى.
توقفت عجلات سيارة الاسعاف التي تقلهم لتقطع على حفصة سيل ذكرياتها التي ادمعت العين من حنينها.
دخلت القسم رفقة ادريس تحمل ميزان الطول وبعض الاوراق بينما يحمل ادريس باقي المعدات الثقيلة .
الخوف في اعين الصغار من منظر الوزرة البيضاء جعل حفصة تبتسم برحمة لتحاول باسلوبها ان تخفف من خوفهم وتدخل معهم في جو صبياني قليلا.
اقتسمت الادوار مع ادريس .. جعلته يتكلف بملأ معلومات التلاميذ لتقوم هي بقياس وزنهم وطولهم ونظرهم... للاسف لم يكن معهم طبيب ليؤدي مهمة فحصهم فالتزموا بالمهام المنوطة بهم كممرضين.
كان عليهم الاسراع فعليهم رؤية 4 مراكز مدرسية اخرى ...ليجدوا شيخ الدوار قد اعد لهم فطورا جميلا من شاي بالاعشاب وبيض بلدي وزبدة وعسل تعرف به المنطقة بالاضافة الى رغيف كبير بحجم عجلة خارج لتوه من السنة الفرن البلدي.
كان من عادة الدواوير هناك اكرام زائريهم.. بساطة مريحة وحب صاف.
من مدرسة الى مدرسة ومن دوار الى دوار مر يوم حفصة وادريس رغم انهاكهما الى انهما استمتعا بالمناظر الطبيعية المجاورة ... ودت حفصة لو انها تخرج كل يوم فالعمل في خرجات ميدانية افضل بكثير من الجلوس وسط جدران المركز الصحي.
المشهد الخامس والاربعون :
مر اسبوع الصحة المدرسية واتى خبر من رئيس الجماعة القروية يخبر ادريس فيها بقرب حلول حفل ختان سينظم بذات الجماعة .. مرفوقا بطلب الى المندوبية الاقليمية لمنحهم المركز الصحي كمقر تدار فيه اطوار هذا الحفل.
استشاط ادريس غضبا لانه يعلم مسبقا الحوادث والمشاكل التي تنتهي بها هكذا مناسبات لا سيما ان الهدف سياسي محض وليس ذا نية اجتماعية كما ارادوا ان يظهروها.
كانت حفصة وزينب بخضم توليد سيدتان اتتا في نفس اللحظة تقريبا واسرهن في بهو الانتظار ينتظرن بقلق صراخ احفادهن حين اتى ادريس يناديهن ان يلتحقا به بمكتبه عند انتهائهن.
كان عليه ان ينسق معهن برنامج حفل الختان الذي يمر على مرحلتين ..فاول مرحلة ياتي بها عاملو مختبر خاص لاخذ عينات دم من الاطفال المدرجة اسماؤهم من المستفيدين .. ثم عليهم افراغ بعض الحجرات وجعلها ملائمة لعملية الختان من طاولات وكراسي وتنظيمها بحيث تتسع للعدد الكبير من الاسر التي ستنضم لهذا الحفل.
انتهت حفصة وزينب ليلتحقا بادريس الذي بادر باخبارهم بالمستجدات ..تأففت زينب ساخطة فهي لن تنسى كيف انتهى ختان المرة السابقة بلكمات من هنا وهناك بين بعض الاعضاء المحسوبين على الجماعة وبعض الساكنة وكيف انها حمت نفسها بسرعة قبل ان تصلها احدى الضربات العشوائية.
زينب : واو ..عاوتاني هاد حريق راس ؟
ادريس وهو يرفع حاجبيه مستسلما :ايه ا زينب هادشي لي كاين عاد هضروا معايا من المندوبية وافقو ليهم .
زينب : عندك شي اقتراح باش ما يطراش بحال لمرة لي فايتة ؟
ادريس : فكرت فشي حويجات غانفرضهم عليهم من لول باش دوز الامور على خير .
حفصة : وفوقاش غايكون هاد الخير ؟
ادريس : هاد السبت غاجيو صحاب المختبر ياخدو عينات الدم من الاطفال ... والسبت الاخر غايكون الحفل .
حفصة :سمعتكم تتقولو حفل ..واش غير غايختنو ولا تيديرو حفل نيت ؟
ادريس ضاحكا :حفل الالة بالطبالة والغياطة وكينصبوا الخيم ويجيبو الديدجي ويحنيو لوليدات ويلبسوهم لباس تقليدي والحلوى والمشروبات .
حفصة : هايهاي او متسالهومش راهم تيفرحو لوليدات .
زينب :الله يهديك ابنتي راه خاصهم شي فليسات ومنها نيت شوية الاصوات ومكاين ما حسن من ختانة د 120 او 150 طفل كغطاء لتمرير بعض العمولات...كلهم مخلصين على هادشي لي غايدي يدار الا حنا غانضربو تمارة.
ادريس مقاطعا : هاد المرة حنا مغانقيصوا والو وهادشي لاش جمعتكم انا غانتكلف نحل ليهم المركز والغرف فين يخدمو فقط ..البقية هوما غايتكلفو بيه .. انا غانحتاجكم هاد السبت هدا لي مغانكونش تحضروا ايلا كان ممكن على حسب صحاب المختبر وخا ؟
زينب : كون هاني السي ادريس حنا نتكلفو بهم هاد السبت .. وحتا السبت الاخر غانكونوا هنا ايلا حتاجيتينا .
ادريس : يالله خليت ليكم الراحة .. سيروا ترتاحو قبل ما يجيو يقرقبو عليكم صحاب الحال..
المشهد السادس والاربعون :
اتى يوم حفل الختان المنشود ... التحقت حفصة وزينب بادريس لمد يد العون والمشاركة في هاته التظاهرة الصحية الاجتماعية.
ترى ادريس ماسكا لائحة الاطفال المسجلة اسماؤهم حسب ترتيبهم ويقوم بتنسيق مع افراد السلطات المحلية باخر الترتيبات الامنية والتنظيمية قبل الشروع في العمل.
بمقر الجماعة القروية تجد الاسر قد احضروا صغارهم باكرا وتبعا للعادات يتم تكحيل اعينهم وتزيين اطرافهم بالحناء ثم الباسهم لباسا تقليديا مغربيا تكلفت الجماعة القروية باقتناءه.
دموع فرح امهات اختلطت بدموع خوف ابناءهن زغاريد هنا وهناك واباء قد اجتمعوا فيما بينهم يشيدون بصنيع الجماعة والجمعية المكلفة بهكذا نشاط .
ترى الاعيان يمرون بينهم بخيلاء يقبل الساكنة ايديهم او اكتافهم احتراما وولاءا وعرفانا منهم بصنيعهم.
العاشرة صباحا انطلقت عملية اعذار 150 طفلا على يد اربع ممرضين يشغلون منصب رؤساء مراكز صحية بنفس الاقليم.
الشيء الذي جعل حفصة تسأل ادريس همسا اليست عملية الختان لاتندرج من ضمن مهام الممرض وماذا لو وقع خطأ في عملية الاعذار الن يحاكم الممرض ... ليسكتها ادريس ان تحتفظ بالسؤال حاليا وهو يبتسم في وجه احد الممرضين الذي سمع مقتطفا من حوارها .. ليباغتها بقوله : اجي تتعلمي ؟
حفصة ضاحكة : لا ... لا باركة عليا داكشي لي معلمة ماخصني بهادشي ...استمروا ..تبارك الله عليكم .
فوج وراء فوج .. وطفل وراء الاخر بتناوب .. عملية لا تستغرق اكتر من خمس دقائق على الاكثر ..روائح اللحم البشري المحترق تخنق المكان لاستعمالهم الة ليزر وكانها حفلة شواء .. صراخ هنا وزغاريد هناك ... مجموعات فلكلورية شعبية تصدح بالاهازيج بمدخل المركز الصحي لتخلق جوا لم تره حفصة سابقا .
مي فاطنة عاملة النظافة ساخطة على استغلالها بهذا اليوم حضنتها حفصة محيية اياها : مال مي فاطنة كاعية ؟
مي فاطنة : قاليك الشيبة العاصية ( في اشارة منها لرئيس الجماعة القروية )نجمع السبيطار وندوز للجماعة ونكمل ونمشي نعاون النسا فدارو ..واش مكايحس بنادم انا ضهري تقطع من 6 صباح ونا خدامة .. استقرت دمعتان في مقلتيها وبح صوتها لتسكتها حفصة قائلة : ماتمشيش اجي دخلي لاصال معايا ايلا سولو فيك غانقولهم باقا مساليتي عرفتي زيدي تفطري صبت لها كأسا من الشاي الساخن مع وقدمت لها صحنا من الفطور الذي كان من المفترض انه خاص بضيوف اليوم لتسترسل مبتسمة : فطري بعدا ويحن الله .
مي فاطنة لم تكن سوى رقما من الارقام للاعوان المحسوبين على الجماعة القروية ... فلقد كان من بين اوجه الفساد والريع ان يقوم كل عضو من اعضاء الجماعة بتسجيل ثلاث او اربع اقرباء له بالجماعة كاعوان مؤقتين "اشباح" ليستخلص رواتبهم المزعومة كمصدر دخل شهري مضمون دون عناء .
لكن بالحقيقة فعدد الاعوان الحقيقين قليل جدا و امي فاطنة ما هي الا مثال لذلك فكانت تعمل عمل ثلاث اعوان خلافا لما يوجد بالسجلات... ناهيك عن نهب شهرين او ثلاثة من عرق كتفيها دون موجب حق .. وماعليها سوى الرضوخ والصمت او سيتم تعويضها بأخرى.
انتهى حفل الختان ..طبعا بعد مرور بعض المشاحنات والملاسنات كاخر مشهد قبل نزول الستارة... وتم استضافة الفاعلين بجانب اطر المركز الصحي وممثلين عن السلطات المحلية بحضور عامل الاقليم بدار الطالبة حيث تم تقديم واجب الضيافة من غذاء مع القاء كلمة شكر لكل من ساهم في احياء هذا الحفل
المشهد السابع و الاربعون :
.اتت بداية اسبوع جديدة .. لكن بقلة زوار على غير المعتاد لتسأل حفصة زينب وهما بخضم تجديد بعض السجلات.
حفصة : زينب مال الناس هاد النهار شفتهم قلال ؟
زينب :ههه عزيز عليك الخدمة يلالة .. دبا الناس مشغولين ممسالينش للصبيطار.
حفصة : علاش شنو عندهم ؟
زينب :هنا الناس مورد عيشهم هو الفلاحة ..وهادي وقت الحرث ..لي الاغلبية كايستعملو وسائل يدوية تقليدية وهادشي تياخد منهم وقت .. بعكس الفلاحة الكبار لي تيكريو الالات الفلاحية وتيسربيو دغيا .
حفصة : هكاك ...ولكن حتى العيالات شفتهم مجاوش هاد النهار ؟
زينب : وعلى نتي عند بالك غير رجال لي تيخدمو ؟ راه المرة كتنوض حتى هيا مع الفجر تسقي وتحطب وتحش الربيع للبهيمة وترجع تصاوب الفطور للخدامة وتقاد ليهم الغدا وتديه ليهم هادشي ايلا كانت مرا وحدا اما ايلا كانو بزاف شي تيتكلف بالكوزينة والطياب للخدامة والبقية تيمشيو حتى هوما يحرتوا معاهم.
حفصة : صراحة المرأة القروية ها بونجور ديالها ..عندهم تمارة بزاف .
زينب :وكون غير كانو يعترفوليها بيه ... المرة هنا راسمال بشري ماشي زوجة وامراة .. المرة هنا يد عاملة محدها تولد وترضع وتربي وتخدم راه مزيانة نهار تمرض كتحاز للجنب مكاينش لي يعرفها..الا القليل .
هادشي بلا صراعات العكوزة - عروسة بحيث حتى الحق فالصحة تتحكم فيها ام الرجل... هي لي تعطي الموافقة واش تولد فالصبيطار او تولد فالدار واش تلقح ولا لا... لذلك منين تجي عندك امراة حامل عمرك دخلي معاها العجوزة .. حيت هي متقضرش تهدر.
كلام زينب جعل حفصة تذهب بذاكرتها للوراء لتقف على حقيقة مهمة غفلت عنها سابقا ... يتمثل في تحكم ام الزوج في زوجة الابن حتى من القرارات الصحية التي يجب ان تكون برضى المعنية بالامر... فكم من كوارث صحية ووفيات بليدة جرت اطوارها فقط لان ام الزوج لم توافق للحامل على الولادة بالمستشفيات بدعوى انها هي ايضا قد وضعت عشرة ابناء بمنزلها فقط .. وكم من دقائق وساعات ضاعت في اقناعها بضرورة نقل الحامل الى المستشفى الاقليمي كان بالامكان فيها انقاذ الام والجنين.. وكم من مولود ذهب ضحية عادات وتقاليد خاطئة كاستئصال ما يسمونه ب "الحلق" فينزف الصغير الى الموت ...وكم من رضيع اصيب بنوبات كزاز لا لشيء الا لوضعها مادة الكحل بسرته.
عادات خاطئة متوارثة ... رغم محاولات مهنيي الصحة تثقيف الساكنة الا ان تشبث البعض بها لا يزال يزهق ارواحا .
المشهد الثامن والاربعون :
اتى خبر من المندوبية يخبرون فيها ادريس بضرورة تنقله الى احد الدواوير التي سجلت اصابة احد ساكنتها بالتهاب سحايا وعليه تلقيح الاسرة القريبة والمحيط الذي كان على تواصل مع المريض واعطاءهم دواءا للوقاية.
اقتربت الساعة من الثانية مساء .. بعد ان تناولت حفصة وجبة الغذاء مع عالية وادريس وايمن .. ذهبت برفقة ادريس للمساعدة فالعدد المراد تلقيحه ليس بالهين .
طوال الطريق وهي تنظر الى حال الطريق المنكوبة التي ذكرتها بزلزال الحسيمة الذي كان بشهر فبراير سنة 2004.. ليلة ليست كالخوالي ...نباح كلاب استمر لساعات وهجران للطيور من اوكارها كانت علامات لم يفطن لها القاطنون.
بعد الساعة الثانية صباحا بدقائق اتت هزة ارضية قوية لم تفقه حفصة النصف نائمة مالذي يجري حينها ...فلم تعايش وهي ابنة الاربعة عشر ربيعا شيئا مماثلا قبلا ...سمعت فقط صوت ابيها وهو يردد الشهادتين من الغرفة المجاورة .
استمرت الهزة لثواني طويلة وكانها الدهر وحفصة بداخل فراشها ككرة تنس تتقاذفها اطراف السرير.
من خوفها لم تستطع الصراخ بقيت مشدوهة من قوة تحرك الحائط والجدران .
انتهت الهزة لتجد والدتها قد هرعت لنجدتهم غطتها واخواتها بلحاف واسرعو بالنزول خارجا .
في لحظة كان جميع السكان يبيتون في العراء كمشردين لا مأوى لهم ... استمر حالهم لشهر لا يستطيع فيه الناس الجلوس في منازلهم مطولا لتكرار الهزات الارتدادية القوية والتي بعد مدة استأنستها حفصة واخواتها فيما بعد .
توقفت الدراسة مدة ليست بالوجيزة كما لن تنسى ان دوارا بكامله لقي حتفه في ليلة واحدة حتى انها سمعت بشخص مغترب عاد ليجد كامل قبيلته قد ذهبت في عداد الاموات ليصبح بعدها من الصدمة مريضا نفسيا هائما لا يدرى له مكان.
كانت نكبة في تاريخ الحسيمة اتت فيها الاعانات المغربية متأخرة كالعادة ... كما لن تنسى في عز النكبة كيف تمت سرقة الاعانات وتوزيعها على بعض الاشخاص الغير معنين بدون وجه حق ... لن تنسى مواقف جرت بعز النكبة اظهرت الوجه الحقيقي للفساد المستشري بجميع القطاعات...مواقف اظهرت اناسا تقتات من بؤس بعضها البعض.
المشهد التاسع والاربعون :
"جالسة بغرفة لا تعرفها مع اناس مجهولي الهوية .. يدخل المكان قط يفزع الجالسون لرؤيته ويهبون نحو الباب جريا من منظره المخيف ..قط هزيل البنية منسل الفرو خيط فمه بخيط ابيض يتقدم بخطى واثقة من حفصة وهاته الاخيرة لم تفزع ولم تجزع امسكته بكلتا يديها حضنته وشرعت تتلو ما تيسر من القرأن ليتحول الى صبي صغير يبكي بحضنها "
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... هذا ما كانت تهذي به حفصة بعد استفاقتها من هذا الحلم الذي اقلق مضجعها والعرق يتقاطر من جبينها كالشلال ..
قلب منقبض وقشعريرة تسري بجسدها ... هكذا نهضت حفصة من فراشها كي تبدأ عمل يوم جديد.
اضغاث احلام فقط لا تكترثي .. هكذا كانت تحدث نفسها وهي ترتشف قطرات شاي على عجل ... فصراخ الاطفال بوحدة التلقيح يسمع من نافذة سكنها الوظيفي.
حصة التلقيح هي للساكنة مواعيد زيارة وصلة رحم ... تجد الام والابنة التي فرقت بينهما ظروفهما الزوجية والمعيشية لا تضربان موعدا لبعضهما الا في المركز الصحي الذي بني بمكان يتوسط كافة الدواوير.
تجد الواحدة منهن منغمسة في احاديث مع بنات عماتها وخالاتها والصبية ممن يسكنون قريتها تستعلم منهم جديدهم وتبلغ سلامها واشواقها لمن افتقدتهم.
واحدة من هاته النسوة المواضبات على تلقيح طفلها .. تأتي الى موعدها بكل فرح فقد اعتادت ان تطلب من حفصة هاتفها كي تتصل بوالدتها خفية من زوج متسلط قطع رحم زوجته بوالدتها ومنع عنها كل وسيلة للتواصل.
ام لا يزال قريناتها يلعبن الغميضة في ارجاء اخرى من العالم ... وحيدة بين احضان زوج قاسي واسرة اقسى .. يتيمة الاب لم تجد ظهرا تستند اليه في محنتها فاستسلمت للامر الواقع.
حكايتها تتكرر كثيرا في القرى والمداشر حيث لا احد يسمع معانتهن او يساعدهن على الاستقلال ماديا ومعنويا.
انتهت من حصة تلقيح الاطفال وبدأت في جرد ثلاجتها حين دخل ادريس مبشرا.
ادريس : حفصة خاصنا الزردة !
حفصة مستغربة : نديروها السي ادريس ...غير نعرف لاش بعدا ههه.
ادريس :راهم الالة عيطو عليا من المندوبية وراه شيك فليساتك واجد باش تشديهم من الخزينة.
حفصة وقد اعتلت محياها نظرة فرح بلهاء : بصح السي ادريس ... واخيرا غايولي عندي حتا انا مدخولي الخاص ..وهنية علينا ... صافي الزردة على حسابي انت وختي عالية والدراري .
ولو ان الانسان قد يعيش دهورا ميسور الحال لا ينقصه شيء .. الا ان حلاوة المال المكتسب من عرق جبين الشخص له طعم خاص .. استقلال الفتاة ماديا وفرض قيمتها المعنوية وسط المجتمع شيء قيم جدا ولو بخسه بعض الناس وحاولو التقليل منه وتجاهله.
استحقاق الفتاة لمنصب جنبا الى جنب مع الرجل هو انجاز مهم في ظل مجتمع لا يزال ذكوري التفكير .
المشهد الخمسون :
لم تفتأ المسكينة عن التخطيط لما ستشتريه من هدايا لاسرتها ومالذي ستفعله برواتبها الاربعة المتراكمة .. العديد من الاشياء الجميلة كانت تؤجلها كي لا تثقل كاهل وليها ... والان كمن فتحت له ابواب مغارة علي بابا.
اتت زينب لتعلم حفصة بقرب ذهابها في عطلتها المعتادة فوجدتها قد احضرت كراسا وقلما تحسب ..تضيف وتطرح وتعيد الكرة مرات و مرات .
بادرتها زينب بسؤالها :اش كاديري احفصة ... شتك غير مع نوامر ملهية ؟
حفصة : راه خبرني السي ادريس رابيل جا .. وكنخمم شنو ناخد كادويات لمالين الدار والخوت .
زينب : وانت شنو خصك ا حفصة فوسط هادشي ؟
حفصة : انا بغيت غير وليد ولا بنية يعمر عليا.
تداركت حفصة حديثها لتخبر زينب برؤياها التي اقضت مضجعها فطمأنتها زينب بانها مجرد اضغاث احلام لا يجب ان تكترث لها .
حفصة : عرفتي ازينب شنو هي تكوني تتولدي النسا طول اليوم وتتعاملي غير مع الدراري صغار وتتمناي حتا انت يكون عندك طفل صغير لكن مزال مجاب الله .. والله اختي زينب ما بقيت نقدر نشوف فدراري مزال ... الله يصبرني ويرزقني عما قريب .
اكتفت زينب بعينين حزينتين بتصديق كلامها برأسها تهزه موافقة وكأنها لمست جرحا غائرا لا يزال يدمي في صمت.
قاطعا حديثهما صوت كبح فرامل سيارة... احضر لهما فيها امراة وضعت ببيتها لكنها بدأت بالنزيف.
وجه اصفر معرق شفتان بيضاوتان جعلتا حفصة وزينب تستنفران المكان ..وضعتا المرأة على عجل فوق طاولة الفحص وبادرت حفصة بعملية مراجعة سريعة ودقيقة لرحم المرأة لرؤية ان كانت هناك بقايا مشيمة تسببت في النزيف.. عملية مؤلمة لا تستطيع فيها النسوة التعاون مع المولدة بها مما يشكل ضغطا اضافيا عل القابلة التي تكون وقتها في قمة التركيز وايضا عليها تصريف قلق النفساء ومحاولة السيطرة على تخبطها ..فكل دقيقة انذاك عمر ينضاف او ينقص للمرأة.
خرجت بيد ملطخة بالدماء الى حدود مرفقها ... في مشهد ساخر يجيب عن اطروحة المخاطر المهنية التي بخس فيها الممرض حقه باصوات الغالبية.
المشهد الواحد والخمسون :
عادت مؤشرات المرأة الحيوية الى مكانها وسألت حفصة زينب ساخرة : اوا دبا هاحنا درنا لاريفيزيون للمرا وخاصها المضاد الحيوي يتخاذ موراها والطبيب مكانش لي يسنيلك عليه ... نديروه وربي كبير ولا منديروهش ونخليوها عرضة للتعفن.
زينب : مرحبا بيك لالة حفصة فسكيزوفرينيا الصحية ... ياما غاتحطي فمواقف بحال هادي .. انا مانقدر نقوليك والو انت القرار بيدك .
حفصة : عرفتي مالنا على حالتنا انعيط على احمد ونديها للمستشفى المحلي ونحيد علي المسؤولية.
حفصة مخاطبة الزوج : سير للقهوة عيط على احمد مول لابيلانص غانديوها للسبيطار الكبير ..خاص يشوفها طبيب وضرب شوكة باش ميوقعليهاش تعفن.
الزوج غاضبا: وعلاش غانديوها ضربليها انت الشوكة هنا ..حنا هدا هو سبيطار ديالنا.
حفصة : ايه اسيدي ولكن هنا مكاينش طبيب يسني على الشوكة ويلا مدارتهاش يقدرو يوقعو مضاعفات ..حنا لي فجهدنا ومقدورنا درناه ولي ماشي فاستطاعتنا ماعدنا مغانديروا.
الزوج :وايلا ماتعرفي ضربي حتا شوكة لاش جالسة هنا ؟
حفصة باستغراب كيف ضرب هذا الشخص مجهود انقاذ المرأة من النزيف عرض الحائط : دبا اسيدي حنا غير تنضيعوا الوقت مبغيتيش تديها غانعيط للسلطات سني هنا وتحمل مسؤوليتك.
حمل الزوج زوجته على مضص ..يسب طوال الطريق ويلعن ..لكنه للاسف لا يدري مخاطبه ..يمجد ناهبه ..ويلعن منقذه.
المشهد الرابع :
عادت حفصة الى منزلها ....كي توضب حقائبها....بمكان منزوي بغرفتها جلست القرفصاء ....ماسكة ركبتيها بيديها الاثنتين تنظر بحزن لغرفتها التي ستشتاق اليها كما ستشتاق الى الايام الخوالي التي قضتها بها ...
ها هناك نافذتها المزينة باروقة زاهية الالوان التي لا طالما لوحت من خلالها لجارتها السيدة العجوز عائشة التي رغم كبر سنها تحرص على ممارسة التمارين الرياضية في الباحة الخلفية للمنزل...
وهناك السيد فريد الذي لا تراه الا حاملا معوله يتفقد ازهاره و اشجاره ....لا طالما تبادلا الحديث عن النباتات ...حتى انه اهداها موسوعة بهذا الخصوص...
و ها هو ذا فراشها الوثير الذي لاطالما ارتمت فوقه مغمضة العينين تحلم بمستقبل مشرق
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تشاهد والدتها تجهز لها حقيبتها ...تعد لها ما لذ وطاب من حلويات...كما لم تنسى ان تجهز لها علبة تحتوي على مختلف الاعشاب العطرية الضرورية.
ام حفصة: هانتي ابنتي .. هاد العشوب غادي اينفعوك تما ايلا مرضتي خصوصا هاد الزعتر راه بلدي..وها عليبة فيها شوية د سلو ...وها دواز اتاي باش تفطري الصباح ..وقريعة ديال العسل البلدية خليه غي لدوا.....اه....كنت غانسى راني جمعتلك واحد القريعة حتى هي فيها شوية د القطران ديري منو شوية فالباب و السراجم ايبعد عليك الحشرات....
هرولت حفصه الى حضن امها وقلبها يعتصر من الالم لمفارقتها...لقد بدأت تشعر سلفا بالم الغربة .
ام حفصة محاولة اخفاء حزنها: لا ابنتي دبا خصك تشجعي و تقسحي قلبك..دبا تولفي ...غي صبري ...غصة دامية استقرت في حلق والدتها التي استسلمت بدورها لدوامة العواطف التي انتابتهما للحظة.
هو امر صعب فعلا ان نفارق من نحبهم..انها تلك اللحظة التي تستعرض فيها كل لحظاتك الجميلة و المرحة معهم....تتلاشى عيوبهم ليظل فقط كل ما هو مثالي امام ناظريك.
المشهد الخامس :
وضعت حفصة حقيبتها في صندوق سيارة والدها...تحييي بيدين مرتعشتين والدتها و اخواتها الواقفات بالباب يشيعنها بنظراتهن.
والد حفصة: يالله ابنتي ..راه مشا الحال بحرا نلحقو الكار.
ركبا السيارة متوجهين الى المحطة الطرقية..حيث ودعها والدها داعيا الله ان يحفظها في طريقها.
اتخدت مكانها بين الركاب .. وضعت حقيبة يدها جانبا ..حملت هاتفها تتصل بزوجها ..كي تخبره بمكانها...لم يتسنى له توديعها ..عمله العسكري بمدينة اخرى لم يسمح له باخذ ماذونية اخرى لايصالها.
حفصة: الو يحيى...انا دبا فالكار راحنا خارجبن
يحيى: وا حضي راسك ...شكون كالس حداك??
حفصة: حتى واحد البلاصة لي حدايا خاوية.
يحيى : ديري صاكك تما باش ما يجي حد ايتبسل عليك .
حفصة : وخا..صافي..كون هاني ..المهم تهلا فراسك ..بسلامة ..
وضعت حقيبة يدها في المقعد المجاوركما طلب منها زوجها ..وضعت سماعتي الاذن ...شغلت سورا من القرآن الكريم بصوت الشيخ سعد الغامدي كي يطمئن قلبها " الا بذكر الله تطمئن القلوب".
المشهد السادس :
وصلت الى مقر عملها تجر حقائبها الثقيلة ...انه يوم احد ...اطفال اختاروا الرصيف كملعب لمزاولة لعبتهم المفضلة ..كرة القدم.
كان من بينهم الابن الاصغر للممرض الرئيسي ادريس ..ايمن..فور رؤيته لحفصة هرول اليها فرحا.. بابتسامة بريئة
حفصة : كاين باباك فالدار?
ايمن: لا بابا فالقهوة ماما كاينة.
ذهب ايمن ينادي والدته بصوت عال افزعها
عالية: مالك اولدي لاش كتغوت
ايمن: الفرملية جديدة جات.
كانت السيدة عالية امراة في عقدها الرابع نحتت اثار التعب على وجهها الجميل تجاعيد جعلتها تبدو اكبر سنا...تزوجت وهي لا تزال في ربيعها العشرين من ادريس ..انتقلت معه كثيرا من قرية الى اخرى حتى استقر بهم الحال هنا.
وضعت السيده عالية شالا على راسها و خرجت تبحث عن حفصة: زيدي ابنتي مرحبا متبقايش واقغة فالباب.
حفصة : لا معليش شكرا ...بغيت غي سوارت ديال الدار..باش نقاد حويجاتي..
عالية : ايوا غي دخلي دبا نديروا كاس داتاي تردي بيه راسك من الطريق .. وغي يرجع ادريس من القهوة.. يعطيك السوارت وندوز معاك نعاونك.
دخلت حفصة منزل عالية وهي خجلة من كرم هاته السيدة ... لكنهن سرعان ما اندمجن و استغرقن في احاديثهن النسوية.. الى ان عاد ادريس من مقهى الدوار الذي لا يعدو كونه بضعة كراسي وضعت بجانب دار المقدم يجتمع فيها اعيان القرية اما البقية فتجلس على صناديق المشروبات الغازيه.
ذهبت حفصة و عالية الى المنزل الجديد توظبانه بهمة ونشاط..تصلحان ما يمكن اصلاحه كما لم تنسى وصية والدتها ...لتضع قطرات من القطران على عتبة الباب و النوافذ عسى ان تقيها شر الحشرات....
ارتمت على فراشها الجديد تعبة ...التحفت بغطائها و استسلمت لنوم عميق بعد يوم حافل استعدادا ليوم غد...هدا اليوم الذي لا طالما انتظرته لتباشر عملها كممرضة.
المشهد السابع :
الساعة تشير الى السابعة صباحا ...ذهبت حفصة لغسل وجهها...نظرت الى المرآة تحدث نفسها ...انها تقنية
تعلمتها فيما مضى في احدى الدورات التدريبية لتطوير الذات لاكتساب الثقة بالنفس.
عبق رائحة القهوة يملأ الأرجاء ...فتحت حقيبتها ...اخرجت وزرتها البيضاء الجديدة...لقد اقسمت يوم تخرجها ان تحترم مهنتها ...وبان تظل سريرتها نقية كنقاء هاته الوزرة.
لقد كان يوم مميزا...يوم احتفلت اسرتها الصغيرة بتخرجها ... اتخذت من مائدة الطعام منبرا لها .... ادت قسم المهنة ارتجاليا تحت تصفيقات والديها واخواتها.
قلبها يخفق بسرعة.... وملامح الارتباك تعلو محياها ....القت على مرآتها نظرة اخيرة لتوضب حجابها ... ثم توجهت صوب مكتبها الجديد\ القديم ... ولسانها يلهج بادعية التوكل على الله كي يذهب عنها الخوف و الارتباك.
اصوات الناس تتعالى من بعيد ... لغو النساء ...بكاء الاطفال ... و زفرات الرجال...ما ان فتحت مكتبها حتى تجمهر الناس حولها يتسابقون ...
حفصة بابتسامة تترجم براءة و سذاجة المتدربة في حسن الاستقبال: غي صبروا عافاكم نحط التلقيح و الماتريال ونا معاكم
لم تشفع لها ابتسامتها وكلامها الحلو كما دربوها في ان تجعل الناس تتراجع ... بل فهموا في الحين انها متخرجة حديثة فاستغلوا الوضع لقضاء مصالحهم بسرعة .
رجل من بعيد: والشريفة و تي سربينا دغيا لقحيلينا الولد راه تابعنا التسجال ف الحالة المدنية .
لم تكد تجيبه حتى بادرتها اخرى :
اختي سربيني دغيا عطيني الفنيد الراجل عندي مزروب و الحديد غايمشي علينا .
امرأة اخرى : ادكتورة شوفيلي هاد البنت عندي مريضة شوفيلي ليها شي دوا الله يشدليك فالصحيحة.
لم يترك لها الناس فرصة للحديث ...اغلقت باب المكتب بصعوبة محدثة نفسها: ناري يا سيدي ربي اش هاد الوحلة ...كل واحد باغي ايسبق لاخر وما كاين اللي ينظم ....ايه يا السطاج...ايه يا الشفوي فين هو النظري دبا فاش غاينفعني.
نظرت حولها ...عليها ان تنظم الاوراق المبعثرة... و تبحث عن الاوراق اللازمة لحصة التلقيح.
توجهت الى مكتب الممرض الرئيسي لتطلب منه حاجياتها اللازمة لحصة التلقيح...بحثت عنه فوجدته بقاعة العلاجات محاطا بعدد كبير من المرضى .
حفصة : السي ادريس... السي ادريس...عافاك بغيت les fiches journaliers و registre ديال SMI.
ادريس: مكاينينش تما?! ....وخا تسناي شويا.
انتظرته على مضض وهي تعلم ان كل تأخير من طرفه يعني غضبا زائدا من منتظريها.
المشهد الثامن :
فكرت في طلب المساعدة من زميلتها....فرصة ايضا للتعرف اليها ...فهما لم يلتقيا بعد.
توجهت صوب دار الولادة...وجدت زينب تقيس ضغط احدى الحوامل.
حفصة : السلام عليكم ... زينب ساج فام?!
اشارت لها زينب بيدها كي تصمت الى ان تنتهي من قياس الضغط.
زينب وهي تنزع السماعات من اذنيها: نعام انا هي .
حفصة : سمحيلي .. ما تلاقيناش من قبل.. انا حفصة ساج فام الجديدة.
لقد كانت زينب في السادسة و الثلاثين من عمرها... مطلقة ...تبدو متبلدة الاحاسيس...متجهمة ... في عينيها حزن عميق ...و صوتها يحمل رنات اسى غريبة.
زينب :بديتي الخدمة?!
حفصة : بديت ولكن ترونت...كلشي باغي اسبق هو اللول ... تزاحمولي فالباب... ماعرفت شكون نسبق و شكون نوخر!
زينب بحدة : يالله معايا!
تقدمت زينب حفصة بخطى واثقة من وحدة التلقيح....بمجرد ان رآها الناس بدأو بالتراجع الى الوراء دون ان ينبسو ببنت شفة.
زينب بصوت جهوري : اللي عندو التلقيح ايبقا... اللي عندو حاجة اخرى ايدوز لهيه...
مخاطبة النساء : يالله عطيوني الكارنيات ...اللي عطاتني الكارني تجلس ف بلاصتها ما نلقى حتى وحدا واقفالي فالباب.
وضعت زينب ملفات التلقيح على مكتب حفصة التي بدت كالمذهولة من الطريقة التي انصاع بها الناس لأمرها....انها حقا امرأة قوية.
زينب : هانتي ها الكارنيات ...خدميهوم اللول... وسجلي المواعيد و عيطيلهم وحدة.. وحدة ...وخا ايهضروا سدي ودنيك وديري خدمتك كيمما خصها تكون.
حفصة وهي تهز رأسها : اه....واخا .... شكرا.
عادت زينب الى مكتبها تاركة حفصة تطبق نصائحها ...لقد دهشت فعلا كيف استطاعت ان تهتم بالوضع دونما اي جهد يذكر ...منت نفسها بالتعلم من هاته السيدة الغريبة الاطوار.
المشهد التاسع :
نظرت حفصة الى ساعتها انها الثالثة زوالا ...لقد مرت ست ساعات من العمل المتواصل جعلت حفصه تشعر بالام في الظهر و الساقين ...لقد شعرت للحظة انها تفقد انسانيتها و تعمل كالروبوت نزولا عند رغبة الناس .
خرجت من مكتبها نحو بهو المركز الصحي ... لم يتبقى احد...حمدا لله ...وجدت الممرض الرئيسي بدوره ذاهبا الى منزله .
وجدها فرصة ليسألها عن رأيها في العمل ... هل استطاعت التغلب على الصعوبات و النجاح في اول يوم لها...كما اعتذر عن عدم مساعدتها لانه كان غارقا بدوره وسط من يريد تغيير ضمادته ومن يريد اخذ الحقن ومن يرغب بقياس ضغطه..
اجابته بابتسامة منكسرة تعبر عن حالتها النفسيه
ادريس : يالله ابنتي نخليك نمشي نتغدا glycémie هبطات وحتا نتي سيري ترتاحي وبالنسبة l'astreinte حتي لسيمانا الماجيا وتبدايها دابا زينب راها مكلفة.
عادت الي بيتها ...و ضعت وزرتها جانبا...مصارينها تعزف مقطوعة لبتهوفن ...تذكرت كيف كانت تعود لبيتها ايام الدراسة لتجد والدتها قد جهزت المائدة.
حفصة : الله يسمح لينا من الوالدين...فينك الواليده و فين طويجناتك.
لم تجد وجبة اسرع من وجبة البيض و الطماطم و فنجانا من الشاي.
وضعت رأسها على وسادتها تتابع فيلما اجنبيا...لقد كانت من عشاق افلام الرعب و الاشباح...لكن تفكيرها كله كان منصبا حول زينب...لقد بدت لها كاحجية تحتاج حلا...ما هو سر حزنها يا ترى ? مالذي يجعلها جافة المشاعر هكذا? لما لم ترحب بها كما كانت تنتظر?
كلها اسئلة لم تجد لها حفصة جوابا فبدأت تبتكر الخطط لتذويب جبال الجليد التي تفصلهما وتتقرب منها..
المشهد العاشر :
توالت الايام تباعا ...تتشابه فيما بينها ...وان اختلفت الوجوه...بدأت حفصة بالتعود على طبيعة الناس ....شيئا فشيئا بدأت تتعلم اساليب الدهاء و امتصاص غضب الناس.
رجل : افينكوم ...اللي خدامين فالسبيطار
حفصة مطلة من باب مكتبها : مالك الشريف اشنو عندك?
رجل : واش كتشوفي المرا حاملا بغا تولد وكاتسوليني اشنو عندي...زيدي شوفي اش ديريليها
تجاهلته حفصة وتقدمت نحو المرأة : زيدي اختي معايا لدار الولادة.
المرأ ة بصوت متهدج: اصباري اختي ....الحريق كايقطعني.....اميمتي واش داني....مقاداش اختي نزيد مقاداش...
هوت المرأة بركبتيها على الارض من شدة الالم.
لم تفلح حفصة وهي ذات البنية الهزيلة في مساعدة المرأة على النهوض لكونها بدينة نوعا ما.
هرولت باتجاه دار الولادة تنادي زينب: زينب ... زينب اجي اختي عاونيني واحد المرا بغا تولد وماقاداش تزيد.
لقد كانت ولادة عسيرة ... ازداد بها المولود بحالة موت ظاهر ...لكنه لم يجعل زينب تتردد في استعمال كل الاساليب كي تنقذ المولود من موت محقق.
انها لحظة عايشتها كل المولدات ولا زلن...هي تلك اللحظة التي تستعمل فيها كل الطرق لانعاش المولود المزداد بحالة سيئة ...تلك الطرق التي تتكلل بالنجاح ويصرخ المولود صرخته الاولى...وتبدأ اطرافه الزرقاء باخذ اللون الزهري.
تلك اللحظة التي ترى فيها صدر المولود يعلو و ينخفض بانتظام ....فتتنفس الصعداء ....فرحة عارمة تغمرك...لا يدرك كنهها الا من عايشها.
زينب وهي تمسح العرق عن جبينها : هانتي كملي اللباس للولد ...نمشي نبدل بجامتي ...ولات حالتها..
حفصة : وخا.. كوني هانية ...المرا جاية بغا انا نولد...راكي عارفة عام ديال التشومير نسينا كلشي.
حفصة مخاطبة المرأة : ايوا هانتي تفكيتي على خير دعي معانا
بدأت المرأة بالدعاء لهما بطول العمر ودوام الصحة وبان يرزقهما الله كل ما يتمنيانه.
استرسلتا في الحديث حتى فهمت حفصة من المرأة كيف انها حاولت ان تلد في منزلها بين اسرتها ...وكيف احضرت امرأة من احدى الدواوير القريبة لمساعدتها على الوضع...و كيف ان تلك المرأة استعملت بعض البخور باعشاب معينة لكن كل محاولاتهن باءت بالفشل.
حفصة : ايوا شتي الشريفة ...راه ديك البخور و العشوب هما اللي كانو غادي ايخرجوا عليك وعلى ولدك حتى تزاد سخفان... علاش منين بداك الحريق ماجيتيش عندنا نيشان ... واش معارفاش باللي الولادة فالدار خطر??!
المرأة : ابنتي الاعمار بيد الله... حنا العيالات د العروبية كانبغيو نولدوا فديورنا مستورين ما يسمع حد غواتنا حيتاش عندنا عيب يسمعوا الرجال البرانين المرا تاتغوت ...اناىعندي 6 ديال الدراري كلهم مزيودين فالدار ...وحنا ابنتي معندناش الحديد والدار مجاياش على الطريق ....منبن تيزيرنا الحريق بالليل على ما كيخرج الراجل ايدبر الطنوبيل كنكونوا ولدنا وسالينا.
اعطت حفصة للام نصائح بخصوص الرضاعة الطبيعية وكيف تعتني بسرة وليدها وهي تفكر كيف يظل المسؤولون الكبار يحثون النساء على الولادة بالمراكز الصحية متناسين ظروفهم الاجتماعية و المعيشية ...هل هو كلام لمجرد الكلام ام فقط لرفع عدد الارقام في تقاريرهم لمنظمة الصحة العالمية ...تذكرت مثال الرجل الذي قيد شابا ورماه بالبحر وقال له : اياك اياك ان تبتل.
المشهد الحادي عشر :
كان مساء يوم الجمعة ...كانت حفصة و عالية زوجة ادريس جالستان تتسامران ...تتبادلان اطراف الحديث ...ارادت حفصة ان تعرف من عالية سبب انطواء زينب على حالها ...فهي لم تتوانى عن استغلال كل فرصة ممكنة وبكل طريقة ممكنة التقرب اليها ...لكنها عبثا تحاول ...لا تخرج الكلمات من فم زينب الا للضرورة المهنية...ورغم هدا تصر حفصة على انها امرأة طيبة.
عالية : اش غادي نكوليك ابنتي ...من نهار جات وهي شادة بابها عليها ...ماتمشي عند حد ما تهدر مع حد من الخدمة للدار ومن الدار للخدمة...كون مكانش دوك الوراق اللي كتعمروا فاللول كاع مانعرفو واش مطلقة.
حفصة : ولكن هادشي غريب ... اي واحد فينا عايش فبلاصة غريبه عليه كايبغي ايلقا معامن ايتوانس .
عالية : وخا كاتبان حدودية عمرنا سمعنا منها شي كلمة د العيب.
حفصة : ما كاتجيش عائلتها تزورها ??
عالية : عمري شفت شي حد جا عندها ...هي اللي كل شهرين تاتخد سيمانة ...ولكن عمرنا عرفناها فين تاتمشي.
حفصة : انا حاولت الصراحة باش نتقرب منها ولكن بلا فايدة ....كاتبنلي بحال ايلا مقلقة وشي حاجة شاغلة بالها.
عالية :ايوا الله ايفرج همها وهمنا وهم كاع المسلمين.
حفصة وهي ترتشف كاس الشاي : امين.
لقدت وجدت حفصة في عالية الانس و الجود ... و كذلك عالية نجحت اخيرا في تكوين صداقة مع احدهم رغم فارق السن...فلم يكن يسمح لها ادريس بمصادقة نساء القرية ...فهذا حسب خبرته الطويلة يخلق فيما بعد مشاكل مهنية.
كان ادريس من النوع المحدود العلاقات ...بعد ان ينتهي من عمله ...كان بجلس في مقهى الدوار مع صديقه الموظف الجماعي فؤاد ....كانا ابناء منطقة واحدة ...كانا يستعلمان عن احوال بلدتهما من بعضهما البعض...عجيب كيف يصبح ابن منطقتك في بلاد غريبه ...اعز انسان لديك.
فؤاد : سمعت باللي جات شي فرملية جديدة عندكم.
ادريس : اه... هادي يالله 5 ايام باش جات ...ما زال مولفت مسكينة.
فؤاد : مزوجة ولا لا??!
ادريس : مزوجة ....علاش كتتسول?
فؤاد : هههه ...لا غي كلت عندي واحد ولد ختي محامي وكلت ناخد الاجر.
ادريس مازحا: دير الاجر غي فراسك ودخل سوق راسك لا تجبد عليك الصداع.
المشهد الثاني عشر :
انه اول نهاية اسبوع تقضيها حفصة...عليها ان تستمتع بها ...انطلاقا من الاسبوع المقبل سيحل دورها في المناوبة الليليه.
وجدت حفصة اشجارا زرعها فيما مضى ادريس... لكنه مع كثرة انشغاله و اصابته بمرض ارتفاع ضغط الدم ...لم يعد يهتم بها ...لقد كانت تعتبرها جنتها الصغيرة ...كانت تحمل كل مساء خرطوم المياه لتسقي الشجيرات.
لم تعد تلك الفتاة التي لا تفقه شيئا في الزراعة...بل اصبحت شغوفة جدا بمعرفة اسماء النباتات و اوقات الجني والاوقات الملائمة للغرس ...وما الذي يجب فعله للاعتناء بالاشجار ...لقد ساعدتها الموسوعة التي اهداها اياها جارها فريد كثيرا .
لقد بدأت تفهم حب هذا الرجل لازهاره و اشجاره ...انها رابطة قوية تجمعك بكل ما غرست يداك ...تجعلك تتفانى في العناية بها ...انها هواية جميلة و مثمرة...يكفي ان اللون الاخضر و ز قزقة العصافير تريح الاعصاب.
كان ايمن ابن ادريس يحب مساعدتها في اعمال الحديقة ..وهي بدورها لم تكن لتستغني عن مساعدته.
لم يكن ادريس ينعم بساعة صفاء حتى تجده يفتح باب المركز الصحي مرارا وتكرار للحالات المستعجلة و الغير مستعجلة ...
حياة الممرض بالبادية ليست ملكا له ...هو رهن اشارة الساكنة طول الوقت ...لم يكن من اولئك الذين يتملصون من اداء مهامهم ...هكذا كانت تحدث حفصة نفسها ...لا زالت تذكر كيف كانت البارحة عالية تشرح لاناس ان يعودوا فيما بعد لان ادريس كان بصدد اخذ حمامه ...لكنها كمن يشرح للصم ...فاضطرت ان تغلق الباب بوجوههم تاركة اياهم يصرخون و يصبون غضبهم بطرقات عنيفة على الباب.
المشهد الثالث عشر :
ذهبت زينب في عطلتها الاعتيادية لتظل حفصة وحيدة تؤدي مهامها ومهام زينب ..لقد شعرت بالفعل بالنقص الحاد الذي يشهده النظام الصحي في الموارد البشرية.
حفصة : موارد بشرية ديال الصومال ....وباغين ايطبقوا برامج صحية ديال اوروبا ياودي ...ياودي بقات غي فالهدرة.... اينوضوا ايهدروا تشدك البكية تقول هنا نبات ...
انهت عملها حوالي الساعة الثانية زوالا....توجهت صوب مكتب الممرض الرئيسي ...لملأ استمارة الخدمة الالزامية .
وجدت ادريس منهمكا في اعداد الضمادات ... نظرت اليه بحزن وخاطبته : ايه ا سي ادريس الناس وصلو للقمر و الممرض فالمغرب مازال كيضيع الوقت فالتصواب ديال كومبريس ....نعاونك?
ادريس مرحبا بالفكرة : جيبي كرسي و اجي .
بدات في طيهم ...ثم حدثته مازحة : هاد المسمن لي تنصاوبوا صغيورين.
ادريس : ايوا ابنتي خصنا نقتاصدو ...من 3 اشهر ل 3 اشهر كيصفطوا لينا باكية ولا زوج ...لمن غادي تكفي....وهنا الناس تبارك الله ماكاين غي هدا داير عملية ... هدا ختن ولدوا ...هدا كان كايلعب وتفلق وهدا كان كيحش الربيع وضرب يدو بالمنجل ...وزيد وزيد.
حفصة : بصاح ... عندك الحق ...ولكن..واش مامنحقكش تطلب العدد اللي بغيتي?
ادريس: ابنتي وخا تعيا تطلب ...فالتالي كيعطوك داكشي اللي بغاو ....نهار تانبغي نجيب dotation كنبقا نحسب قبل مانجي ل centre و وخا هاكداك منين كانجي كانلقا الناقص.
حفصة : وعلاش مكتوليش تعيط لافارماسي بروفانسيال وايعطولك دكشي اللي ناقصك.
ادريس : اودي شحال قدك ... عييت ابنتي خصوصا هادشي كيتعاود كل مرة ...فما بقيتش كانهدر.
تسائلت حفصة بهمس عن هاته الفوضى التي تتخبط فيها مؤسسات الصحة.
حفصة : ودابا كي غادير فالمسالة ديال الدوا ....هنا الناس موالفين ياخدوه ...ودبا الطبيبة مكايناش.
ادريس : غي خليها على الله ...مشكل كبير تطرحلي بهاد القضية ديال الطبيبة اللي مكاينة.
حفصة :ايوا وشنو الحل لي غادي دير الناس ماتيهمهاش واش طبيبب ولا ممرض اللي يعطيهوم الدوا المهم ياخدوه.
ادريس : ايوا ما عندي ما ندير كانسلك الامور ب les fiches de reference .
حفصة : و الناس كتقبل هاد الاوراق ?
ادريس : قليل لي تيقبل ...اما البقية اما كتسب وتمشي فحالها...اولا كاتلصق وتاتبغي دير الفوضى ...كنعطيها دوليبران ولا اوريوميسين ونقولوهم الله يشافي .
حفصة : وكيفاش هاد الطبيبة مشات وما جا حد ايعوضها ?!
ادريس: درجوا المنصب ف لوائح التوظيف ... ولكن الطبيب اللي جا تايشوف الخلا و القفار كايدير بناقص.
حفصة : هاء .... ايوا قراو باش ايسمحوا فالخدمه?!
ادريس : الله ايهديك ابنتي ...واش كيحسابليك هوما فحالنا....ايلا معجبوش البوسط ...تيسمح فيه ...حتى ايولي ايدوز كونكور العام الماجي ...ويولي ايشوف تاني عجبو هو هاداك ماعجبوش كيسمح ...وكاين اللي كيتخرج كايفتح عيادة ديالو .
حفصة : اوا ايلا جينا كاملين نشوفو الخلا والقفار وننسحبو راه حتى مركز صحي مغايتحل ..راه مزايدين عليهم غير بالصبر وهاد الناس اش دنبهم.. الدولة تتعرف غير دشن فالحيوط وتسفط الممرض يخدم باش يتحل المركز الصحي ويتسمى بلي عندهم منشأة صحية...هذا راه العبث وسياسة الديبناج لي مصالحة لوالو لا للمواطن لا للممرض.
ادريس : صراحة مشكل كبير تطرحلي بغياب الطبيب مع الساكنة اللي مكاتفرق لا بين طبيب ولا بين ممرض ..يكفي انك لابس بلوزة بيضا باش تقضي الغرض وتفك الناس بالخاطر بالسيف باش ما بغيتي.
حفصة : الاشكال هو الفراغ القانوني لي عندنا هو فراغ متعمد باش يسلكو امورهم مع الشعب على ظهرنا ...قضينا غرض وما مات حد ما تعطب حد داكشي لي بغاو وقع الله يحفظ شي حاجة يدوزونا من عين الابرة..وينساو تضحيات والخدمات لي قدمنا سنوات هادي .
ادريس : حفصة ابنتي نتي يالله بديتي او....
قاطع حديثهما رجل اربعيني حاملا طفلته ذات الخمس سنوات بيده كشبه ميتة
الرجل بصوت مشحرج تخنقه العبرات : السي ادريس السي ادريس... عتقني اخويا بنتي كاتموت بنتي غرقات ...بنتي السي دريس بنتي كاتموت
قام ادريس بالاسعافات الاولية حيث كانت الطفلة المسكينة لا تزال حية .. قبل ان يوجههما الى المستشفى الجهوي .. لقد ظلت المسكينة ما يزيد عن الساعتين غارقة بما يشبه البئر قبل ان تفطن والدتها بغيابها.
المشهد الرابع عشر :
ذهبت حفصة لمعاينة احد الحوامل الوافدات تاركة ادريس يكمل عمله بمكتبه
حفصة وهي بخضم ملأ ملف مراقبة الحمل لاحدى النساء الحوامل : فوقاش جاتك الحيضة اخر مرة .
المرأة و بكل ثقة : شحااااااااال هادي !!!
حفصة تحاول عبثا كتم ابتسامتها : ايييه ...اينا شهر بالضبط ?
المراة : ما عقلتش.
حفصة: حاولي تعقلي ...ضروري باش نحسبليك شمن شهر راكي .
المراة ما عرفتش هانتي شوفي كرشي و قدري .
حفصة : وخا نتي شحال حاسبة ??!
المراة : نكوليك 7 اشهر ... نكوليك 8 اشهر .
حفصة مستسلمة للامر الواقع ترسم علامة استفهام داخل الخانة المخصصة لتاريخ اخر دورة شهرية.
حغصة : زيدي اختي طلعي فوق الطبلة .
بعد ان انتهت من الفحص بادرتها المرأة بالسؤال : ايوا قولياي فوقتاش غانولد??!
حفصة بمرارة : نكوليك شهر 8 نكوليك شهر 9...منين غايجيك الحريق غاتولدي ...
حفصة منادية امرأة اخرى :يالله اللي نوبتها تدخل .
حفصة : سميتك ?
المراة : السعدية بنت الخمار .
حفصة :سميت راجلك ?
المراة : بوجمعه.
حفصة: بوجمعة آش???
نظرت المرأة لحفصة باستفهام
حفصة: الكنية ديالو?
المراة : والله معرفت ...صباري نخرج نسولو.
حفصة: شحال ونتي مزوجة??
المرأة : 8 سنين.
احضرت المرأة البطاقة الوطنية لزوجها علها تجيب اسئلة حفصة.
حفصة: فوقتاش جاتك الحيضة اخر مرة ?!
المرأة : فشاع الميلود.
حفصة : شنو?!
المرأة : شاع الميلود.
حفصة : شمن شهر هادا.
المرأة : حنا اختي كانحسبو بالعربي ونتوما تتحسبو بالفرانساوي.
لم تجد حفصة حلا سوى ان تتصل بوالدتها التي شرحت لها ان المرأة تعني الشهر الموالي للشهر الذي يحتفل فيه الناس بالمولد النبوي.
انتهت حفصة من فحصها وضربت للمرأة موعد الزيارة الثانية حين لاحظت بانها ايام معدودة فقط تفصلهم عن شهر رمضان المعظم.
فتحت حفصة درج المكتب كي تمنح المرأة الحبلى مكملا غذائيا يحتوي على مادة الحديد و حمض الفوليك...وجدت ورقة كتب عليها بخط تعرفه جيدا "كلينيك الكوثر-مركز الانكولوجيا- دكتور الراشدي 64552135"
حفصة : هادا خط زينب اش كادير عندها هاد الورقة ؟؟!
بتلك اللحظة اتى ادريس
حفصة: لقيت هاد الورقة فالمجر ديال البيرو د زينب ...
ادريس مرتبكا : انشوف ... اه ..لا هادا غي واحد السيد مريض مسكين وكنت وصيتها تجبلي النمرة ديال الطبيب وسميت الكلينيك.
حفصة: كلت واش كتعرف شي طبيب معا هي معندها كاع المعارف .
ادريس بضحكة مزيفة : ههه ...لا..علاش ماكتعرفيش زينب ماعندهاش معا بنادم.
ذهب ادريس تاركا حفصة متنفسا الصعداء : كنتي غاتفضحينا ازينب .
وضع الورقة بدرج مكتبه واغلقه باحكام.
المشهد الخامس عشر :
حفصة مخاطبة ادريس : بغيت عافاك الوريقات اللي خاصيني باش نقاد mutuelle .
ادريس: اجي بعدا سمعت شي دقان عندك البارح بالليل ...شكون جاك .
حفصة : شي مرة كانت كاتخصر قاديت ليها المسائل وسفطتها للسبيطار الكبير .
ادريس مزيان ...بالنسبة للوراق خاصك حتى تتخلصي عاد تصاوبيها حيت كايطلبوليك شهادة الاجرة.
حفصة: هاد المساله نيت ديال الخلاص معرفتش شحال غادي ايتعطلو علي ?
ادريس : على حسب ابنتي ...كلها وشحال المدة اللي جاتو ...انا عن نفسي حتى دازت 9 اشهر عاد تخلصت.
حفصة: 9 اشهر بزاف .... واللي ماعندو اللي يعطيه ... بالعكس عائلتو تتسناه ايعطيهم اش يدير ?
ادريس : ايوا الصبر ايفرجها الله...عاد دبا الحمد لله الامور بدات كتسرع ...3 اشهر ولا 4اشهر كاع و تتخلصوا اما القدام شحال هادي هما اللي كلاو العصا.
حفصة : وعلاش فنظرك هاد المسالة كتاخد هاد الوقت كامل ?
ادريس : حيت ابنتي الملف كايتخدم فكتر من بلاصه ...علما كيوصل من المندوبية للوزارة ومن الوزارة تياخد وقت باش ايدوز للمالية ...والعدد دالموظفين كتار ...كيدوزوا الملفات بالافواج.
حفصة : اودي كاع العالم عايشة بالسرعة ...وحنا مازالين فدب الحلزون فوق حجارة .
ادريس ضاحكا : مدام خدامه فالمغرب خليك غي فالمغرب ما تقارنيهش ببرا ....هاد الانترنت والفايسبوك خرج عليكم .
حفصة ضاحكة : حتى الانترنت فهاد البلاد السعيدة مازال فدب الحلزون فوق حجارة ..
المشهد السادس عشر :
مر الأسبوع شاقا وحفصة تعمل تارة في المركز الصحي وتارة بدار الولادة محاولة ان تؤدي مهاما مختلفة في آن واحد.
الساعة تشير الى الواحدة لم يظل كثير من الناس سوى نساء فضلن البقاء بالمركز الصحي ينتظرن ازواجهن رغم انهن نلن ما ارادنه من خدمات .
ذهبت حفصة الى صيدلية المركز تساعد ادريس في عزل الادوية المنتهية صلاحيتها بصناديق لا تشبع.
حفصة : والله حتى حرام هاد العرام ديال الدوا لي كيضيع غير هكاك و الناس محتاجها وما لاقياهاش.
ادريس : ايوا اش غدير ابنتي كون كان من حقنا نعطيوه بلا طبيب غانفرقوه ف 15 يوم ...ولكن راكي عارفة اللي كاين.
حفصة : مفهمتش لاش اصلا ايسفطوا لينا الدوا منين معندناش الطبيب ...علاش هاد الضيعه ديال الفلوس ...انا فنظري دوك الفلوس لي تتضيع فالشريان ديال الدوا و المازوط باش كايجي كون نيت ايوفروه وايتعاونوا به مع الصيدليات الخاصة و ايخفضوا الطاريفة ديال الدوا ...
رن هاتف ادريس ليقاطع حوارهما
ادريس : الو سعيد سافا ...كيفاش... اتسعت حدقتي ادريس وفغر فاه منصتا لمخاطبه ...
استمرت حفصة في ترتيب الادوية وهي ترى ارتباك ادريس ...فتكهنت من طريقة حديثه على الهاتف حدوث خطب ما.
حفصة بفضول : ياك لاباس اسي ادريس..ياكما كاين باس ??!
ادريس متلعثما : هاه..اه..لا..غي الوالد..عيان وتزير عليه الحال نعسوه فالسبيطار .خاصني نمشي نوقف معاه....
ادريس مردفا : كملي عافاك نتي هادشي وخلي دوك الصنادق حتى نرجع و نحرقهم انا غانمشي نعمر واحد الكونجي اكسيبسيونيل ديال 4 ايام ونخليهليك صفطيه مع الكوريي مع احمد .
بطريق عودتها الى المنزل وجدت حفصة عالية تخرج شنط السفر فبادرتها حفصة قائلة : عالية ..حتى نتي غادي تمشي ?!
عالية: ايوا اش غاندير الحبيبة ..ضروري نمشي معاه ...خصوصا ملي الدراري سالاو القرايا ...بغاو ايشوفوا جدهم.
عالية :مهم تهلاي فراسك و ما تقنطيش زينب غالبا غاترجع الاحد.
حفصة مودعة عالية و الاطفال: غاتخليوا بلاصتكم ...الله يشافي الوالد اسي ادريس.
رغم كون مسقط ادريس قريبا نوعا ما من مقر عمله الا انه فضل البقاء هنا ...لتفادي العمل وسط اهله واحبابه لما يخلق ذلك حسبه من احراج .
اتصلت حفصة بزوجها...تطمئن على احواله ...تبثه شوقها ووحدتها ...وتخبره بما الم بادريس و كيف انها ظلت وحيدة ...لكنه سرعان ما بدد احزانها بان اخبرها انه آت في غضون اسبوعين لرؤيتها.
المشهد السابع عشر :
لاول مرة تبحث حفصة عن القنوات الوطنية ...فهي لم تكن من محبيها ...فبحسب قولها انها لا تبث سوى تخاريف و تفاهات...لكنها اليوم مضطرة كي تستعلم عن اليوم الموافق لفاتح رمضان.
بعد 15 دقيقة من من الاخبار المملة ..افصح المذيع عن بلاغ لوزارة الاوقاف تنهي الى الشعب ان غدا السبت هو اول ايام شهر رمضان المعظم .
فرحت لقدوم هذا الشهر الحبيب ..لكنها حزنت ايضا...فهذا اول رمضان تقضيه بعيدة عن اسرتها وعمن تحبهم.
لقد افتقدت جو الترتيبات الذي كان يستبق حلوله...تالمت لانها لن تصلي التراويح هذا العام رفقة صديقاتها بمسجد الحي وكيف انها ستشتاق للصلاة وراء مؤذن الحي الذي كان يمتاز بصوت ملائكي يدخلك في جو من الخشوع منقطع النظير ... وكيف انها ستحرم من جلسات الوعظ التي كانت تقام بدار المرأة وكيف كانوا يحتفلون بحفظة القران ...ياليت شعري ما احوجها الى تلك الاجواء الربانية .
اتصلت باهلها واهل زوجها و صديقاتها تبارك لهم حلول الشهر المبارك.
ضبطت المنبه على الساعة الثالثة صباحا كموعد للسحور ...ثم التحفت بغطائها ..وتمنت الا يأتي احد ما هاته الليلة فما احوجها الى سويعات راحة تنسيها تعب هذا الاسبوع.
المشهد الثامن عشر :
تململت حفصة في فراشها ... تبحث بيد كيد الاعمى عن هاتفها ...ياالله ..انها الحادية عشر صباحا كيف لم يوقظها المنبه للسحور...اغتاظت ورمت هاتفها غاضبة.
نهضت لغسل وجهها وترتيب حجرتها ...فلديها من الاعمال المنزلية المؤجلة الشيئ الكثير.
في خضم انشغالها بتنظيف منزلها... سمعت طرقا على باب منزل ادريس ...فالتزمت الصمت وتعمدت الا تحدث اي ضوضاء تدل على وجودها ... فآخر شيئ تريده الان متسكع مار بجانب المركز الصحي يتذكر انه يوما ما في شهر ما اصابه طفح جلدي و عليه معالجته.
نظرت من ثقب الباب ورأت اصرار هذا الرجل و الحاحه في الطرق ...كيف رفس الباب برجليه متلفظا بكلام ناب ثم رحل.
ادت حفصة فريضة العصر ثم توجهت الى المطبخ لاعداد الاكلة الرمضانية المعروفة ب " الحريرة" رغم انه ينقصها العديد من المكونات.
لم يتبقى سوى 5 دقائق على اذان المغرب.. المائدة جاهزة..والحموضة التلفزية كذلك ابتدأت ... رفعت صوت التلفاز لخلق جو من الانسة والجلبة بالغرفة الصامتة الا من صدى افكارها .
جلست وهي تنظر لمائدتها للحظة ..لحظت مرت و كانها الدهر ..تنظر لنفسها وهي جالسة وحيدة امام مائدة متواضعة لا تقارن بمائدة والدتها...تتخيل كيف ان والدها لا بد ان يكون الان ماسكا مصحفه يتلو ورده اليومي...وكيف ان والدتها ستكون الان بصدد وضع اللمسات الاخيرة على الطاولة ..وكيف ان اخواتها سيكن الان لا محالة ماسكات كؤوس ملئى بالمياه الباردة ينتظرن الاذان فقط.
يا ليتها معهم الآن ..ياليتها فقط تراهم من بعيد وتسمع كلامهم وترى وجوههم .
اطبقت جفنيها لتحرر دمعتين حبستهما طويلا .. ليمرا على خديها ..كما يمر الماء الزلال بحلق العطشان ...تطفئ ولو قليلا نار الغربة التي تحس بها.
اذن المؤذن ولم تكد تتناول تمرتين و كاس ماء حتى سمعت ما لم تكن ترجوه...طرق عنيف متواصل على بابها.
حفصة : شكون?!
رجل : حلي اختي حلي .
حفصة : شكون نتا بعدا و شنوا عندك ?!
رجل : عندي مرا كاتولد حلي عافاك .
حفصة بامتعاض : وخا سير جيهة دار الولادة نلبس ونجي .
ارتدت حفصة وزرتها وهي بحال لا يعلمها الا الله .
توجهت حفصة الى دار الولادة ..اقتادت المرأة الى غرفة الوضع ..ما ان كشفت عن بطنها حتى رأت علامة ولادة قيصرية سابقة .
حفصة : فايتة دايرة سزاريان ياك...وقتاش اخر ولادة ولدتيها .
المراة : هادي عام و اربع شهور.
حفصة وهي تفحص عنق الرحم :وعلاش اشنو السبب??!
المرأة: الحكاك ضيقين.
حفصة التي وجدت ان عنق الرحم قد اتسع كاملا :عام واربع اشهر هادي باش درتي العملية وحاملة وعارفة باللي الحوض عندك ضيق و مخلية راسك حتى لدابا واش باغة طرطقي الوالدة ديالك ??!
المرأة محاولة دفع الجنين خارجا : بغيت نولد طبيعي مافيا مايدير شي عملية.
حفصة :واش هادشي فيه بغيت وما بغيتش...ماتزحميش ...غادي طرطقي الوالدة ديالك متزحميش.
حفصة ومظهر الارتباك و التوتر طغى عليها تبحث عن رقم هاتف سائق سيارة الاسعاف.
حفصة مخاطبة زوج المرأة : سير دق على دار احمد مول لابيلانص ...الريزو ما شادش عندوا سير دغيا .
الزوج : علاش ...ولديها نتي نيت هنا ...علاش هدا ماشي سبيطار .
حفصة بصوت جهوري غاضب نفخ اوداجها : سير دغيا باركة من الهدره ماعندنيش الوقت دبا باش نتناقش معاك...جري لا تموت لينا المرا والترابي.
بدات حفصة بتجميع العدة اللازمة لمرافقة المرأة للمستشفى الاقليمي.
مرت 15 دقيقة على حفصة و كانها 15 سنة وهي بين الفينة و الاخرى تفحص ضربات قلب الجنين التي بدات تتغير قليلا.
حفصة : و اخيرا جيتي احمد يالله اخويا نعتقوا هاد المرة ...غي زرب الله يرحم الوالدين.
انطلق احمد بسرعة فائقة لم تستهجنها حفصة رغم سوء الطريق الوعرة كونها لم تكن تفكر بشيئ اخر سوى ايصال المرأة الى بر الامان...
المشهد التاسع عشر :
بمنتصف الطريق طلبت حفصة من احمد الوقوف جانبا .
حفصة : وقف احمد شويا عفاك نهبط نشوف المرا شفتها تتزحم بزاف.
فحصت حفصة المرأة التي لم تستوعب ان مجهوداتها في الدفع بالجنين خارجا لن تفلح.
حفصة : اختي متزحميش ...خلينا نوصلوا على خير ...راه مغاديش ايخرج ...غير تتسخفيه..وغطرطقي الوالدة ديالك ..
عادت حفصة لمكانها وانطلق احمد من جديد صوب المستشفى المحلي.
مرت 50 دقيقة عانت فيها المرأة و حفصة ما شاء الله ان يعانوه الى ان وصلوا .
حفصة ماسكة بورقة التوجيه ومساعدة احمد في انزال المرأة : انا غاندخل نشوف القابلات .
دخلت حفصة بهو جناح الولادة ...التقت بعاملة النظافة لتسألها : فين عافاك المولدات ?!
عاملة النظافة : غي وحدة اللي كاينة شادة هاد الليلة اصباري نعيط ليها .
حفصة : وخا اختي بالزربة عافاك...راه حالة مستعجلة .
عاملة النظافة منادية على المولدة : سميرة ... سميرة ...اجي شوفي واحد الفرملية باغاك.
خرجت سميرة مستفسرة عن الحالة .
حفصة : اختي هادي واحد المرا فايتة دايرة cesarienne هادي عام و اربع اشهر بسباب الحوض عندها ضيق ودبا راها complete.
سميرة : ياربي السلامة ومالها على حالها...المهم دخليها عافاك لهاد البيت نسالي واحد l'episio ونجي.
ساعدت حفصة المرأة بالدخول الى الغرفة في انتظار ان تاتي سميرة .
سميرة نازعة قفازتي يديها البلاستيكية : مشكلة هادي ...من قبيلة ونا نصوني على الطبيب ودابا طفا التيليفون ...هادشي كامل فطور .
حفصة : اويلي على طفا التيليفون ..وشنو الحل دابا !!!
سميرة منادية احدى حراس الامن : رشيد ...رشيد...اجي اخاي واحد الدقيقة...سير عفاك دق على دار الطبيب قولو قالتليك سميرة راه كاينة حالة مستعجلة فالسبيطار.
حفصة محاولة تهدئة المرأة وزوجها اللذان بدآ بفقدان اعصابهما.
حفصة مخاطبة سميرة : فين هو هادا دبا ايجي ايعتق المرأة?!!
رشيد لاهثا من ركضه ذهابا و ايابا : والو اختي عييت ندق مكاين حد قالولي الدراري شافوه قبيلا غادي الجامع يصلي التراويح.
سميرة : وعلامات التوتر بادية على محياها : والله ايلا مزيان هو معامن جات...مخليني واحلة حتى الفطور ما فطرت فخاطري .
سميرة مخاطبة حفصة : انا نشوف رشيد ايمشي لعندوا الجامع ايجيبوا ما جاش غادي نعلم مدير السبيطار ايشوف هو الحل.
صوت امرأة اخرى تصرخ من داخل جناح الولادة جعل سميرة تركض نحوها تاركة حفصة برفقة المرأة.
حفصة محدثة نفسها : ونا اللي كنت كنقول سعدات البنات اللي خدموا فالسبيطارات مع الاطباء محميين وخدامين مرتاحين ساعة ويل ويل....وحده شادة 20 مرة دقة وحدة و الطبيب ما جاه الايمان حتى la gard ديالو...
الساعة تشير الى التاسعة و النصف ولا زالت حفصة تنتظر رفقة السيدة وزوجها الذي ذهب يصب جام غضبه في سجارتين ...الى ان اتى اخيرا الطبيب بخطى واثقة وهادئة: فين هي المريضة ??!
حفصة مشيرة للمرأة و حال لسانها يقول : اودي بهاد الخدمة لي درتي كلنا ولينا مراض .
عادت حفصة الى منزلها متأخرة ...الساعة تشير الى 22h40 ...مائدة الفطور اليتيمة لا زالت كما تركتها ...اعادت الصحون الى مكانها وهي تستحضر المثل المصري القائل "جات الحزينة تفرح ...ملئتش ليها مطرح".
المشهد العشرون:
انه يوم احد جميل ، شمس ساطعة متلألئة كأنها ملكة متوجة .
نظرت من نافذة مطبخها وهي بخضم جلي الصحون ...صبيان يركضون هنا وهناك يلعبون و يضحكون...تذكرت كيف مر صباها سريعا ..لم يكن لديها وقت كثير للعب ..كان عليها ان تدرس كثيرا وتلعب قليلا كي تحضر لمستقبلها..هذا المستقبل الذي تعيشه الان ...لا يشبه كثيرا ما حلمت به وعملت جاهدة لتحقيقه.
تذكرت كيف مر صباها بين اسوار مدرستها الجميلة...بذكريات جميلة و اخرى سيئة .
ذكرياتها السيئة كانت منحصرة باصابتها بمرض الصرع بسن السابعة رافقها لمدة عقد من الزمن ...لقد كان مرضا محرجا نوعا ما ..يجعل اقرانك يخافونك..يشيرون اليك باصابعهم ...مرض يجعل فرائصهم ترتعد عند حضور نوبة من نوباته .
كانت تحمد الله ان نوباتها كانت منزلية بعكس صديقتها ريم التي كانت تعاني من نوبات كثيرة بالحصص الدراسية .
10 سنوات تناولت فيها حفصة دوائها فيها كل ليلة...لم تكن تستطيع المبيت عند احد ما من افراد العائلة...لم يكن باستطاعتها الذهاب في الرحلات المدرسية ...ولا الخرجات الدراسية....لم يكن بامكانها شرب الشاي كونه منبها...ولا السهر متأخرة كاخواتها ايام العطل...حاولت مرات عديدة ان تمتنع عن اخد دوائها ...كم من مرة رمت علبة الدواء غاضبة ...وفي كل مرة كان الامر يسوء اكثر ... الى ان اتى يوم اتتها نوبة الصرع وهي بخضم صعود السلم ...اصيبت اصابة بالغة جعلتها تعيد النظر بقراراتها .
لقد كان مرضها سببا رئيسيا في ان تركز اكثر على دراستها محاولة ان تحافظ على مركز الصدارة امام زملائها ...عليها ان تشعر بانها لا تنقص عنهم شيئا.
لولا ما كن اخواتها يحكينه لها ما علمت ما يقع لها اثناء النوبة ...لقد كانت بالنسبة لها نومة مفاجئة قصيرة المدة تفيق على اثرها محاطة بأسرتها الخائفة الباكية.
حمدت الله على انتهاء معانتها من هاته التجربه المؤلمة.
لقد كانت تتعاطف بشكل خاص مع المرضى الوافدين اللذين يعانون من نفس المرض...كانت بدون شعور تنغمس معهم في احاديث بهذا الشأن ...وكأنهم يحكون تجربتها بمكان وزمان مختلفين.
افاقت من ذكرياتها على صوت اقدام زينب مارة الى منزلها ..لوحت لها حفصة من نافذة مطبخها : زينب .... على سلامتك.
زينب بابتسامة مقتضبة كالعادة : شكرا.. بارك الله فيك..و اتمت مسيرها لمنزلها .
المشهد الواحد و العشرون :
اتى يوم الاثنين ...ترك ادريس فراغا كبيرا بغيابه...اقترحت زينب على حفصة ان تهتم هي بمهام ادريس على ان تقوم حفصة بالباقي...استحسنت حفصة الفكرة فلا احد يستطيع ضبط الامور كزينب.
دخل نائب رئيس الجماعة القروية يخبر حفصة وزينب عن قرب حلول حملة طبية ستنظم بالمركز الصحي بعد 13 يوما ...وكيف يتوجب عليهم التنسيق بينهم لضمان مرور هاته الحملة في احسن الظروف.
غادر النائب لتخاطب حفصة زينب بسذاجة : مزيان ...هاد الجماعة قلبها على الناس دبراتليهم فهاد الحملة الطبية.
زينب : الله يجيبك على خير ابنتي ...الانتخابات قربات ... وهاد الناس ايديروا اي حاجة باش ايجمعوا الاصوات...غي صبري دوز الحملة الانتخابية وشوفي واش مزال باقي تشوفي شي حملة طبية.
حفصة : هكاك...قولي القضية فيها اهداف سياسية !!
زينب : دبا تجي الحملة وتشوفي الفوضى وتمارة اللي غاضربي ...وفالتالي الناس كاتمشي ما عاجبها حال.
حفصة : علاش ??!
زينب : حيت ماكاين اللي ينظم ....الجماعة المهم عندها خصها تسمى تهلات فالمواطن و جابت حملة طبية ...ماكيهتاموش بالجانب التنظيمي قدما كايهتموا بالمظاهر ...والتخصصات الطبية اللي تاتجي قليلة hypertention ..diabete ..و الطب العام للحوامل ...
حفصة : بصاح التنظيم مهم و الا الجهود كلها غاتمشي فالخوا.
زينب : 70 % ديال اللي كايعمروا السبيطار كايجيوا غي مساريين ايديوا الخبارات وكايديوا النوبة من الناس اللي بصاح مراض ومحتاجين الاستشارة الطبية خصوصا الناس الكبار فالسن اللي ما بقا عندهم جهد ايسافروا للمدينة باش ايتعالجوا.
لم تكن حفصة مهتمه بالموضوع اكثر من اهتمامها بمواصلة الحوار مع زينب...فهذه اول مرة يتناقشان بموضوع ما.
لقد كانت نوعا ما فخورة بنفسها ...لقد حققت ما كانت تصبوا اليه من زمن ...التواصل مع هاته المرأة الغامضة.
مر اليوم سريعا...كانت حفصة بصدد وضع فطورها بمائدتها حين تم الطرق على بابها
حفصة : واش هاد الناس بلعاني حتى كيقرب المغرب عاد تيجيهوم المرض ...اوووف ...ناس تتفطر بالتمر وحنا كنفطروا بالناس.
زينب من وراء الباب : حفصة ... حفصة
حفصة فاتحة باب منزلها :اه هادي نتي ...زيدي دخلي .
زينب : لا .. لا .. اجي نتي معايا دغيا وقعت واحد AVP 《حادثة سير 》وكاين 3 د ناس مضرورين اجي عاونيني فيهم.
حفصة : واخا انا نلبس طابليتي ونجي .
لقد كان ثلالثتهم مدرجين في دمائهم بحاله مزريه جعل حفصة تندم على ما بدر منها من قول نتيجة ضغوط العمل الكثيرة.
علقا المصل لثلاثتهم....اعتنيا بجروحهم...وتم ارسالهم للمستشفى المحلي.
حفصة : يحسن عوان ادريس حتى هو عليه الطلب.
زينب : ايوا شكوى لله ..كلها وهموا ...يالله سيري تفطري بالصحة والراحة..
المشهد الثاني والعشرون :
بيدين صغيرتين حملت حفصة اناءا حديديا تسقي به الازهار والاشجار العطرية المحيطة بمسكنها .. كانت تحب شجرة المريمية ورائحتها تداعب اوراقها كمن يداعب راس طفل صغير ... بدأ الليل البهيم يسدل ستاره وهدوء مزعج يحيط بالاطراف الا من نباح كلاب هنا وهناك وصفير صرصور الليل.
سمعت صوت سيارة اتية من بعيد ...ارخت سمعها تتاكد ... لعلها حالة ولادة على وصول.
فرملت السيارة بقوة قرب الباب الخلفي للمركز الصحي ... شرعت تطيل عنقها ذات اليمين وذات الشمال علها ترى من القادم .
لغط ايمن وهو يترجل من سيارة الاجرة كان كافيا ليحول قلقها وهواجسها لابتسامة من فرح عريضة رسمت على ثغرها.
ايمن وهو يقفز بخطوات سريعة : خااالتي حفصة ...عانقها من خصرها لقصر طوله .
تبعته عالية تحذره مخافة التعثر والسقوط وادريس يحمل الحقائب غاضبا : على 4 ايام دايين رحيل شهرايين .
دخلت عالية وحفصة في عناق طويل .. كانت مدة تعارفهما قصيرة لكن صداقتهما تجذرت بسرعة عجيبة.
يقال ان الارواح تعرف بعضها بعالم البرزخ وحين تصبح في عالم الاحياء تظل لديها الية للتعرف على الارواح التي صادفتها سابقا بذات العالم فإما ان تتآلف سريعا او تتباغض بدون اي سبب مقنع.
ادريس كان رجلا نحيل البنية ..اشيب الشعر..ذو حاجبان كثيفان عريضان..عينان غائرتان من حمل النظارة الطبية ...لحية صغيرة تفرقت بشكل عشوائي على محيط وجنتيه...يرتدي قبعة رأس دائما وابدا لا يمكن ان تراه الا بها ..حتى يخيل للواحد انها انصهرت واضحت عضوا من اعضاء جسمه .
يحافظ على لياقته البدنية خاصة بعد اصابته بمرض ارتفاع الضغط الدموي وارتفاع مستوى الكوليسترول بدمه ... فتراه في اوقات فراغه خارجا من منزله باكرا مرتديا زيه الرياضي مطلقا ساقيه للريح.
لقد بدأ الزمان يخط على وجهه مخطوطته الازلية ..تلك المخطوطة الحتمية على كل بني ادم ..مخطوطة تترجم طفولة ماضية.. شبابا فائرا ..وذكريات كثيرة مرت بحلوها ومرها .
اما عالية فكانت امراة ودودة طويلة القامة مكتنزة الجسم بتناسق قل نظيره في قريناتها ..ذات تفكير شبابي وروح مرحة عاقلة الى حد كبير.
اسرة ادريس تتكون من ابن شاب يدرس باحد المدن البعيدة ..وابنتان متزوجتان ..وايمن اخر العنقود.
تزوجت عالية بسن صغيرة ، آنذاك لم يكن مسموحا للفتيات ببلدتها ان يكملن دراستهن ..فيكفي حسب منظور كبار الاسرة ان تنال دراسة ابتدائية لتتعلم القراءة والكتابة كما كن يذهبن "للمسيد "لحفظ القرآن والمتن الاجرومية ومتن ابن عاشور وقصيدة البردة وجامع الترمذي من لدن فقهاء البلدة .
دراستها بالسلك الاعدادي لم تتأتى لها الا بعد مفاوضات ماراطونية وتدخلات عدة ..فور اكمالها للسنة الثالثة اعدادي قامو بتزويجها وبذلك يغلق باب طموحاتها باكرا.
اقترحت عالية كمرشحة لمنصب زوجة المستقبل على ادريس انذاك من طرف عمه شيخ القبيلة والذي كان على علاقة وطيدة بوالد عالية الذي كان مقدما.
بعد سنوات قليلة من زواجهما وبعد ان اضطلع على رغبتها وشوقها للدراسة والنهل من عيون العلم وبعد ان راى سرعة حفظها وادراكها ...اصبح ادريس ممرضا بالمركز الصحي ومدرسا بمنزله.
ان لم يكن هذا حبا وعشقا فما عساه ان يكون يا ترى ؟
لقد ترجما بحق الصفة الوحيدة والسامية التي وصف بها الخالق علاقة الرجل بزوجه "المودة والرحمة" .
كانت حفصة تشاهدهما بغبطة وتتمنى ان يقدر لها هكذا نصيب بعلاقتها بيحيى.
المشهد الثالث والعشرون :
بداية اسبوع حارقة ... ابتدأ الناس بالاعتياد على حفصة وهي بدورها بدأت الانسجام وطباعهم ... الناس في غالبيتها تحترم الشخص الذي يستطيع فرض نفسه بامانته وصدقه وسلوكه القويم... الشخص الذي يؤدي واجبه دون انتظار مقابل تصبح الساكنة رهن اشارته وطوع كلامه ...الا من طبقة الفت قضاء مآربها بقوة وسلطة المال... حين مصادفتهم لموظف بادارة ما يحاولون شراءه بكافة الوسائل حتى إذا آيسو منه حاربوه بكل ما تأتى لهم من وسائل وطرق لا تخفى على اشباههم.
انها طبقة اكاد اجزم انها توجد بكل قرية و مدشر... نخبة القرية واعيانها ...يحبون من يعظمهم وينصبون انفسهم اصحاب البلد واسرته الحاكمة.
منازلهم متفردة من حيث شكلها وديكورها الذي يترجم ترفهم مقارنة بالساكنة ...سيارات فلاحية وشاحنات ...ملابس ذات طابع مديني شيئا ما ..اراضي فلاحية بالهكتارات...مشاريع اقتصادية هنا وهناك ...اطفال يدرسون بالمدينة المجاورة ... وحبذا لو كان هناك فرد من الاسرة يشغل منصبا هاما باحد المدن كمناصب القضاء و السلطة والمحاماة والابناك او موظفا ساميا باحدى العمالات او الولايات لتكتمل الصورة والسلطة بكافة اشكالها فيصير صيتهم ذائع وصوتهم مسموع ...وتصبح ايديهم طويلة الى حد اللعب باقدار الضعفاء منهم.
يبنى اعتبارهم بسحق الطبقة المهمشة والفقيرة ...يستمتعون بجعل منازلهم قبة للمحتاج والمكروب لا لشيء الا لي ذراع من يعارضهم و ضمان ولاء من لا يحسن ذلك.
حاولو كسب ادريس وجعله من مواليهم ... كيف لا وهو بيديه مفاتيح مغارة علي بابا وكنوز الدواء وكل ما يحتاجه الواحد منهم بين يديه ... لكن ادريس بدهائه كان يعرف جيدا كيف يحتوي الاعيبهم بشكل لا هو من الموالين ولا من المعارضين واستطاع بذلك ان يتبنى موقفا محايدا.
المشهد الرابع والعشرون :
كانت زينب بصدد تلقين حفصة كيفية ملأ الجداول اليومية و التقارير الشهرية الخاصة بوحدة الام والطفل حين اتى ادريس يمسك راسه بيديه يشكو من صداع راس قاهر.
ادريس : كيدوزتو هاد ليامات هانية الامور مكان حتى مشكل
اجابته زينب نافية : هانية اسي ادريس ... هاه ..نسيت ما خبرتك راه جا حميد (نائب رئيس الجماعة القروية ) كايعلمنا بحملة طبية غاتجي لهنا .
ادريس : اياي يا ربي السلامة واش خداو الموافقة بعد من المندوبية ؟
زينب : معرفتش صراحة ...من الاحسن تاصل بالمندوبية شوف معاهم واش فخبارهم ولالا
ادريس : لا حول ولا قوة الا بالله ...ومصاب كون غير كانو يديروا الحاجة ويقدوا بيها ...عقلتي ازينب لعام لفايت اش وقع .
هنا تدخلت حفصة التي تركت اوراقها و جداولها متابعة باهتمام حوارهما وعيناها تنتقل تارة الى زينب وتارة اخرى الى ادريس ...حتى يخيل لك ان مقلتاها اضحت كرة تنس تدور بجفنيها .
حفصة : علاه شنو وقع لعام لفايت ؟؟
ادريس : اخر مرة دارو فيها حملة طبية جا العدد كثير وغير دارت الزوج دنهار ناس طابت بالمساينة فالشمس ...سبيطار عامر والساحة عامرة وحتى الشارع عمر والكديات المجاورين ... المهم ناس عيات تتسنا ومنين شافت راسها مغاتلحقهاش نوبة دازو فالكرياج لي كان داير المخزن وبقاو يتدافعو حتى من الطبيبة لي كانت معانا دازو فيها معقلوش عليها تهرسات من يدها .
حفصة بضحكة هستيرية : لا متقولهاش !
ادريس : ناس وخا نلومهم معدورين اللومة على لي جايب ليهم حملة بلا ما ينظموها بلا ما يوجدوا عليها جابو الناس والصبيان بقاو مليوحين يتسناو والناس كاتبغي بحال هاد الحملات العامل النفسي كايلعب دور كبير...
بهاته الاثناء سمعو لغطا وسط المركز الصحي نهض ادريس من كرسيه على عجل ليرى ما الخطب .
رجل : افينكم النصابة ... اليهود ... الكفرة بالله ... افينكم ادوك رباعة شلاهبية ...ليوم بيا ولا بيكم ...باغين تقتلوني .. باغين تخرجو عليا ...والله لا كانت ليكم يحسابلكم سايبة ..
حفصة وزينب تنظران بدهشة ... بينما ادريس يحاول معرفة ما بال الرجل .
ادريس : مالك الشريف اش واقع بسلامة !
الرجل : باغين تصفيوهالي ياك ..باغين تقتلوني ...دبا عيط ليا على المخزن ولا ما يعجبكم حال ...
اتصل ادريس بخليفة القائد مستدعيا اياه على عجل.
كان الرجل في حالة هيجان تام : حنا حيوانات ياك ...دبا نتوما بنااادم حنا حيوانات اوا اليوم نشوفو واش هاد البلاد فيها شي قانون ..يرفس برجليه مقاعد الانتظار.
حضر الخليفة مؤازرا بفرد من القوات المساعدة : مالك نتايا مبرزطنا شنو كاين .
الرجل بهدوء ورزانة مناقضة تماما لما كان عليه قبل قليل : هاد الناس ا سعادة الخليفة بغاو يقتلونا ...هاد الناس كايحسبونا حيوانات .
الخليفة مستنكرا : ياك لباس شنو كاين ؟
ادريس بحركة بكتفيه يجيبه انه هو الاخر لا يدري ما الموضوع .
الرجل : هانتا اسعادة الخليفة انا جبت ليك الدليل .. استخرج من جيبة قارورة انسولين مشيرا الى شعار الشركة الذي يتمثل في صورة بقرة : هانتا اسعادة الخليفة شوف جيت عندهم البارح قلتلهم عطيوني دوا السكر عاطيني دوا د الحيوان ...وضع اصبعا محادي لجبهته واسترسل قائلا ..لكن لقاوني انا مطااااور والله ما يديروها بيا ...قيدلي بيهم شكاية الله يرحم الوالدين ...انفجر الجميع بقهقهات عالية والرجل ينظر اليهم بعين مستغربة .
ودع الخليفة طاقم المركز الصحي وهو يحرك راسه ذات اليمين وذات الشمال مبتسما بينما يجر الرجل كي يخرج بعيدا متسائلا عن ما مدى صحته العقلية ..
المشهد الخامس و العشرون :
انها الثالثة زوالا .. حركة شبه منعدمة بالارجاء ... اقفلت حفصة دار لولادة لتذهب لحال سبيلها بعد يوم مضني من العمل.
الاجواء الرمضانية تغلف المكان... ذهبت بخطى سريعة وهي تحمي وجهها من اشعة الشمس الحارقة ..وشفتاها قد ابيضتا من العطش الى فرن القرية كي تاخذ حصتها من الخبز الساخن قبل ان تلج الى منزلها.
دغدغة مفاجئة بجانبها الايسر جعلها تلتفت بسرعة لتجد امامها صفية .
صفية شابة ثلاثينية .. طيبة القلب.. حازمة صارمة ..سيدة بالف رجل.. كانت الوحيدة التي تمتهن التجارة منافسة بذلك دكاكين الرجال ..كانت الوحيدة كذلك من بنات جنسها تسوق سيارتها محملة بالبضائع وما تشتهيه الانفس.
بعد وفاة والدها تقلدت منصبه وتحملت مسؤولية اسرة مكتظة الافراد .
كانت من اسرة ميسورة الحال ...كريمة ..طيبة... وصفية هي من تقود السفينة بعد والدها.
ليس بالامر الهين اطلاقا ..خاصة بمجتمع ذكوري متسلط ..ليس سهلا ان تنافسهم وتستبق ضرباتهم ..ضحت بفكرة انشاء اسرتها الصغيرة على حساب اسرتها الكبيرة ..فليس واردا ابدا ان يكون فارس الاحلام واحدا من القرية... فعي تعلم حق اليقين نواياهم الدفينة واطماعهم البغيضة.
كان لها متجر وفرن .. تسير تجارتها بشكل رائع كما انها صادقت موظفات القرية من استاذات وممرضات وموظفات الجماعة القروية ومعلمات دار المراة الحديثات العهد بهذا المكان.
لقد كان من حسن الصدف تواجد بائعة كصفية في القرية فكم من مطالب لم تكن لتتجرأ وتبوح بها لو لم تكن البائعة سيدة.
اختتمت حفصة شهرها الاول بصداقة صفية فقط عبر لحظات قصيرة خلال تسوقها بمتجرها ..لقد كانت شابة طموحة لبقة راقية التصرفات.
صفية : حفصة ..اجي تفطري معانا العشية متبقايش بوحدك.
حفصة : شكرا الزين ربي يخليك مرة اخرى نشالله... كيبقات مي عيشة شوية دبا مع داك الطونسيو ..باقا كاترعف ؟
صفية : لا الحمد لله بعد ما ضربوليها داك شوكة ودبا منتظمة فالدوا ولات مزيانة ...وخا مكتبغيش تسمعنا وكاتصوم .
حفصة : ناس زمان نفسهم حارة اختي صفية ميرضاوش وخا تقوليهم لي قلتي ... ماشي بحال ولاد اليوم خاصهم غا سبة باش يفطروا .. ورغم ذلك غير ردو معاها البال ولا حتا تجي عندي هاد المرة ونهضر معاها .
ودعت صفية حفصة بعد ان اخذت ما ارادته من الفرن ...ذاهبة لمنزلها ترتاح قليلا قبل اذان المغرب.
المشهد السادس والعشرين :
ها هي ذي حفصة النشيطة شمرت على ساعدها ترتب منزلها المتواضع ...تضع زينة اصطناعية هنا وهناك لعلها تضيف لهذا المكان البائس نوعا من الديكور ..ازهار بلاستكية ..لوحات صغيرة .. اشترتهم من صفية.
بدلت لحافها الاسود باخر الوانه زاهية ...مسحت البلاط والنوافذ ..ربطت حبلا صغيرا بين مسمارين فوق النافذة تماما لتعلق ستارا.
انها تستعد لمجيء يحيى بنهاية هذا الاسبوع كما اخبرها سابقا ..
بخضم اشغالها المنزلية هاتفها يعتذر عن تاجيل مأذونيته بسبب زيارة ملكية للجهة التي يشتغل بها ... تذمرت وصرخت حتى انها انهت المكالمة سريعا لتلقي بهاتفها غاضبة .
سقط بدلو الماء المجاور لها تلقفته على عجل نادمة ... تحاول تجفيفه بكمي ردائها ... لاعنة الحظ والنصيب .
حاولت مرارا تشغيل هاتفها بدون جدوى ..دمعت عيناها ...وانفجرت بغيظ تلوم نفسها.
جلست القرفصاء بزاوية من زوايا غرفتها الكئيبة تنظر تارة للسقف المهترئ وتارة تخفض عيناها للارضية الاسمنتية الرمادية .
دقات وصرخات ايمن جعلتها تمسح عيونها بسرعة فتحت الباب ليبادرها قائلا
ايمن : خالتي حفصة قاليك بابا راه عمو يحيى عيط ليه كايسول فيك حيت تلفونك مخدامش.
ارتدت حفصة جلبابها ولفت على راسها شالا وذهبت باتجاه منزل ادريس طالبة منه منحها دقيقتين تحدث فيها زوجها لتخبره ما حل بهاتفها .
بعد ان انهت مكالمتها اتجهت لصفية المنقذة تسالها ما العمل ..فاشارت عليها هاته الاخيرة ان تتركه لها فهي في الغذ ستذهب للمدينة المجاورة لاحضار بعض البضائع وستمر من هناك لمصلح الهواتف النقالة .
شكرتها حفصة لمعروفها وعادت ادراجها الى منزلها.
لم يكن من حقها التذمر ولا الغضب ..فلقد علمت مسبقا ان ارتباطها بفرد من السلك العسكري ليس بالامر الهين ..كما انها تلقت نصحا في فترة خطوبتها ان تعدل عن قرارها بالارتباط بيحيى لصعوبة الامر خاصة ان اصبح لديهم اطفال لكن حبها لم يكن ليسمح بهذا فقررت المغامرة متعهدة ان تكون صبورة مرنة .
المشهد السابع والعشرون :
كانت حفصة بخضم حساب عدد قنينات التلقيح المستعملة بالشهر الجاري الى ان دخلت سيدة مكتبها بطريقة اشبه بالاقتحام منها بالدخول .
السيدة بصوت غاضب : اجي شوفيلي بنتي ...منين درتيلها التلقيح ورجليها تنفخات ..مكاتنعس لا بالليل لا بالنهار !!
حفصة مغلقة باب الثلاجة ..وقد بدت علبها علامات الاستغراب : حطيها فوق الطبلة ..ووريني رجيلتها.
السيدة : هانتي اختي ...شوفي كيف تنفخات ليها ...واش انا جبتليك البنت تلقحيها ولا تمرضيها.
حفصة : وقتاش دارت التلقيح ?!
السيدة : هادي 4 ايام ... عييت ما نديرليها فالثلج والزيت والزبده ...والبنت غي ما كاتزيد ما بقات كاع كتقدر تحط رجليها ...ولا ترضع ولا والوا.
حفصة وقد امتقع لونها من رؤية فخذ الطفلة : وخا كلسي ...شوية ونجي .
ذهبت حفصة باتجاه زينب ...تستشيرها في هاته الحاله التي لم تصادفها قط.
حفصة : زينب ..اجي اختي معايا عفاك..شوفي معايا واحد الحالة...واحد البنت عندها شهرين وشي 10 ايام دارت عندي التلقيح ديال pentavalent هادي شي 4 ايام ...ودابا جابتها مها كاعية تنفخاتليها رجلها بزاف.
زينب : ومالكي مخلوعة هاكا ... les MAPI تيوقعوا وماشي بالضروره ايكون من التلقيح.
حفصة : وراه هادشي اللي محيرني حيت كلشي تنديروا مضبوط وماعمر ما طرالي بحال هكذا .
زينب مخاطبة المرأة : مالك المرة ?!
السيدة : بنتي اختي ...دارتليها الجلبة هاد الفرملية وخرجاتلي على رجليها.
زينب : علاش هاد الممرضة غاتشد بنتك من دون الناس وغتمرضهالك ...
زينب باحثة في مجلد التلقيح : هانتي درتي التلقيح لبنتك انتي وختك لبنتها...فين هي بنت ختك...حتى هي رجليها مرضات?!
السيدة :لا لا بنت اختي ما وقع ليها والوا انا بنتي اللي جات فيها .
زينب : ايوا مال بنت ختك ما وقعليها والو ياك تلقيح واحد و قرعة وحدة...وزايدون مادام بنتك الوحيدة اللي وقعليها هادشي ما بين 40 واحد لقح داك النهار ...يا اما بنتك عندها حساسية للتلقيح ... اولا نتي منتابهتيش لبلاصت الشوكة ووسختيهالها بشي حاجة ...ولا دهنتيلها شي عجب.
السيدة منكرة الفرضية الثانية : المهم ديرولي شي حل مع بنتي ..انا ما عندي حد ...باها مسافر وما نعرف فين نمشي.
زينب : غاتخدي ورقة من عند السي ادريس وغاتدي بنتك للطبيب ...ايشوفها هو و ايقولك اش غادي ديريلها.
السيدة : وشنو غايقولي الطبيب ...باينة غايقطعوليها رجليها ...قالوهالي النسا فالدوار ...الله ..الله ابنيتي مشاوليك رجليك.
توجهت السيدة الى مكتب ادريس ...لتستفرد زينب بحفصة معاتبة اياها على ضعفها:
مالكي درتي بحال ايلا شفتي شي جن..واش نتي شديتي بنتها ومرضتي ليها رجليها ..نتي درتي خدمتك ...كلشي عندك نقي ومعقم وفبلاصتو...نتي ما عندك لاش تخافي ...شوف هي اش دارتليها فالدار..ووخا كايديروا العجب تاينكروا وايلصقوهالينا ...انا واحد المرة درت تلقيح bcg موراها بشي 15 يوم جاني الاب د الولد مخلاليش بغا يضرب حيت داك الدري جا على 7 د البنات وجايبو سخفان ..قالي التلقيح لي درتلوا ضروا منين شافتوا الطبيبه اللي كانت هنا وبقينا نقلبوا داك الدري لقينا مو دايرالوا الكحل فالسرة ديالو عطاتو الطبيبه الورقة للمستعجلات وعلى شوية كان غايمشي فيها ...منين عرف الخطأ من مرتوا ما جاش يعتدر.. غبر ..مبقاش كاع كايجي لسيبطار.
حفصة : ياختي !! شوفي الناس اش تيديروا وكاينكروا.
زبنب : ايوا قوليها لراسك نتي لي صفاريتي وتخلعتي عمرك تبيني راسك ضعيفة اولا كايجيبليهوم الله بلي بصاح الخطأ منك.
ذهبت المراة بورقة التوجيه للاستشارة الطبية وعادت حفصة بعد نهاية الدوام الى منزلها ...لم تعد بنفس الابتسامة التي خرجت بها في الصباح الباكر ..وجه شاحب ويدان مرتعشتان...وضعت مفاتيح البيت جانبا واستلقت بهدوء بفراشها ..
كل السيناريوهات السيئة تمثلت امام عينيها ..كيف ان الطفلة بترت رجلها..كيف انها ماثلة امام قاض ضخم كثيف الشارب والحاجبين بنظارة متدليه يحكم بادانتها...يجرها عاملا السجن باصفاد وسلاسل برجليها كيف تحول لباسها من وزرة بيضاء الى لباس مخطط بالابيض والاسود تحشر وسط المجرمين والقتلة ...ينظرون اليها بتفحص ...يسئلونها ما تهمتها فتجيب :
تهمتي اني ممرضة ...تهمتي اني وهبت نفسي لمساعدة بني البشر ..تهمتي اني لم اطالب بالحصول على قانون يحميني..تهمتي اني اسحسنت العمل في العبث..تهمتي اني رضيت بوضعي ولم اعمل جاهدة لتغييره ..تهمتي ان الفضل وان كان لي لهم والوزر وان كان لهم فلي.
تهمتي اني صمت بجانب الصامتين .. ولم افكر ان انازع من اجل حق يحميني كباقي العاملين ..
المشهد الثامن و العشرون :
ايام معدودة فقط تفصل بين الصائمين و عيد الفطر المبارك....ان تقضي هذا اليوم بمقر عملها كان كابوسا يخيم على تفكيرها...كيف ستشعر بحلاوة العيد و هي بعيدة عن اسرتها كل البعد.....هي تدرك ان لا حق لها بعطلة ادارية الا بعد ان يمر احدا عشر شهرا من العمل...كما ان يومي العطلة المخصصة لهذا العيد لن تكفي للسفر وتمضية العيد و الرجوع فيما بعد.
خطر على بالها ان تستشير زينب فربما تجد لديها جواب مسألتها .. تفقدت جيبا وزرتها هل تحمل قلمها ومفاتيحها قبل ان توصد باب منزلها و تشرع في عملها اليومي المعتاد.
ولجت حفصة دار الولادة لتجد زينب مبكرة تحمل ورقة وقلما وتحسب اشياءا هنا وهناك .
حفصة : صباح الخير زينب سافا ؟؟
زينب: اهلييين....صباح النور....
حفصة :اشنو تاديري...ديالاش دوك الاوراق.
زينب: عطاهوملي ادريس ...ديال الاحصاء.
حفصة: الاحصاء السكاني ؟؟؟
زينب ضاحكة : لا احصاء ديال الماتريال اللي فدار الولادة...يعني شحال ديال الفراشات وشحال ديال الليزور...شحال ديال Les kits d’accouchement … الغطاوات...وزيد وزيد.
حفصة مازحة : علاش اودي ..ياك شي باس ماهو كاين...ياكما غانرحلو ؟؟
ابتسمت زينب باتجاه حفصة ثم عادت ببصرها تتفحص اللائحة مهمهمة.
حفصة : زينب بغيت نتشاور معاك فواحد المسالة شاغلة بالي ....مالقيتليها حل.
زينب تومئ لها باشارة برأسها ان تتكلم.
حفصة : الصراحة معرفتش كيفاش غانقولهاليك...انا عارفة باللي النوبة ديالي فالخدمة الالزامية غاتكون يامات العيد....ولكن توحشت مالين الدار وبغيت ندوز العيد معاهم...ونا حاليا كيما تاتعرفي معنديش الحق فالعطلة....حرت وماعرفت ما ندير.
زينب : ممم فهمت...شوف ا حفصة ...انا موالفة ندوز الاعياد هنا ....بالنسبة لي مااشي مشكل ....انا نخدم فعاوطك ...شوفي معا ادريس ...ايلا بغا ايعطيك سيمانة ...تمشي تعيدي مع داركم ...
عبارة زينب وهي تخبرها انها معتادة ان تمضي ايام الاعياد بالمركز الصحي شدت انتباه حفصة اكثر ... فمالذي يجعل شخصا ما يتخلى بارادته عن امضاء المناسبات والاعياد مع اسرته ..ما قصة زينب حقا ؟
لم تجد الشجاعة الكافية لتسألها ...مخافة ان تهدم هذا التقدم الذي احرزته في علاقتها معها .
عانقتها حفصة شاكرة لها صنيعها او بالاحرى عانقتها متعاطفة معها وان لم تدري بعد ما الخطب .. فقط ارادت ان تخبرها بدون كلمات انها ليست لوحدها انها معها ثم توجهت الى مكتب ادريس ....راجية من الله الا يرفض طلبها.
زينب متبلدة الاحاسيس والتي خاصمت الدمع منذ فترة حتى نست ما معنى ان يبكي الانسان قطعت الطريق على دمعة نزلت مسرعة على خدها ..دمعة ثارت على سجن زينب لها ... اشتاقت ان تخرج ليرتاح صدرها من كتم اهاته القاتلة ..دمعة اتت بعد ان زعزعت حفصة بمواساتها الصادقة حصن زينب المنيع هذا الحصن الذي بنته بدموع ليالي طويلة واهات وزفرات خيبات امل عميقة.
وجدت حفصة ادريس غاضبا ...تبدو مقلتاه على وشك الخروج من محجريهما وهو يقلب ناظريه بين اوراق شتى ملئت مكتبه..
حفصة :صباح الخير اسي ادريس .
ادريس : اودي منين غايجي هاد الخير...نصبحوا على الاعصاب و نباتوا على الاعصاب .
حفصة :مالك اسي ادريس ياك لاباس??
ادريس تاصلو بيا من المندوبية قاليك خاصني نعاود ليهم تقرير ديال الشهر حيت تلفليهم.
حفصة: لعب الدراري هذا....المهم كنت باغاك فواحد الموضوع و لكن تايبانلي نرجع فوقت اخر.
ادريس : لا..لا غي جلسي ...ااشنو خاصك؟؟؟
حفصة : اايلا جات على خاطرك ...بغيت شي يامات نمشي ندوز العيد مع مالين الدار....انا عارفة باللي مامنحقيش لعطلة .. وهدرت مع زينب قاتلي هي مستعدة تخدم فعاوطي سيمانة ...لكن بغيت نتشاور معاك .
ادريس : اش غانقوليك ابنتي ...ماغاديش نشجعك على السليت ...حيت ماشي فمصلحتك ...المهم خليني دابا انا غانفكر فشي حل ونرد عليك.
المشهد التاسع و العشرون :
كانت حفصة و زينب بدار الولادة تعقمان ادوات الولادة المستعملة حين دخل رجل عليهما متوترا ..
زينب : فين غادي الراجل ....هادي راها دار الولادة ...ممنوع ايدخلوا الرجال.
الرجل : سمحيلي اختي ...عندي واحد البنت عندها واحد المشكل و بغيتك تشوفيها.
زينب : فيناهي....شنو عندها؟؟
الرجل مناديا ابنتيه : فاطمة...هدى ...اجيو.
وضعت حفصة ادوات الولادة في جهاز التعقيم و التحقت بزينب تستعلم قصة الفتاتين.
الرجل : اختي هاهي ختها تشرحليك .
فاطمة فتاة في ربيعها السابع عشر ...بيدين مرتعشتين و صوت تخنقه العبرات ...تكشف عن عورة اختها التي لا تتجاوز سن السابعة : ادكتورة...ختي طاحت على واحد العود وكاتسيل بالدم.
زينب تشد حفصة من وزرتها لتكبح فضولها الذي اراد فحص الفتاة ....هامسة لها وهي تصك اسنانها : ما تمسيهاش خلينا نعيطوا لادريس بعدا يحضر معانا.
امرت زينب فاطمة ان تصطحب اختها الى الغرفة المجاورة ....وتضعها فوق طاولة الفحص.
حضر ادريس لتشرح له زينب الحالة بايجاز و انها لم تجرؤ على لمسها دون حضوره كي لا تتهم فيما بعد بامور لا ناقة لها فيها و لا جمل.
فحصتها بدقة و حفصة تكتفي بالنظر و تعابير وجهها تشفق على الفتاة.
ذهبت محاولات زينب في سؤال الفتاتين عن حقيقة ما جرى سدى...لا جواب لديهن سوى دموع يذرفنها لفقدان شيء من شأنه ان يغير مجرى حياة الصغيرة.
زينب مخاطبة الاب : لعجب هاد العود اللي طاحت عليه بنتك قاري علم التشريح ...وعارف الجهاز التناسلي مزيان....هادي اشريف ماشي طيحة على العود...فخاضها ما فيهم حتى اثر ديال الجرح وبالنسبة للبكارة ديالها تضررات بزاف ...خصك تديها للسيبطار الكبير ...ضروري ايشوفها الطبيب...اايقدر يعتقها ما دام الجرح باقي طري.
وضعت زينب شاشا سميكا بمنطقة النزيف محاولة ايقافه بعد تنظيف مكان الجرح .
ادريس : يالله معايا نعطيك وريقة باش تدي بنتك للطبيب.
الرجل متوسلا : انا مزاوك غي شوفولي شي حل هنا ......غي خيطوها هنا ما عندي لاش نمشي للسبيطار الكبير.
ادريس :عطيني لا كارط ناسيونال ديالك. لا اشريف ما يمكنش ..هنا ما عندنا ما نديرولها االبنت ديالك خصها الطبيب ضروري.
مد له الرجل باستسلام كيسا بلاستيكيا مليئا باوراق عدة ......افرغ ادريس محتوياته ليجد بينهم ورقة اعادة توجيه ممضاة بنفس اليوم من مركز صحي قريب من المستشفى المحلي.
ادريس :نتا عندك ورقة اعادة التوجيه من "....." وجاي لهنا....نفس الهدرة لي قالوليك تما هي لي هنا...علاش عدبتي راسك حتى لهنا عوض ما تمشي للسبيطار الكبير ؟؟؟
صرف ادريس الرجل وهو مرتاب من صحة اقواله ليجد زينب و حفصة يتناقشان حالة الطفلة.
حفصة : مسكينة يا اختي بقات فيا ...زعما تكون غي طاحت....شتي كيفاش مبغاتش تهدر معانا ...بحال ايلا شي حد محلف فيها...كن غي ما قلتي لباها والوا ...حتى ايمشي لسبيطار.
زينب : باها جايبها وعارف اشنو عندها ما شفتيش كيفاش كان مصر غي باش تتخيط.
ادريس : بصاح هاد الهدرة لي قالت زينب كاينة ...انا منين مشيت معاه باش نعطيه ورقة لقيت عندو ورقة عطاوهالو ف "...." القريب من السبيطار الكبير.
زينب : شتي شنو قلتليك ...هاد خينا ماصافيش ...ايعلم الله اشنو وقع لديك البنيتة مسكينة.
حفصة : وعلاش مبغيتيش نقلبوها غي انا وياك...علاش عيطتي لسي ادريس.
زينب: واش حماقيتي نقلبوها غي انا وياك ...باش ايلا حفاتليهوم ايقولك الممرضات هما سبابها ...اصلا ما منحقناش نقلبو هاد المسائل ....الطبيب هو اللي يخصو ايشوفها ...وخا حتا هوما تيتهربوا من هاد المسائل خصوصا فالعروبية....غي حيت كان عندها نزيف و كان خصنا نوقفوه....ونا فضلت ايكون معانا اسي ادريس باش ايشهد على الحالة.
ذهبت هدى ...لكن قصتها لا تزال راسخة في عقولهم.....فقد علموا فيما بعد انها كانت ضحية اغتصاب....دفع المغتصب مبلغا ماليا مهما للأب ليتستر على جريمته...الشيء الذي جعل الاب يتفادى الذهاب للمستشفى المحلي خوفا من ان يبلغ العاملون به السلطات المحلية و يدخل في دوامة اسئلة هو في غنى عنها.
المشهد الثلاثون :
دعت عالية حفصة لتفطر معهم .....لم يتبقى لآذان المغرب إلا القليل.....اجتمعتا في المطبخ لوضع اللمسات الاخيرة ...حين لاحظت عالية شرود حفصة لتقطع عليها سيل افكارها قائلة
عالية : حفصة ... مالكي ياك لاباس ...شتك ماشي هي هاديك.
حفصة بابتسامة حزينة : والوا غي توحشت مالين الدار و بغيت نعيد معاهم .
عالية : هدرتي مع ادريس؟؟؟
حفصة: اه ...قالي غادي ايشوفلي شي حل ...وما عرفت اشنو غايدير معايا .
على مائدة الافطار .....و الصمت شبه مطبق على الاركان الا من اصوات الملاعق و تحريك الاواني نطق ادريس
ادريس : راني لقيتليك الحل احفصة ....غادي تعيدي مع داركم و بطريقة قانونية.
اتسعت حدقتاها متعجبة كيف بإمكانها ان تسافر و بطريقة قانونية و هي لم تكمل بعد الاشهر القانونية من الخدمة الفعلية ....ليسترسل ادريس في الكلام
ادريس: غادي تعمريلي وريقة طلب عطلة استثنائية (Conge de mariage)
حفصة : ولكن اسي ادريس هوما عارفيني مزوجة.
ادريس : وخا عارفينك مزوجة ...هدا لا يعني انهم عارفينك واش عرستي ولا دايرة غي العقد....ومن حقك طلبيه ما دام مازال ماستفدتيش منو...و مزال مادار لعام على لعقد ديالك.
عالية : ايوا هانتي ...هاهو ادريس لقاليك الحل ...ايوا طلقي داك الغوباشة.
حفصة و قد انفرجت اساريرها : الله يحفضك اسي ادريس ...الله ايفرحك كيما فرحتيني....وشحال فيها من نهار؟؟؟
ادريس : 10 ايام....عيدي فيها و شوفي والديك وخوتك وشبعي منهم عاد ولي ...اما السليت ابنتي غادي ايضرك ...كاين المحسنين اللي ايوصلوا الخبارات للادارة ونتي يالله بديتي ماعندك ما ديري بالصداعات معاهم.
حفصة : اودي اش غانقولك اسي ادريس حسبنا الله و نعم الوكيل ...هادوا ماشي تايخدمونا هادوا تايجليونا...بحال ايلا بنادم مقطوع من شجرة ...ما يشوف والديه غي من العام لعام ....تقول خدامين فالخاارج....يمكن الناس اللي فالخارج و كايشوفوا الاسر ديالهم كثر منا ...والمشكل انا و الدفعة ديالي جاونا اماكن التعيين خارج الجهة ...ومؤسسة اخرى نفس الدفعة فمدينة اخرى عطاوهم اماكن التعيين فالجهة ديالنا...واش زعما باش ايخدموا الكيران ...اولا حيت عارفين باللي بنادم منين تاتجليه و كاتغربوا كتهرس شوكتوا و كيولي طالب التعادل ؟؟
ادريس مازحا : فطري ...فطري وباركا عليك من السياسة....المهم دابا الامور محلولة انا غي تفاهميلي مع زينب و السلام.
حفصة بعيون ضاحكة :كون هاني اسي ادريس ....هي ما عندها حتى اعتراض ....يالله نخليكوم ....نمشي نجمع حوايجي من داابا.
المشهد الحادي والثلاثون :
لم تخبر والديها بقدومها...ارادت مفاجئتهم...اخذت من يحيى وعودا و أيمانا مغلظة كي لا ينزع مخططاتها...هل اشتاقوا لها كما اشتاقت لهم .... هل يفتقدونها وسط لمتهم العائلية ؟؟؟؟
مرت ساعات ...لم تحس بعنائها حفصة ....فرحة اللقاء ....انستها ما يجره السفر من عناء و شقاء ....رنت الجرس و ما كادت تفعل ....حتى سقطت مغشيا عليها....لتجد نفسها محاطة بأسرتها الصغيرة ....و علامات القلق بادية على محياهم.
اتراه شقاء السفر والصيام قد انهكا جسدها النحيل؟
لا لقد كانت قوية البنية لم يكن هكذا شيء يضعفها الى حد الاغماء .
اختبار منزلي واحد كان كفيلا بتأكيد الخبر...عناق و احضان ..دمعات و ضحكات ..فرحة العيد اصبحت فرحتان ...فرحة لقاء الاسرة ...و فرحة قدوم زائر صغير بعد 8 اشهر .....زائر سيملئ حياتها لهوا و عبثا ...صراخا و ضحكا ...براءة و شغبا.
اخوات حفصة بدورهن يمزحن ويخوفنها من مسؤولية جسيمة تنتظرها لا سيما وهي بعيدة كل البعد عن عائلتها وزوجها ...كيف ستسطيع ان تربي طفلها وتوافق بينه وبين عملها الذي يستهلك قواها نهارا وليلا ؟
لا بد من وجود طريقة ما ليست هي الاولى او الاخيرة ..ان اضطرت ستتوقف عن العمل ... فلا شيء اهم من فلذات الكبد
هكذا كانت ترد حفصة على اخواتها محاولة تبديد سحابة الخوف التي تعتربها للحظة.
مرت الايام و حفصة تنهض باكرا و تنام متأخرة ...و كأنها تجمع من ابتسامات والدتها و حكاوي اخواتها زادا لفراق قريب .
والدة حفصة هي الاخرى لم تتوانى عن طبخ و اعداد كل ما يسر طفلتها ...تتذكر كيف كانت حفصة البارحة رضيعة تجهل كيف تنطق الكلمات بشكل صحيح ...و ها هي ذي الان تنتظر وليدها بشوق...عجبا للحياة كيف تستمر ....شعور جميل يخالجها حين ادركت انها قريبا ستصبح جدة ....
والدها و اخواتها كذلك استقبلوا الخبر بفرح و بهجة عظيمة سيكون الحفيد الاول بالعائلة ....يخططون من الان لوصوله و استقباله ...بملابسه و احتياجاته ...يتخيلن اطرافه الصغيرة ..و رائحته الزكية .... .
كان كل يوم تقضيه حفصة حافلا بين محلات و مشتروات ...زيارات عائلية و خرجات ...لم تكن ترتاح الا سويعات قليلة ....تجيب والدتها دائما حين تنهرها و تامرها بأخذ قسط من الراحة " خليني نشبع منكم ...انا غانمشي وتوحشوني... 😄
اشترت جوربين صغيرين للمواليد الجدد اخدت قطعة ورق كتبت بداخلها " مرحبا ابي .....انتظرني ساكمل ثماني اشهر ...و اتي لزيارتك" وضعتها بداخل الجوربين ....كانت هاته طريقتها لمفاجئة زوجهاا بالخبر السعيد.
المشهد الثاني والثلاثون :
ها هي ذي توضب حقيبتها كي تسافر الى يحيى.....تقضي معه ما تبقى من عطلتها.
الحادية عشر ليلا ...هو موعد اقلاع الحافلة ...مكانها كان وراء السائق....كانت مطمئنة نسبيا لانها شركة حافلات موثوقة...بجانبها جلس رجل عجوز ...نحت الدهر في محياه اثر التعب و الشقاء ....يجلس بصمت ...ينام تارة ....و يستيقظ تارة اخرى ...يطالع صحيفته ...يرتدي نظارة واسعة ذهبية الاطار تمتد منها سلسة تحفظها من السقوط ...تجاعيد وجهه و كانها صفحات تقرأ ما بينها كتابا يسرد ايام شبابه و صباه ...زفرات مريرة يصدرها و كأنه يحمل هما عظيما بين ثناياه.....تراقبه حفصة بصمت...دفعها لهذا الشبه الكبير بينه و بين جدها ....رحم الله ناس زمان ...الحيا و الحشمة ...الاصل و العرض...البساطة و جو النكتة.
كانت تحب الجلوس و سط جدها و اخوانه ...كانت تستهويهاا طريقتهم في الحكي عن ايام مضت ...ايام الاستعمار ...مقاومتهم للاحتلال..تجارتهم و ترحالهم في الاسواق و المدن ...مستملحاتهم و الطرائف التي صادفتهم ...للاسف كلهم رحلوا عن دنياها سوى جدها اطال الله عمره.
كانت تحلم بمنزل يشبه في طرازه المنازل القديمة بالمدينة العتيقة بفاس ...فناء تتوسطه نافورة مياه ...فسيفساء بهيجة تضوي المكان ...شتلات ازهار هنا و هناك....شباك نوافذ متعرج بطريقة الصانع التقليدي ...زجاج النوافذ بالوان قوس قزح ...تشكل مع اشعة الشمس المتداخلة جوا شاعريا جميلا ...سطح ذو طلة بانورامية...تصعده وقت الغروب ...تستمتع بمظهره ...وهي ترتشف قطرات الشاي المنسمة بوريقات النعناع الزكية ...رفقة زوجها و اطفالها ...كان هذا حلمها و فكرتها عن حياة مثالية.
لقد كانت فاس بالنسبة لها تختصر في المدينة العتيقة ....الحضارة القديمة....تاريخهاا الحاضر بكل منزل من منازلها ...بدروبها و ازقتها...بجوامعها و كتاتيبها...بمحلاتها .......بمسجد القرويين حيث كانت ترافق والدها زمانا كي يصلي ....لا تزال عذوبة ماءه الزلال في فمها ....حين كانت تتسلق حواف النافورة كي تشرب ..محاذرة ان تزل قدمها ..فتسقط على مرئ من المتوضئين.
كانت تستهويها الحفر الموجودة على اسوار المدينة العتيقة ....تحب منظر الطيور العائدة بالعشي الى اوكارهاا .....
"استراحة 25 دقيقة للعشاء" ايقظتها كلمات السائق من بحر افكارها....نزل الكل تقريبا عدا حفصة و بعض النائمين .
انها بمنتصف الطريق ....لم يظل سوى 3 ساعات للوصول ...الى" طنجة " عروس الشمال ...ترى كيف تبدو هاته المدينة التي حظيت باعجاب غالبية الزائرين ...تستحضر لكنة الساكنه هناك...لكنة لها جمالية خاصة ...ترينا جمالية المغرب باختلاف ثقافاته و عاداته و لكناته شمالا و جنوبا شرقا و غربا كباقة ورد من اقحوان و زنبق و فل و ياسمين.
المشهد الثالث و الثلاثون :
الخامسة صباحا ....لفحات نسيم بارد تعم المكان ...اتخذ بسببها انفها لونا احمرا ....عينان متعبتان تبحثان بين المارة عن زوجها... .
يحيى : على سلامتك.....مرحبا بيك فطنجة العايلة .
حفصة ضاحكة : شفتك وليتي شمالي ..تعلمتي تهضر بحالهم ....الدار قريبة ؟..عيييت ...باغا نمشي نرتاح.
حمل يحيى حقيبتها ...و تقدمها بخطوات ليوقف سيارة اجرة .
لم يصدق خبر حملها ...او بالاحرى كان امرا مفاجئا لم يتوقعه بهاته السرعة....نظرات الفرح كانت تتلألأ من عينيه ....عليه ان يخبر اسرته ....عليهم ان يشاركوه بهجته ...عليه ان يتحضر نفسيا لهذا الحدث.... ارتبك وهو يحاول اخبار اسرته الصغيرة كطفل تبرق عيناه من حصوله على اخر اصدار من لعبته الالكترونية .
بحكم طبيعة عمله ...كان يبات الليل بمقر عمله...ويعود صباحا الى منزله...ينام سويعات قليله ... ثم يخرجان للتنزه تارة بوسط المدينة قرب سور المعاكيز و المحلات المجاورة...لم يتركاا مكانا بطنجة لم يزورانه ...مغارة هرقل ...شاطئ اقشور...كاب سبارتل...مقهى الحافة...ساحة الامم..طنجة البالية..المنار..وغيرها الكثير.
كانا يخططان كما العادة الى الوجهة التي سيقصدانها....حين اتته على حين غرة مكالمة هاتفية من احد زملائه : "فينك ا صاحبي ...سربي راهم باغيينك هنا"
كانت كلمات كافية ليذهب بعجالة تاركا حفصة و سط المجهول ....كانت اخر كلماته معها ورقة كتب فيها اسم و رقم شخص تتصل به كخطوة احتياطية ان لم يتمكن من التواصل معها .
مر اليوم ببطئ .. قلق يذبحها بدون رحمة .. تركها وسط سواد في مدينة تجهلها... جلست بالبيت تنتقل من ركن الى ركن هاتفه مغلق لا تعلم حتى اين تذهب لتسأل عنه ...بدأ الظلام يسدل ستاره ولا خبر الى الان ... يا الله مالذي يحدث حقا ... اين ستذهب ولمن ستشكي امرها ..الساعة تشير الى التاسعة مساء ...ليل ليس كالخوالي لم يغمض لها جفن ...عينان دامعتان تحمل في يدها هاتفها عله يحادثها...القلق و التوتر طغيا على محياها ....يا ترى مالذي يحصل ...هل يعقل ان مكروها ما اصابه...انتظرت شروق الشمس بفارغ الصبر...اتصلت بالرقم الذي تركه لها يحيى .
حفصة : الو ...سي خالد اللي معايا ؟؟
خالد : شكون نتي ؟؟
حفصة : انا مرات يحيى ..خلالي نمرتك قبل ما يرجع الخدمة ....ما عرفت اش و اقعليه من البارح الصباح؟؟
خالد . اه...المهم اختي القضية دابا عند و كيل الملك ...ما تخافي والوا التحقيق راه بادي و ان شاء الله مايكون غي الخير.
حفصة بصوت بح من المفاجأة : القضية ...وكيل الملك ...علاه اش كاين انا راه ما فاهمة والو؟؟
خالد : المهم انا مانقدر نقول حتى حاجة ايلا احتاجيتي شي حاجة اتصلي بي.....
اقفل الخط بوجهها و هي التي كانت تأمل ان يطمأنها على احوال زوجها لم يزدها الا حيرة و قلقا ....عن اي قضية يتحدث ..وما دخل يحيى بالمحاكم ...
اتصلت بوالديها تخبرهم بما حل بزوجها ...طلبت منها والدتها العودة اليهم فورا ...خوفا على صحتها و صحة الجنين...بينما و الدها يامرها بالبقاء الى ان تعلم بالضبط ما الدي يجري ...اتصلت كذلك باخ يحيى الاكبر سنا ...ليترك ما بيده ويلتحق بها يستعلم ما الذي حل بأخيه هكذا.
رن هاتفها برقم مجهول ...اجابت لتجده يحيى ..يخبرها كيف انه ضحية كمين نصب من مافيا المخدرات لحماية الجناة الحقيقين ...وهو الان على ذمة التحقيق و قد تمت مصادرة هاتفه للتحليل المكالمات الواردة و الصادرة.
يحيى بصوت متهدج: حفصة تلفون راه خداوه وانا دبا على ذمة التحقيق ..ضبرت هاد تلفون غير باش منخليكش مشطونة ... سيري قطعي ورقتك ورجعي لداركم ..وسمحيلي بزاف شاء الله وما قدر فعل.
حفصة : واش نشوفوا شي محامي ....فين راك د ابا ...قولي غي البلاصة بعدا فين كاين ...خوك جاي فالطريق.
يحيى : المحامي من بعد انا متأكد من برائتي و قريب تبان ...هادي غي مسألة وقت ....انا دابا فالثكنة ديالنا ممنوع نخرج حتى يسالي التحقيق...وما عندكش كيف تجي ممنوع ايدخل شي حد.
حفصة : غي شوف كيدير ضروري نشوفك قبل ما نمشي ...وخا غي من البعيد...
وصف لها المكان لتوافيه هناك ...اتفق مع احد الحراس ..سمح لها ولاخيه بالدخول ...انفته و كبرياءه منعاه من ان يضعف امامها ...ارادها ان تذهب مطمئنة ...كانت لحظات سريعة ...ودعته فيها و قلبها يتمزق حسرة على ما يعانيه يحيى ..كانت اخر كلماته لها
"تيقي بيا و كوني فجنبي انا المهم عندي نشوف برائتي فعينيك ...كلما لقيت الفرصة غادي نتصل بيك نسول فيك و فولدي ..." ابتسامة حزينة و اشارة وداع باليد كانت اخر نظراتهما لبعض....عائدة لمنزل عائلتها ..
المشهد الرابع والثلاثون :
عادت حفصة ادراجها ...نفس الحافلة، نفس المقعد لكن ... ليس نفس الوجه المبتسم الذي اتى ...عادت وقد خمدت عيناها من فورة الحماس ..كل شيء بقي في منتصفه ... حزن عميق كالصخر يطبق على انفاسها.
لم تفتئ المسكينة تدعو الله طوال الطريق ان ينصر الحق ويفرج كربة زوجها ايمانا منها بأفضال دعاء المسافر .
استقبلتها اسرتها وهي تحاول التغاضي عن ذكر الأمر امامها كي لا تحزن أكثر مخافة عليها وعلى الجنين.
الام مبرحة ومغص شديد يزورها بضع مرات باليوم اقترحت على اثره والدة حفصة الذهاب لدى طبيب النساء ..فربما رؤية جنينها والاطمئنان عليه يمنحها نفسا اخر وتستمد منه القوة لتجاوز محنتها .
استقبلت حفصة الامر بصدر رحب ..فلولا الاقدار فكان هذا اخر ما ستقوم بعمله رفقة يحيى لتترك له ذكرى جميلة.
جلست رفقة والدتها بقاعة الانتظار تتحين دورها ... ترى الازواج مع بعضهم البعض جالسين امامها فتتحسر وتتخيل سيناروهات عدة تحطم قلبها المسكين.
نادت المساعدة على اسمها لتنهض على عجل ...
دخلتا غرفة الفحص ... بعد اخذ قيمها الحيوية استلقت على طاولة الفحص والمساعدة تجهزها لفحص بالصدى.
دخل الطبيب محييا اياهما : مدام حفصة صافا مزيان .
استل اداة الفحص بالصدى بيده اليمنى بينما باليد الاخرى وضع القليل من المرهم على بطنها.
ابتدأت الاشكال ترتسم على جهاز الفحص وهي بدورها تحاول ان ترى رغم انها لم تفقه شيئا بعد ...بدأت تقلق كلما استمر في صمته وعقد حاجبيه لتبادره قائلة
حفصة : ياك هانية ؟
الطبيب : اش غانقوليك ا مدام ..للاسف دقات القلب مالقيتهومش وعلى حسب تاريخ اخر دورة شهرية دبا خاص يكون عندك خمس اسابيع ..لكن منزربوش غترتاحي من هنا 15 يوم ورجعي لعندي ...غانعطيك بعض المثبتات وعليك بالراحة التامة .
وهي نازلة بالدرج ممسكة بيد والدتها ..احست وكان الدنيا متوقفة ..وكان ابراج النحس طردت ابراج السعد ودخلت في مدارها ...ما هاته الاختبارات المتوالية ...كلما زادت صبرا زادت غوصا في دوائر لا متناهية ..صحيح قولهم اذن ان الهموم لا تأتي فرادى !
عادت الى منزل اهلها ...انزوت بغرفتها ...مدت والدها بشهادتها الطبية كي يسلمها لمندوبيتها...اخبرت عالية وادريس برسالة نصية ...اغلقت باب غرفتها ... وظلت حبيسة مكانها ... لا شيء يعيد البسمة اليها ..القلق كخيوط عنكبوت نسجت من حولها كلما حاولت النهوض منها اغرقتها في غياهبها اكثر فاكثر ..
تتفقد هاتفها الاف المرات بالدقيقة الواحدة ... تنتظر مكالمة يحيى لها ... 15 يوما مرت بين هاتفها وغرفتها والقلق مرات يشتد واخرى يخف حسب ما يخبرهم به يحيى ...يعيشون اطوار البحث في قضيته واستجوابه يوما بيوم.
لم تستطع اخباره بوضع جنينها اخفت الامر الى ان تتأكد .. فلم يطاوعها قلبها ان تزيد يحيى هما على همه وتصب زيتا على ناره ..فيكفي ما يعيشه الان.
المشهد الخامس والثلاثون :
ليلة خريفية باردة ..اقترب الفجر وحفصة لم يغمض لها جفن ... الكل نيام ..وهي تصارع كوابيسها لوحدها ..تنهض تارة بجانب نافذتها تناجي ربها ان يبشرها غدا بخبر جميل ..وبان يثبت حملها ...صحيح انها قريبة العهد به لكنه حرك مشاعر الامومة بداخلها ... كيف لها ان تفرط بصغيرها ..الغد سيكون حافلا فبه الموعد الفيصل لدى طبيبها ..وايضا موعد محاكمة يحيى.
احسنت ايها الصدف ... احسنت .. انك تحبكين قصة جد مسلية.
سمعة هذا الطبيب الطيبة اشتهرت وامتدت لتصل الى ارجاء مختلفة من الوطن ..فاصبح زواره من المدن البعيدة يضاهي عدد مرضاه من نفس المدينة...مما جعلها تبكر على امل ان يكون دورها قريبا لترحم نفسها من احتمالات ارهقت فكرها .
اصبحت العادة ان يحضر الناس باكرا مع تجهيز ورقة وقلم ويتكلف اول واصل بتسجيل اسماء الوافدين بالدور وتسليم اللائحة فيما بعد لمساعدة الطبيب.
كان منظرا جميلا ينم عن تحضر جميل ...
هاهي ذي مستلقية مرة اخرى على طاولة الفحص تنتظر ما ستجود به قريحة الطبيب من قرار .
دقائق تمر كالساعات ليخبرها قائلا :
الطبيب : للاسف ا مدام الحمل متوقف والنبض مكاينش ..راكي باقة صغيرة متقلقيش .
ما الفرق يا طبيب ما الفرق صحيح انها لا تتجاوز الاثنتي وعشرين سنة لكن هل فعلا هذا شيء سيواسيها .
حفصة : وعلاش واش كاين شي مشكل .
الطبيب بعد ان سالهاةاسئلة روتينية عن سوابقها المرضية وبعض الاعراض ..اخبرها ان توقف الحمل شيء وارد في حالتها لانها تعاني ايضا من حالة متوسطة من تكيس المبيض .
لم تقوى على حبس دموعها خانتها شجاعتها وتنكر لها صبرها اخفت وجهها بيديها لتستسلم لنوبة البكاء الذي انتابتها.
بقلب رحيم اخبرها طبيبها ان لا تقلق وانها مشيئة الهية كما فتئ يذكرها بتقدم الطب وبالحلول الممكنة وبان كل شيء له حل بعد ارادة الله.. وضرب لها موعدا بعد ان تكمل سنتين من زواجها ان لم يكلل بحمل خلال هاته المدة .
اتى خبر براءة يحيى هاتفها فرحا وهي تذرف العبر حزنا ..كيف تخبره وبماذا ستخبره ...هنأته واقفلت الخط بوجهه بسرعة.
المشهد السادس والثلاثون :
في زيارة عائلية روتينية ... اتت عماتها ... صادفتا الوضع وعلمتا ما حل بها ... شحوبها واصفرارها لم يكن شيئا يخفى .
بدأتا باعطائها دروسا ومواعظ عن الصبر والابتلاء والاختبار... لم تحفل كثيرا بكلامهم فقد عهدتهن هكذا ..فقد كن عضوات نشيطات بجماعة دينية كبيرة و معروفة ...كبرت بين احضانها حفصة وترعرعت بكنفها .
كان بيت جدها يعج بعضوات الجماعة اللواتي كن يطلقن على بعضهن البعض لقب الاخت فلا يجوز نطق اسم احداهن هكذا بشكل حاف.
يقتسمن ايام الاسبوع بينهن ليقمن بانشطتهن من دروس ووعظ وحفظ للقران والصلاة جماعة وتعلم قواعد التجويد.
مقرهم الكائن بزقاق من ازقة الطالعة الصغرى بفاس كان عبارة عن رياض جميل حيث الطابق السفلي مخصص للذكور " الاخوان" والطابق العلوي للإناث "الاخوات".
كانو يقومون بأنشطة مختلفة بداخل المقر من رباط ومبيت وجلسات وعظ وارشاد و احتفالات بحاملي كتاب الله ..وكذا حفلات زفاف ان ارتبط اخ منهم باخت بذات الجماعة.
مقر كهذا يستحيل ان لا تجد صورة زعيمهم الروحي تتوسط قعر المقر ..بل حتى انك ستجدها بمنازلهم وسط خزانتهم وصالوناتهم.
اياك ثم اياك ان تنتقد نظرة زعيمهم للامور او ان تحاول التشكيك في منهجه والا ستجد نفسك طريدا من جنتهم.
بالاضافة الى المرشد والقائد الاكبر ستجد عددا من الاسماء البارزة نساءا ورجالا على قدر كبير من الولاء والاحترام برزوا بجانبه .
بغض النظر عن بعض الحيثيات والتفاصيل الصغيرة التي كانت تزعجها منهم ...وتراها غلوا او اعوجاجا ..كانت تحب جمعهم وانشطتهم تأخد منها ما بنظرها صحيح وتترك ما هو خاطئ.
لقد كانت ذات الجماعة سببا في ارتدائها للحجاب بسن جد مبكر.. لا تزال تذكر اليوم الذي قررت فيه ارتداءه وهي الفتاة ذات الربيع الثالث عشر .. ولن تنسى ايضا نظرة استاذها ذو الفكر الحداثي اليساري ...كيف تحول اعجابه بها كتلميذة مجدة ذكية الى حنق وغضب كبيرين .
..لصغر سنها لم تفهم الاختلاف القائم والعداوة الكامنة ...لم تفهم سبب معاملته القاسية الجافة نحوها ...لم تجد معنى لتغير عينيه اللتان كانتا الى البارحة تنظران اليها كمفضلته من بين جموع التلاميذ الى شزر وحمم تتطاير.
مر اسبوع ورن جرس انتهاء الحصة ...اشار اليها بيده كي تتوقف ..فخمنت ان لديه كلاما ما سيوجهه لها .
امسك حجابها باطراف يديه كمن يمسك الجيفة مخاطبا اياها : كيف لك ان تقتلي طفولتك وشبابك الاتي بخرقة ثوب تحملينها الان على رأسك ؟
ماذا ستسترين ..انت لا تزالين طفلة ..لا تزال الحياة امامك ... لا تدعي فكر والدك يؤثر عليك ... هاته الخرقة ستحبس افكارك واجتهادك بداخل رأسك .
لقد كان يظن ان توجه والدها كمحب للحزب المكون للغالبية حاليا دخل في قرارها ... او ان نهلها من كتبهم سببا ...كان يظن ان هاته الخرقة كما اسماها واجب فرض عليها بالقوة .
بشجاعة لم تعهدها بنفسها انذاك وطمانينة حلت عليها اجابته بكل هدوء انها فقط طبقت تعاليم دينها عن طيب خاطر ..واننا كشعب مسلم بعد قرار الله ليس لنا خيرة سوى الطاعة ..اخبرته انها مقتنعة به بل وجد مرتاحة هكذا.
شيعها بنظرات استهجان وشفقة ... كانت نظرة متبادلة وحفصة تخرج من باب القاعة متمتمة بداخلها : امل انك ستفهم انت ايضا يوما ما !
المشهد السابع والثلاثون :
عادت حفصة لمقر عملها ..وحالة من الكأبة واليأس تعتري محياها اطلت عالية من نافذة منزلها حين سماعها صوت حقيبة حفصة تجرها جرا .
عالية : حفصة على سلامتك ستناي !
خرجت عالية على عجل ترتدي خفها ...عانقت حفصة الباردة المتبلدة تواسيها
عالية :على سلامة ديالك ا حفصة ..ماديريش فخاطرك ..طير فالجنة نشالله .
حفصة : هزت كتفيها وحاجبيها بما معناه ومالذي استطيع فعله ؟
انه قضاء وقدر وليس لنا امامه سوى القبول او محاولة التقبل واحتساب الاجر .
انه يوم اثنين وموسم الدخول المدرسي لم يعد يفصل بينه وبينهم سوى ايام معدودة .
حركة غير اعتيادية بمركز القرية بين اباء هنا وهناك يحاولون الحصول على وثائقهم الادارية اللازمة لتسجيل بناتهم بدار الطالبة وضمان مسكن او غرفة تقيها حر الشمس وبرد الشتاء ..غرفة تقتسمها مع زميلاتها اللواتي كان لهم حظ الاستفادة من هذا المرفق.
كانت منشأة دار الطالبة تجاور المركز الصحي ...ترأسه مديرة وتساعدها بذلك مؤطرة بالاضافة الى عاملات مختصات بالطبخ والتنظيف لخدمة النازلات بذات المركز .
كثيرا ما ترى يوم السوق الاسبوعي الاباء وقد اتوا لزيارة بناتهم يشترون لهم حاجياتهن .. يوصونهن بالحفاظ على الشرف والتعقل والدراسة جيدا .
تقبل الفتيات ايدي ابائهن لأخذ الرضا يبلغن سلامهن واشتياقهن لامهاتهن واخواتهن ..يشيعن اباءهن بنظراتهن الى موعد اخر باسبوع اخر .
لطالما وفدت نزيلات دار الطالبة بالمركز الصحي ليلا في حالة هستيرية يترجين منها عطلة مرضية تسمح لهن بالعودة لمنازلهن من شوقهن او حتى من احساسهن في بعض الاحيان بغربتهن ... فالله وحده يعلم ما يكابدنه بداخل انفسهن خاصة في مرحلة عمرية حرجة.
من دار الطالبة ترى منشأة اخرى قد اصطفت على نفس الشارع ..ملحقة قيادة ... تراها يوم السوق الاسبوعي كمركز للمنازعات والشكاوى ... لن تمر هناك الا وستسمع من السباب والشتيمة القدر الكبير ... حتى انك ستجد وجوها مألوفة تحضر كل يوم سوق اسبوعي لتشتكي بأحدهم ...وجوه الفها العاملون هناك حتى لم يعودوا يأخذونها على محمل الجد.
كما انك ستجد بمحيطها عمالا من نوع خاص ...يقتصر عملهم على شهادة الزور ... يكفي ان تخرج ما لديك من مال لتحصل على اثنا عشر شاهد بسرعة البرق يساندونك ويشهدون بما لم ترى اعينهم ولم تسمع به آذانهم ...كيف لا وقد باعو ضميرهم للمال ...وما الاكثر سلطة من المال.
مرورا بطريق مستقيم ترابي ستجد السوق الاسبوعي ...سوق كبير فيه من كل ما تشتهيه الانفس خضر وفواكه ودواجن "بلدية" اسماك قطع بلاستيكية و مبيدات حشرية الات فلاحية ملابس واحذية ... خيمات نصبت كمطاعم ...حافلات نقل مزدوج وسيارات اجرة ... شاحنات ناقلة للسلع.. دواب هنا وهناك ...الكل مسرع يريد قضاء الكثير من المصالح بيوم واحد في وقت محدد حتى يجد من يقله عودة لمسكنه البعيد باحدى الدواوير.
لذلك تجد الناس يوم السوق الاسبوعي في حالة عجلة تضع معها العاملين بالمركز الصحي في خط توتر عالي ... يجب عليك ان تسرع لا يهم كيف ولا تحاول ان تشرح ...كل ما عليك هو ان تسرع ورغم ذلك لن تفلح في نيل رضاهم او استحسانهم ... هم على عجلة من امرهم فقط .
الجماعة القروية كذلك كمنشأة ادارية بالقرية تجد بين دهاليز مكاتبها جمعا غفيرا بين من يريد تسجيل اطفاله بالحالة المدنية ومن يريد استخلاص عقود ازدياد ومن يريد الحصول على رخصة ..بين هذا وذاك تجد مكتب رئيس الجماعة مكتظا بالاعضاء في حوارات تهم الصالح العام ..نعم الصالح العام ولا تحاول حتى ان تساير ما يجول بعقلك الان فانت على حق 😁
كما لن ننسى ذكر نجوم هذا الاسبوع .. فئة المقدمين وشيوخ القبيلة حيث يتصدرون قائمة المبحوث عنهم.
المشهد الثامن والثلاثون :
انتهى اليوم وانتهت معه طاقة العاملين بالمركز الصحي ... وحفصة ذاهبة الى منزلها لنيل قسط من الراحة تبعتها زينب بخطى سريعة تناديها .
زينب : حفصة.... الله يعوض ليك خير اختي ...بقا فيا الحال منين سقت لخبار ..معليش اختي راك مزالا صغيرة ومزال الدنيا قدامك.
حفصة :ماعرفتش ازينب ..على حسب ما قال طبيب حالتي شوية معكسة خاصها متابعة وممكن نوصل لمرحلة الا ماوقعش حمل طبيعي نفكر فاطفال انابيب او ف تلقيح اصطناعي او ...
اسكتتها زينب قائلة :ايلا كان عندك غير امل واحد فلمية انك تولي واحد نهار ام شدي فيه وتيقي بيه ... كلشي على هنا (مشيرة لرأس حفصة ) ... الخايبة احفصة هو مايكون عندك ولو ديك 1 فلمية باش تقاومي وتشجعي وتتقاتلي .
نزلت دمعتان قسرا من عيني زينب التي توارت عن الانظار في لمح البصر تاركة حفصة مشدوهة للمشهد الذي جمعهما قبل قليل.
ولجت منزلها استلقت تفكر بحالها وكلام زينب كالمطرقة يحفر في راسها الصغير متسائلة ما بال زينب ما الذي تعنيه بكلامها ؟
صحيح انها كانت تتسائل هل لديها اطفال تزورهم بتلك الفترة التي تذهب بها كل شهرين ؟
حزنت رغم جهلها لقصة زينب فالظاهر انها تخفي الشيء الكثير ..لا بد وان يكون هما ثقيلا حتى جعل منها امراة حديدية ...امراة غلفت نفسها بغلاف القسوة واللامبالاة ..ربما اتخذته درعا كي تحمي ما بقي من روحها في منأى عن صدمات بشرية اخرى ....من يدري ..مالذي عانته المسكينة ...دموعها قبل قليل ما هي الا بقايا انسان يحاول الصراخ وراء القناع بانه لا يزال هاهنا .
دقات ايمن المسرعة على بابها جعلها تقفز من مكانها ليقطع عليها سيل افكارها .
فتحت حفصة الباب ليدخل ايمن لمنزلها بسرعة يجري للغرفة وهو يريها لوحته الالكترونية فرحا .
ايمن : شوفي اخالتي حفصة عمي شنو سفط ليا ... عفاك انسطاليلي اللعب هنا ماما ماعرفاتش .
حفصة وهي تضحك من منظره المشاغب :ايمن خاصنا بعدا الانترنت عاد باش نقدرو ندخلو اللعب فيها .
ايمن وقد اختفت الابتسامة من على محياه :دبا مغاديش نقدر نلعب ..منين نجيب الانترنت ؟
حفصة : سير جري عند صفيه قولها تعطيك روشارج وعطيها طابليط دخليك فيها الانترنت وانا لعشية ندوز عندكم للدار ونقاد ليك اللعب .
عانقها يشكرها وذهب يجري فرحا يحمل اطراف سرواله بيد ولوحته باليد الاخرى .
ما فتئت تغلق باب منزلها حتى باغتها رجل يطلبها على عجل لترى زوجته التي فاجئها المخاض على حين غرة وهي الان بالسيارة وقد وضعت جنينها.
جمعت ادواتها ومستلزماتها في علبة وانطلقت صوب العربة على استعجال لترى الام والجنين .
الام : اختي راه خرج ماغوتش..واش ميت ؟
بادرت حفصة بقطع الحبل السري ولف الجنين بخرقة وذهبت تجري الى دار الولادة تقوم بفركه وعصره وضربه على مؤخرته ورجليه ...حركات استعجالية في وقت زمني قصير ولا استجابة الى الان ... لم تيأس .. استمرت على فعلها والاب قد ايس من روح ابنه ..لم تياس حفصة والعرق يتصبب شلالا .. تذكر الله بداخلها وتطلب منه ان لا يحرم امه منه كما حرمت هي من جنينها .
بدا قلبها يعتصر الما الى ان صرخ الجنين صرخة جعلت والديه يبكيان فرحا ..تنفست الصعداء وضعت له قناع الاوكسجين ..تركت الجدة المرافقة تلبس له ملابسه لتعتني هي بالأم .
اكملت واجبها وذهبت لمنزلها ترتاح وهي بين الفينة والاخرى تذهب لعيادة الام ومراقبة صحتها وصحة الجنين.
التقت بزهرة اخت صفيه حاملة صينية تحوي ما لذ وطاب من اكل متوجهة لدار الولادة تكرم النفساء .
كانت عادتهم ان رأو حالة ولادة ان يكرمو النفساء ويعتنيوا بها نظرا لعدم وجود خدمة المطبخ بدار الولادة وبعد الاسرة غالبا عن مركز الدوار ..كانت اسرة طيبة كريمة .
المشهد التاسع والثلاثون :
بعد مغادرة الاسرة والتي كانت غالبا لا تكمل 12 ساعة بدار الولادة بعد ان يوقع الاب متحملا مسؤولية قراره ..ذهبت حفصة الى منزل ادريس لتفي بوعدها لايمن.
وهي تقوم بضبط اعدادات اللوحة الالكترونية ...رجعت بذاكرتها 10 سنوات الى الوراء لترى نفسها وهي ابنة 12 ربيعا بغرفتها تبكي بحرقة بعد ان شاهدت اشهارا تلفزيا بإحدى القنوات يخص الحاسوب و كيف بإمكان المرء ان يلج الى عالم غريب بصندوق واحد.
كيف بإمكانها ان تجول العالم بين مختلف المواقع والموسوعات.
تبكي بحرقة لانها لا تملك واحدا ..وحينئذ كان الحاسوب حكرا على الاسر الغنية و الطبقة البرجوازية كان اداة تعتبر من الكماليات ووسيلة من وسائل الترف.
لا تزال تذكر كيف كانت تناجي الله وتسأله هل سياتي يوم ما وتمتلك هي ايضا حاسوبا ؟
كانت تراه من المستحيلات فتنقهر اكثر واكثر .
لا تزال تذكر يوم احضر والدها حاسوبا مستعملا ...كم كانت فرحتها كبيرة ... لا يهم شكله ولا نقصان ازراره ولا حتى ثقله ...
يكفي ان تراه يملأ غرفتها تستكشف ادواته ... كان الصراع حامي الوطيس بينها وبين اخيها الاصغر سنا ... حين كان العرف ان الممسك بالفأرة هو صاحب القرار والمتحكم بزمام الامور .
من برنامج الرسم الى برنامج الكتابة الى الة الحساب لم يكن به الشيء الكثير لكن كان كافيا لارضاء غرورها وكبريائها .
انذاك لم يكن الانترنت بالشيء الموجود لدى المنازل ... كان يتواجد فقط بمقاهي الانترنت ...حيث كان الشباب والرجال يقضون ليالي بيضاء بين متعلم ومتصفح وبين فضولي 😉.
لقد كانت ليلة ليلاء يوم وعدها والدها انه سيأخذها صباحا لمقهى انترنت لتتعلم كفية انشاء بريد الكتروني وزيارة مواقع الاطفال.
لم تنم ليلتها ولم تدع والدها ينام ..لتوقظه كل ساعة خوفا من التأخر .
كان شكلها مضحكا وهي تمسك الفأرة وتحاول تحريكها بحركات عنيفة جعلت البعض يتوجه ببصره نحوها مستهزئا ..لكن هيهات ان تأخذ على خاطرها منهم ..فاليوم يوم عيد لن يتكرر الا بعد زمن.
عادت الى بيتها وهي تحمل قطعة ورق تحوي معلومات سرية نعم جد سرية ..بريدها الالكتروني ورقمه السري ... عليها ان تضعه بمأمن من الاتلاف ... تفكر بوضعه بحقيبة الاوراق المهمة الخاصة بوالدها نعم يجب الحفاظ عليه بمعيتهم.
حفصة وقد انتهت من مهمتها مدت اللوحة الالكترونية لايمن الذي طار فرحا لغرفته ...بينما اوصت حفصة عالية بعدم شحنه مرة اخرى برصيد انترنت ..فاللعب الالكترونية الموجودة به حاليا تكفي ..خوفا من ان يسقط في براثين هاته الشبكة العنكبوتية بمساوئها.
المشهد الاربعون :
هل يوم الخميس بجو خريفي بارد جعل هبوب رياحه اوراق الشجر تدخل في رقص خاشع كرقص الصوفي في حضرته.
توجهت حفصة الى المركز الصحي ...فتحت بابه لتجد مي فاطنة بالانتظار...ولجت بعد سلام وكلام لتبدأ مهمتها المعتادة .
مي فاطنة عاملة النظافة الخاصة بالمركز الصحي تجاوزت قبل سبع سنين عقدها الرابع ... تعمل بتفان و استقامة يشهد لها بذلك عاملو المركز ... احبوها واحبو تفانيها بعملها طوال المدة التي التحقت بالعمل برفقتهم والتي تناهز الست سنوات .
جلست حفصة لتملأ بعض الكراسات الخاصة بالنساء حين استأذنتها مي فاطنة بعد ان ارتدت بذلتها وحملت ادواتها .
مي فاطنة : حفصة انبدا بالبيرو ديالك لول ماحد ماعليك زحام ؟
حفصة :هي لي متعاود امي فاطنة ...تركت لها المجال والتحقت بمكتب ادريس.
مي فاطنة التي اجبرتها ظروفها الاسرية ان تلج سوق الشغل على كبر سنها ...لم يكن لديها سوى ابنة وحيدة متزوجة وزوج مهمل اصبح يعيش على نفقة زوجته.
بمكتب الممرض الرئيسي وجدت حفصة ادريس وهو يتجهز للذهاب برفقة احمد سائق سيارة الاسعاف الى المندوبية الاقليمية فمخزون اللقاحات ووسائل منع الحمل بالاضافة الى بعض الادوية الضرورية قد شارف على الانتهاء وعليه تزويد المركز من جديد .
حمل اوراقه بينما احمد يحمل صناديق اللقاحات العازلة للحرارة ويوصي حفصة بان تهتم في غيابه برفقة زينب بالمركز الصحي .
شيعته حفصة لدى الباب وعادت ادراجها الى مكتبها.
انطلق ادريس واحمد في رحلتهم المعتادة و التي تتكرر كل شهرين الى ثلاثة اشهر تقريبا .
تبدأ طقوس الرحلة بعد الوصول الى المدينة بالتوجه لدى المندوبية الاقليمية ووضع بعض الاوراق لدى مكتب الضبط كشكايات و بلاغات وطلبات وتراخيص تم يتوجه الى الممر المحادي وهناك ترى ادريس كفراشة تحوم من مكتب الى مكتب ومن مسؤول خلية الى اخرى هذا يطبع وهذا يرشد والاخر يقدم المستجدات ..ينتهي طوافه ليتوجه الى المسؤول عن صيانة الاجهزة والالات ليقدم له ما اصابه عطل او خلل ويستبدلها هناك ان وجد بديل.
بعد ذلك يتوجه الى الصيدلية الاقليمية كأخر وجهة وهناك يتحول ادريس الى الة حساب وعد ...ويستحضر كل قواه العقلية ليقوم بتركيز شديد بحساب ما يعطى له ومحاولة عدم نسيان اي شيء فمن الغير الممكن ان تعطى له السيارة مرة اخرى الا بعد مرور اشهر.
سيارة الاسعاف هي الوسيلة التي تستخدم في هكذا امور لعدم توفر المركز الصحي على سيارة خاصة بالمركز الصحي .
فطلب سيارة الاسعاف من رئيس الجماعة ليس بالشيء البسيط.. فكان على ادريس اعلامه بطلب خطي ... كما عليه الاتصال عدة مرات كي لا يلف طلبه بالنسيان ... فكم من مرة ماطلوا وتناسوا بل حتى واغلقوا هواتفهم تاركينه في مواقف حرجة فقط كوسيلة ضغط كي يلين ادريس او ينكسر.
ادريس الذي بحنكة سنواته في العمل لم يرضخ لهم بل كان يضغط من جهته ايضا وبطرقه ايضا حتى اذعنوا رافعين راية الاستسلام.
انتهى اليوم وانتهت معه قوى ادريس ...ترجل من سيارة الاسعاف بعد وصوله الى المركز الصحي ..متعاونا هو واحمد على ادخال الصناديق التي اسالت لعابا من متفرجين اخذوا وضعية جمهور الملاعب ...يقتنصون الفرصة كي يستفيدوا وحصريا مما احضر ادريس قبل ان تنتشر الاخبار ويعلم القاصي قبل الداني ان "ادريس جاب الدوا "
المشهد الواحد والاربعون :
التقت حفصة صباحا بادريس ..حيته وجلست تستعلم منه ما الجديد فبادرها باعطائها ورقة تخص موعدا ضربته لها المندوبية يوم الاثنين كموعد لفحص مضاد عقب شهادتها الطبية.
حفصة : واش هادو هبلو؟ برا لي برا يا السي ادريس هادو عاد فاقو ؟
ادريس مبتسما : المكتوب ما منو هروب يا حفصة ... حتا نتي اش فيها سيري منها تشوفي لمدينة فوجي و تقداي لي خاصك من تم ورجعي .
حفصة : والله ايلا بصح ... وكيفاش كايدوز هاد الفحص المضاد السي ادريس ؟
ادريس : والو غاتدي معاك وريقاتك د الطبيب ودواياتك وتمشي للمندوبية لمكتب المندوب هو لي غايدوز ليك الفحص المضاد ؟
حفصة : هادشي فيه غير الهضرة واستعراض الادوية والفحوصات؟
ادريس : تماما ..هادشي لي كاين .
حفصة وهي تهم بالخروج من مكتبه :اوا الله يدوزها على خير انا نمشي ما حد مكاين حد نقاد ماتريال لولادة لي جبتي البارح .
ادريس : الله يرضي عليك ولي حسبي كلشي تما ..راه البارح دخت انا بقوة الحسابات وقيديلي فشي ورقة حتا دوزيهوم لي .
اتجهت حفصة الى دار لولادة لتقوم بترتيب تلك الاكوام المكدسة من الادوات الخاصة بالولادة ..حين دخلت زينب ومعها امرأة تبكي والدماء قد غلفتها من كل جهة .
تركت ما بيدها وذهبت لترى ما بال المرأة
حفصة : زينب ؟
اومأت لها زينب انها هي الاخرى لا تدري .. اجلسنها على طاولة الفحص ..وبصعوبة فهموا ما تحكيه والكلمات تخرج من فمها متقطعة من خوفها وبكاءها.
كانت امرأة حامل في شهرها الرابع ... تدخلت في عراك جمع بين زوجها وابن عمه حول شجيرات زيتون انتهت بعراك بالعصي والمناجل .. اخذت منها نصيبها هي الاخرى .
كان عنق الرحم مغلقا لكن النزيف كان سببا في ملئ زينب لورقة توجيه لتذهب به الحامل الى المستشفى الاقليمي لتلقي العلاجات .
نادين سائق سيارة الاسعاف لحمل المرأة وزوجها الذي كان يعتني بجرحه ادريس بالغرفة المجاورة.
لم يكادو ينتهون حتى اتت حافلتان مليئتان عن أخرهما برجال حاملين العصي يبحثون عن الرجل وزوجته لاكمال ما بدأوه بالدوار..لكن من حسن الحظ ان احمد انطلق قبل وصولهم بقليل .. لم يمنعهم هذا من الاحجام عن فعلتهم بل دخلوا مكتب ادريس عنوة يستفسرون عن مكان ذهابهم.. اعطاهم ادريس عنوانا مغلوطا بعد ان حفظ ارقام سياراتهم ليعلم سرية الدرك ويعطيهم معلومات حول الواقعة كي يقومو بواجبهم.
المشهد الثاني والاربعون :
بمقعد جلدي اسود بمحاذاة مكتب سكرتيرة المندوب الاقليمي تجلس حفصة متوترة وبيدها ملف يحتوي على كل اوراقها وعلب دواءها ..وهي غير مقتنعة بهذا البروتوكول المتأخر عن اوانه.
صوته جهوري مربع القد ذو شارب اسود كثيف اتى يعبر الممر ليدخل الى مكتبه.
لم تمر الى دقائق حتى استدعتها سكرتيرته لتلتحق به.
مكتب عريض كبير المساحة طاولة اجتماعات تتوسط المكان واثاث جلدي يمنح للمكان رونقا وبريستيجا ..صور عائلية بإطار وديبلومات وشواهد معلقة ..مكتبة صغيرة خشبية .
المندوب : تفضلي ا مدام.
حفصة : السلام عليكم ..عندي ليوم موعد فحص مضاد .
المندوب : فوقاش بديتي الخدمة ؟
حفصة هادي شهرين تقريبا ؟
المندوب : شهرين وبديتي بالشواهد الطبية ؟
حفصة :مكره اخاك لا بطل
المندوب وهو يتفحص حفصة جيدا وكأنه عجب من عفويتها وجرأتها : شنو عندك باش خديتي 15 يوم .
حفصة : كان عندي حمل وكان مهدد بالاجهاض والطبيب اعطاني راحة بالاضافة لدواء.
المندوب : ايوا؟
حفصة :ايوا ماكتبش الله .. الله يعوضنا خير .
المندوب :مممم ولكن امدام هاد العطلة المرضية جات مور العطلة الاستثنائية نيشان ادن انا غانعتبرها تمديد للعطلة فقط.
حفصة مستغربة : توقيت لا دخل لي فيه هادشي هكدا جا وها وريقات الطبيب وها الدوايات وصور الايكوغرافيا !!
بعد تفحص وحوارات وترت حفصة اكثر فأكثر صمتت لتدع له المجال يتحدث وحيدا فلم يعد لها ما تقوله ..ليختتم بأن وقع على ورقة كانت بجانبه وصرفها لحال سبيلها.
لم تكن تهتم ما نتيجة الفحص المضاد ..بقدر ما كانت تنتظر متى ستنتهي من هذا الفحص البروتوكولي لتطلق ساقيها للريح ..خرجت من باب المندوبية تتصل بصفية رفيقة الطريق التي تكلفت بايصالها .. كان عليها ان تتوجه للبنك كي تأخد ما يكفي اقامتها هناك كما كانت تشتهي بعض انواع المأكولات الغير موجودة بالقرية وعليها ايضا ان تمر الى احدى الاسواق الممتازة لتبتاع ما اوصتها به عالية وزينب من حاجيات ..
المشهد الثالث والاربعون :
حل موسم الدخول المدرسي وملئت الدنيا ضجيجا وحركة غير اعتيادية .. بحلوله تاتي ايضا انشطة صحية مرافقة له في اطار مايسمى بالصحة المدرسية .
يعنى برنامج الصحة المدرسية بكل ماله علاقة بالمتمدرسين خاصة مرتادي السنة اولى ابتدائي والسنة اولى اعدادي والسنة الاولى ثانوي.
يهتم برنامج الصحة المدرسية بصحة الفم والاسنان الاذن والحنجرة الامراض الجلدية الامراض التنفسية القياسات البدنية كالطول والوزن وقياس النظر كما يتم تلقيح الاطفال ذوي الخمس سنوات بلقاحهم الخاص.
هي فرصة ايضا لدعوة التلميذات اللواتي بلغن من العمر 15 سنة فما يزيد للانخراط في برنامج تلقيح الفتيات بلقاح الكزاز .
في العادة يتكون الفريق الخاص بالصحة المدرسية من ممرض واحد او اثنين بالاضافة الى طبيب الوحدة .
يقوم الممرض الرئيسي بجرد عدد المدارس التابعة ترابيا لمركزه الصحي ثم يضع جدولا زمنيا للزيارة المرتقب حصولها .. بالاضافة الى تواصله مع مدراء المدارس او مع ممثلي السلطة المحلية لاعلام التلاميذ واولياءهم بموعد زيارتهم ... بالاضافة الى إخبار رئيس الجماعة القروية وقائد المنطقة .
لم تكن حفصة على دراية ببرنامج كهذا فتكوينها كقابلة لم يسمح لها برؤية شيء مماثل ..اللهم يوما واحدا فقط في اطار التدرب بالمجال القروي حيث اخذتهم المؤطرة من دار الولادة بسيارة نحو مدرسة القرية كي يقمن باعطاء نصائح وارشادات حول صحة الفم والاسنان بحصة لم تتعدى الخمسة عشر دقيقة ليتفرقن بعدها.
كانت اول مرة ستفهم ما هو برنامج الصحة المدرسية ما اهدافه ما الفئة المستهدفة ..كل هذا بفضل ادريس الذي لم يبخل بتنويرها حين اتته ذات صباح وهو منهمك في اعداد الجدول الزمني الخاص بالبرنامج.
تحمست كثيرا للخروج في زيارة كهاته... فقبل عشر سنوات من الان كانت حفصة تقف في طابور تلميذات المستوى اول اعدادي في انتظار دورها لفحص كهذا بقسمها ..والان ستدخل القسم كممرضة تؤدي نفس المهمة.
سألت حفصة ادريس عن كيفية قيامهم بهاته الانشطة ومن الذي سيشارك ممنية النفس بان يكون من نصيبها ... فطنة ادريس قرأت حماستها من عينيها اللتان تلألأتا بوميض طفولي .. ابتسم ليبشرها بانها من سترافقه فزينب منهكة ولا يظنها تريد الانضمام لنشاط كهذا كما كانت عادتها دوما.
لقد كانت فرصة لها للتواجد مرة اخرى بين اسوار المدارس .. فرصة تتذكر بها كيف مر صباها ..وان لم تكن نفس الرقعة على الخريطة ...فجميع المدارس متشابهة بجدرانها وكل اطفال المغرب متشابهون.
المشهد الرابع والاربعون :
"تافرسيت " قرية من قرى الريف تابعة اداريا لاقليم الناظور .. عمل والداها هناك لمدة 16 سنة كمعلمين... لم تكن تعرف بإسمها كثيرا بل كانت تعرف بابنة المعلمة فلانة ... كانت تحزن عندما يناديها اصدقاؤها في لحظات الغضب الصبيانية "غربية" لم تكن تعرف ما معناها او لم ينادونها هكذا فهي لم تعرف لها مكانا غير هناك .
ترعرت بين جنبات تلك القرية امضت طفولتها و السنوات الاولى لمراهقتها ... انتقلت بعدها لتعلم انها لم تكن غربية بل كانت ابنة المنطقة وان انتقالهم كان اول مسمار يدق في تابوت غربتها الفعلية الابدية.
نعم لم تكن ريفية الولادة او الاصل لكنها كانت ريفية الروح.. الا يقولون من عاشر قوما اربعين ليلة صار منهن فكيف بمن عاش اولى ايام حياته هناك واستمر لستة عشر سنة ؟
في حين تربت على سماع ان تافرسيت ليست بلدها الاصل وان المدينة الام تنتظر يوم لحاقهم بها لم تكن المسكينة تدري ان تافرسيت هي الام والمنشأ وكيف لا وهناك تركت اصدقاء الطفولة ..تركت اماكن احتضنت قهقهاتها وهي تسابق الريح رفقة صديقاتها ... مكان حفظته عن ظهر قلب وهي تتجول بجنباته مكان كان لديهم من الاصدقاء فيه من عوض نقص العائلة.. اكثر مكان عاشو فيه بطمأنينة.
كانت مدرستهم كبيرة جدا ذات ساحة جد واسعة مع منظر اشجار واعشاب تؤثث المنظر العام .
كانت الاقسام كذلك تتجاور بطريقة تصاعدية حسب المستوى الدراسي ... اسرة التدريس كانت تنقسم بين ابناء المنطقة واخرين من مدن اخرى ... صعوبة انتقالهم جعلتهم يتعايشون لمدة جد طويلة اصبحو خلالها اصدقاء ورفقاء درب
بجوار المدرسة تجد باعة محلات بيع وشراء ولعل ابرزهم
"قادا" صاحب محل مجاور للمدرسة كانت تذهب اليه حفصة رفقة قريناتها لشراء ما يردنه في استراحة الصباح او المساء.
مرت 14 سنة من اخر يوم فارقت فيه حفصة تافرسيت لتحملها معها في قلبها وليس من الممكن ابدا ان تنساها او تنسى ساكنتها التي ما دوما اعتبرتهم عائلتها الاولى.
توقفت عجلات سيارة الاسعاف التي تقلهم لتقطع على حفصة سيل ذكرياتها التي ادمعت العين من حنينها.
دخلت القسم رفقة ادريس تحمل ميزان الطول وبعض الاوراق بينما يحمل ادريس باقي المعدات الثقيلة .
الخوف في اعين الصغار من منظر الوزرة البيضاء جعل حفصة تبتسم برحمة لتحاول باسلوبها ان تخفف من خوفهم وتدخل معهم في جو صبياني قليلا.
اقتسمت الادوار مع ادريس .. جعلته يتكلف بملأ معلومات التلاميذ لتقوم هي بقياس وزنهم وطولهم ونظرهم... للاسف لم يكن معهم طبيب ليؤدي مهمة فحصهم فالتزموا بالمهام المنوطة بهم كممرضين.
كان عليهم الاسراع فعليهم رؤية 4 مراكز مدرسية اخرى ...ليجدوا شيخ الدوار قد اعد لهم فطورا جميلا من شاي بالاعشاب وبيض بلدي وزبدة وعسل تعرف به المنطقة بالاضافة الى رغيف كبير بحجم عجلة خارج لتوه من السنة الفرن البلدي.
كان من عادة الدواوير هناك اكرام زائريهم.. بساطة مريحة وحب صاف.
من مدرسة الى مدرسة ومن دوار الى دوار مر يوم حفصة وادريس رغم انهاكهما الى انهما استمتعا بالمناظر الطبيعية المجاورة ... ودت حفصة لو انها تخرج كل يوم فالعمل في خرجات ميدانية افضل بكثير من الجلوس وسط جدران المركز الصحي.
المشهد الخامس والاربعون :
مر اسبوع الصحة المدرسية واتى خبر من رئيس الجماعة القروية يخبر ادريس فيها بقرب حلول حفل ختان سينظم بذات الجماعة .. مرفوقا بطلب الى المندوبية الاقليمية لمنحهم المركز الصحي كمقر تدار فيه اطوار هذا الحفل.
استشاط ادريس غضبا لانه يعلم مسبقا الحوادث والمشاكل التي تنتهي بها هكذا مناسبات لا سيما ان الهدف سياسي محض وليس ذا نية اجتماعية كما ارادوا ان يظهروها.
كانت حفصة وزينب بخضم توليد سيدتان اتتا في نفس اللحظة تقريبا واسرهن في بهو الانتظار ينتظرن بقلق صراخ احفادهن حين اتى ادريس يناديهن ان يلتحقا به بمكتبه عند انتهائهن.
كان عليه ان ينسق معهن برنامج حفل الختان الذي يمر على مرحلتين ..فاول مرحلة ياتي بها عاملو مختبر خاص لاخذ عينات دم من الاطفال المدرجة اسماؤهم من المستفيدين .. ثم عليهم افراغ بعض الحجرات وجعلها ملائمة لعملية الختان من طاولات وكراسي وتنظيمها بحيث تتسع للعدد الكبير من الاسر التي ستنضم لهذا الحفل.
انتهت حفصة وزينب ليلتحقا بادريس الذي بادر باخبارهم بالمستجدات ..تأففت زينب ساخطة فهي لن تنسى كيف انتهى ختان المرة السابقة بلكمات من هنا وهناك بين بعض الاعضاء المحسوبين على الجماعة وبعض الساكنة وكيف انها حمت نفسها بسرعة قبل ان تصلها احدى الضربات العشوائية.
زينب : واو ..عاوتاني هاد حريق راس ؟
ادريس وهو يرفع حاجبيه مستسلما :ايه ا زينب هادشي لي كاين عاد هضروا معايا من المندوبية وافقو ليهم .
زينب : عندك شي اقتراح باش ما يطراش بحال لمرة لي فايتة ؟
ادريس : فكرت فشي حويجات غانفرضهم عليهم من لول باش دوز الامور على خير .
حفصة : وفوقاش غايكون هاد الخير ؟
ادريس : هاد السبت غاجيو صحاب المختبر ياخدو عينات الدم من الاطفال ... والسبت الاخر غايكون الحفل .
حفصة :سمعتكم تتقولو حفل ..واش غير غايختنو ولا تيديرو حفل نيت ؟
ادريس ضاحكا :حفل الالة بالطبالة والغياطة وكينصبوا الخيم ويجيبو الديدجي ويحنيو لوليدات ويلبسوهم لباس تقليدي والحلوى والمشروبات .
حفصة : هايهاي او متسالهومش راهم تيفرحو لوليدات .
زينب :الله يهديك ابنتي راه خاصهم شي فليسات ومنها نيت شوية الاصوات ومكاين ما حسن من ختانة د 120 او 150 طفل كغطاء لتمرير بعض العمولات...كلهم مخلصين على هادشي لي غايدي يدار الا حنا غانضربو تمارة.
ادريس مقاطعا : هاد المرة حنا مغانقيصوا والو وهادشي لاش جمعتكم انا غانتكلف نحل ليهم المركز والغرف فين يخدمو فقط ..البقية هوما غايتكلفو بيه .. انا غانحتاجكم هاد السبت هدا لي مغانكونش تحضروا ايلا كان ممكن على حسب صحاب المختبر وخا ؟
زينب : كون هاني السي ادريس حنا نتكلفو بهم هاد السبت .. وحتا السبت الاخر غانكونوا هنا ايلا حتاجيتينا .
ادريس : يالله خليت ليكم الراحة .. سيروا ترتاحو قبل ما يجيو يقرقبو عليكم صحاب الحال..
المشهد السادس والاربعون :
اتى يوم حفل الختان المنشود ... التحقت حفصة وزينب بادريس لمد يد العون والمشاركة في هاته التظاهرة الصحية الاجتماعية.
ترى ادريس ماسكا لائحة الاطفال المسجلة اسماؤهم حسب ترتيبهم ويقوم بتنسيق مع افراد السلطات المحلية باخر الترتيبات الامنية والتنظيمية قبل الشروع في العمل.
بمقر الجماعة القروية تجد الاسر قد احضروا صغارهم باكرا وتبعا للعادات يتم تكحيل اعينهم وتزيين اطرافهم بالحناء ثم الباسهم لباسا تقليديا مغربيا تكلفت الجماعة القروية باقتناءه.
دموع فرح امهات اختلطت بدموع خوف ابناءهن زغاريد هنا وهناك واباء قد اجتمعوا فيما بينهم يشيدون بصنيع الجماعة والجمعية المكلفة بهكذا نشاط .
ترى الاعيان يمرون بينهم بخيلاء يقبل الساكنة ايديهم او اكتافهم احتراما وولاءا وعرفانا منهم بصنيعهم.
العاشرة صباحا انطلقت عملية اعذار 150 طفلا على يد اربع ممرضين يشغلون منصب رؤساء مراكز صحية بنفس الاقليم.
الشيء الذي جعل حفصة تسأل ادريس همسا اليست عملية الختان لاتندرج من ضمن مهام الممرض وماذا لو وقع خطأ في عملية الاعذار الن يحاكم الممرض ... ليسكتها ادريس ان تحتفظ بالسؤال حاليا وهو يبتسم في وجه احد الممرضين الذي سمع مقتطفا من حوارها .. ليباغتها بقوله : اجي تتعلمي ؟
حفصة ضاحكة : لا ... لا باركة عليا داكشي لي معلمة ماخصني بهادشي ...استمروا ..تبارك الله عليكم .
فوج وراء فوج .. وطفل وراء الاخر بتناوب .. عملية لا تستغرق اكتر من خمس دقائق على الاكثر ..روائح اللحم البشري المحترق تخنق المكان لاستعمالهم الة ليزر وكانها حفلة شواء .. صراخ هنا وزغاريد هناك ... مجموعات فلكلورية شعبية تصدح بالاهازيج بمدخل المركز الصحي لتخلق جوا لم تره حفصة سابقا .
مي فاطنة عاملة النظافة ساخطة على استغلالها بهذا اليوم حضنتها حفصة محيية اياها : مال مي فاطنة كاعية ؟
مي فاطنة : قاليك الشيبة العاصية ( في اشارة منها لرئيس الجماعة القروية )نجمع السبيطار وندوز للجماعة ونكمل ونمشي نعاون النسا فدارو ..واش مكايحس بنادم انا ضهري تقطع من 6 صباح ونا خدامة .. استقرت دمعتان في مقلتيها وبح صوتها لتسكتها حفصة قائلة : ماتمشيش اجي دخلي لاصال معايا ايلا سولو فيك غانقولهم باقا مساليتي عرفتي زيدي تفطري صبت لها كأسا من الشاي الساخن مع وقدمت لها صحنا من الفطور الذي كان من المفترض انه خاص بضيوف اليوم لتسترسل مبتسمة : فطري بعدا ويحن الله .
مي فاطنة لم تكن سوى رقما من الارقام للاعوان المحسوبين على الجماعة القروية ... فلقد كان من بين اوجه الفساد والريع ان يقوم كل عضو من اعضاء الجماعة بتسجيل ثلاث او اربع اقرباء له بالجماعة كاعوان مؤقتين "اشباح" ليستخلص رواتبهم المزعومة كمصدر دخل شهري مضمون دون عناء .
لكن بالحقيقة فعدد الاعوان الحقيقين قليل جدا و امي فاطنة ما هي الا مثال لذلك فكانت تعمل عمل ثلاث اعوان خلافا لما يوجد بالسجلات... ناهيك عن نهب شهرين او ثلاثة من عرق كتفيها دون موجب حق .. وماعليها سوى الرضوخ والصمت او سيتم تعويضها بأخرى.
انتهى حفل الختان ..طبعا بعد مرور بعض المشاحنات والملاسنات كاخر مشهد قبل نزول الستارة... وتم استضافة الفاعلين بجانب اطر المركز الصحي وممثلين عن السلطات المحلية بحضور عامل الاقليم بدار الطالبة حيث تم تقديم واجب الضيافة من غذاء مع القاء كلمة شكر لكل من ساهم في احياء هذا الحفل
المشهد السابع و الاربعون :
.اتت بداية اسبوع جديدة .. لكن بقلة زوار على غير المعتاد لتسأل حفصة زينب وهما بخضم تجديد بعض السجلات.
حفصة : زينب مال الناس هاد النهار شفتهم قلال ؟
زينب :ههه عزيز عليك الخدمة يلالة .. دبا الناس مشغولين ممسالينش للصبيطار.
حفصة : علاش شنو عندهم ؟
زينب :هنا الناس مورد عيشهم هو الفلاحة ..وهادي وقت الحرث ..لي الاغلبية كايستعملو وسائل يدوية تقليدية وهادشي تياخد منهم وقت .. بعكس الفلاحة الكبار لي تيكريو الالات الفلاحية وتيسربيو دغيا .
حفصة : هكاك ...ولكن حتى العيالات شفتهم مجاوش هاد النهار ؟
زينب : وعلى نتي عند بالك غير رجال لي تيخدمو ؟ راه المرة كتنوض حتى هيا مع الفجر تسقي وتحطب وتحش الربيع للبهيمة وترجع تصاوب الفطور للخدامة وتقاد ليهم الغدا وتديه ليهم هادشي ايلا كانت مرا وحدا اما ايلا كانو بزاف شي تيتكلف بالكوزينة والطياب للخدامة والبقية تيمشيو حتى هوما يحرتوا معاهم.
حفصة : صراحة المرأة القروية ها بونجور ديالها ..عندهم تمارة بزاف .
زينب :وكون غير كانو يعترفوليها بيه ... المرة هنا راسمال بشري ماشي زوجة وامراة .. المرة هنا يد عاملة محدها تولد وترضع وتربي وتخدم راه مزيانة نهار تمرض كتحاز للجنب مكاينش لي يعرفها..الا القليل .
هادشي بلا صراعات العكوزة - عروسة بحيث حتى الحق فالصحة تتحكم فيها ام الرجل... هي لي تعطي الموافقة واش تولد فالصبيطار او تولد فالدار واش تلقح ولا لا... لذلك منين تجي عندك امراة حامل عمرك دخلي معاها العجوزة .. حيت هي متقضرش تهدر.
كلام زينب جعل حفصة تذهب بذاكرتها للوراء لتقف على حقيقة مهمة غفلت عنها سابقا ... يتمثل في تحكم ام الزوج في زوجة الابن حتى من القرارات الصحية التي يجب ان تكون برضى المعنية بالامر... فكم من كوارث صحية ووفيات بليدة جرت اطوارها فقط لان ام الزوج لم توافق للحامل على الولادة بالمستشفيات بدعوى انها هي ايضا قد وضعت عشرة ابناء بمنزلها فقط .. وكم من دقائق وساعات ضاعت في اقناعها بضرورة نقل الحامل الى المستشفى الاقليمي كان بالامكان فيها انقاذ الام والجنين.. وكم من مولود ذهب ضحية عادات وتقاليد خاطئة كاستئصال ما يسمونه ب "الحلق" فينزف الصغير الى الموت ...وكم من رضيع اصيب بنوبات كزاز لا لشيء الا لوضعها مادة الكحل بسرته.
عادات خاطئة متوارثة ... رغم محاولات مهنيي الصحة تثقيف الساكنة الا ان تشبث البعض بها لا يزال يزهق ارواحا .
المشهد الثامن والاربعون :
اتى خبر من المندوبية يخبرون فيها ادريس بضرورة تنقله الى احد الدواوير التي سجلت اصابة احد ساكنتها بالتهاب سحايا وعليه تلقيح الاسرة القريبة والمحيط الذي كان على تواصل مع المريض واعطاءهم دواءا للوقاية.
اقتربت الساعة من الثانية مساء .. بعد ان تناولت حفصة وجبة الغذاء مع عالية وادريس وايمن .. ذهبت برفقة ادريس للمساعدة فالعدد المراد تلقيحه ليس بالهين .
طوال الطريق وهي تنظر الى حال الطريق المنكوبة التي ذكرتها بزلزال الحسيمة الذي كان بشهر فبراير سنة 2004.. ليلة ليست كالخوالي ...نباح كلاب استمر لساعات وهجران للطيور من اوكارها كانت علامات لم يفطن لها القاطنون.
بعد الساعة الثانية صباحا بدقائق اتت هزة ارضية قوية لم تفقه حفصة النصف نائمة مالذي يجري حينها ...فلم تعايش وهي ابنة الاربعة عشر ربيعا شيئا مماثلا قبلا ...سمعت فقط صوت ابيها وهو يردد الشهادتين من الغرفة المجاورة .
استمرت الهزة لثواني طويلة وكانها الدهر وحفصة بداخل فراشها ككرة تنس تتقاذفها اطراف السرير.
من خوفها لم تستطع الصراخ بقيت مشدوهة من قوة تحرك الحائط والجدران .
انتهت الهزة لتجد والدتها قد هرعت لنجدتهم غطتها واخواتها بلحاف واسرعو بالنزول خارجا .
في لحظة كان جميع السكان يبيتون في العراء كمشردين لا مأوى لهم ... استمر حالهم لشهر لا يستطيع فيه الناس الجلوس في منازلهم مطولا لتكرار الهزات الارتدادية القوية والتي بعد مدة استأنستها حفصة واخواتها فيما بعد .
توقفت الدراسة مدة ليست بالوجيزة كما لن تنسى ان دوارا بكامله لقي حتفه في ليلة واحدة حتى انها سمعت بشخص مغترب عاد ليجد كامل قبيلته قد ذهبت في عداد الاموات ليصبح بعدها من الصدمة مريضا نفسيا هائما لا يدرى له مكان.
كانت نكبة في تاريخ الحسيمة اتت فيها الاعانات المغربية متأخرة كالعادة ... كما لن تنسى في عز النكبة كيف تمت سرقة الاعانات وتوزيعها على بعض الاشخاص الغير معنين بدون وجه حق ... لن تنسى مواقف جرت بعز النكبة اظهرت الوجه الحقيقي للفساد المستشري بجميع القطاعات...مواقف اظهرت اناسا تقتات من بؤس بعضها البعض.
المشهد التاسع والاربعون :
"جالسة بغرفة لا تعرفها مع اناس مجهولي الهوية .. يدخل المكان قط يفزع الجالسون لرؤيته ويهبون نحو الباب جريا من منظره المخيف ..قط هزيل البنية منسل الفرو خيط فمه بخيط ابيض يتقدم بخطى واثقة من حفصة وهاته الاخيرة لم تفزع ولم تجزع امسكته بكلتا يديها حضنته وشرعت تتلو ما تيسر من القرأن ليتحول الى صبي صغير يبكي بحضنها "
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... هذا ما كانت تهذي به حفصة بعد استفاقتها من هذا الحلم الذي اقلق مضجعها والعرق يتقاطر من جبينها كالشلال ..
قلب منقبض وقشعريرة تسري بجسدها ... هكذا نهضت حفصة من فراشها كي تبدأ عمل يوم جديد.
اضغاث احلام فقط لا تكترثي .. هكذا كانت تحدث نفسها وهي ترتشف قطرات شاي على عجل ... فصراخ الاطفال بوحدة التلقيح يسمع من نافذة سكنها الوظيفي.
حصة التلقيح هي للساكنة مواعيد زيارة وصلة رحم ... تجد الام والابنة التي فرقت بينهما ظروفهما الزوجية والمعيشية لا تضربان موعدا لبعضهما الا في المركز الصحي الذي بني بمكان يتوسط كافة الدواوير.
تجد الواحدة منهن منغمسة في احاديث مع بنات عماتها وخالاتها والصبية ممن يسكنون قريتها تستعلم منهم جديدهم وتبلغ سلامها واشواقها لمن افتقدتهم.
واحدة من هاته النسوة المواضبات على تلقيح طفلها .. تأتي الى موعدها بكل فرح فقد اعتادت ان تطلب من حفصة هاتفها كي تتصل بوالدتها خفية من زوج متسلط قطع رحم زوجته بوالدتها ومنع عنها كل وسيلة للتواصل.
ام لا يزال قريناتها يلعبن الغميضة في ارجاء اخرى من العالم ... وحيدة بين احضان زوج قاسي واسرة اقسى .. يتيمة الاب لم تجد ظهرا تستند اليه في محنتها فاستسلمت للامر الواقع.
حكايتها تتكرر كثيرا في القرى والمداشر حيث لا احد يسمع معانتهن او يساعدهن على الاستقلال ماديا ومعنويا.
انتهت من حصة تلقيح الاطفال وبدأت في جرد ثلاجتها حين دخل ادريس مبشرا.
ادريس : حفصة خاصنا الزردة !
حفصة مستغربة : نديروها السي ادريس ...غير نعرف لاش بعدا ههه.
ادريس :راهم الالة عيطو عليا من المندوبية وراه شيك فليساتك واجد باش تشديهم من الخزينة.
حفصة وقد اعتلت محياها نظرة فرح بلهاء : بصح السي ادريس ... واخيرا غايولي عندي حتا انا مدخولي الخاص ..وهنية علينا ... صافي الزردة على حسابي انت وختي عالية والدراري .
ولو ان الانسان قد يعيش دهورا ميسور الحال لا ينقصه شيء .. الا ان حلاوة المال المكتسب من عرق جبين الشخص له طعم خاص .. استقلال الفتاة ماديا وفرض قيمتها المعنوية وسط المجتمع شيء قيم جدا ولو بخسه بعض الناس وحاولو التقليل منه وتجاهله.
استحقاق الفتاة لمنصب جنبا الى جنب مع الرجل هو انجاز مهم في ظل مجتمع لا يزال ذكوري التفكير .
المشهد الخمسون :
لم تفتأ المسكينة عن التخطيط لما ستشتريه من هدايا لاسرتها ومالذي ستفعله برواتبها الاربعة المتراكمة .. العديد من الاشياء الجميلة كانت تؤجلها كي لا تثقل كاهل وليها ... والان كمن فتحت له ابواب مغارة علي بابا.
اتت زينب لتعلم حفصة بقرب ذهابها في عطلتها المعتادة فوجدتها قد احضرت كراسا وقلما تحسب ..تضيف وتطرح وتعيد الكرة مرات و مرات .
بادرتها زينب بسؤالها :اش كاديري احفصة ... شتك غير مع نوامر ملهية ؟
حفصة : راه خبرني السي ادريس رابيل جا .. وكنخمم شنو ناخد كادويات لمالين الدار والخوت .
زينب : وانت شنو خصك ا حفصة فوسط هادشي ؟
حفصة : انا بغيت غير وليد ولا بنية يعمر عليا.
تداركت حفصة حديثها لتخبر زينب برؤياها التي اقضت مضجعها فطمأنتها زينب بانها مجرد اضغاث احلام لا يجب ان تكترث لها .
حفصة : عرفتي ازينب شنو هي تكوني تتولدي النسا طول اليوم وتتعاملي غير مع الدراري صغار وتتمناي حتا انت يكون عندك طفل صغير لكن مزال مجاب الله .. والله اختي زينب ما بقيت نقدر نشوف فدراري مزال ... الله يصبرني ويرزقني عما قريب .
اكتفت زينب بعينين حزينتين بتصديق كلامها برأسها تهزه موافقة وكأنها لمست جرحا غائرا لا يزال يدمي في صمت.
قاطعا حديثهما صوت كبح فرامل سيارة... احضر لهما فيها امراة وضعت ببيتها لكنها بدأت بالنزيف.
وجه اصفر معرق شفتان بيضاوتان جعلتا حفصة وزينب تستنفران المكان ..وضعتا المرأة على عجل فوق طاولة الفحص وبادرت حفصة بعملية مراجعة سريعة ودقيقة لرحم المرأة لرؤية ان كانت هناك بقايا مشيمة تسببت في النزيف.. عملية مؤلمة لا تستطيع فيها النسوة التعاون مع المولدة بها مما يشكل ضغطا اضافيا عل القابلة التي تكون وقتها في قمة التركيز وايضا عليها تصريف قلق النفساء ومحاولة السيطرة على تخبطها ..فكل دقيقة انذاك عمر ينضاف او ينقص للمرأة.
خرجت بيد ملطخة بالدماء الى حدود مرفقها ... في مشهد ساخر يجيب عن اطروحة المخاطر المهنية التي بخس فيها الممرض حقه باصوات الغالبية.
المشهد الواحد والخمسون :
عادت مؤشرات المرأة الحيوية الى مكانها وسألت حفصة زينب ساخرة : اوا دبا هاحنا درنا لاريفيزيون للمرا وخاصها المضاد الحيوي يتخاذ موراها والطبيب مكانش لي يسنيلك عليه ... نديروه وربي كبير ولا منديروهش ونخليوها عرضة للتعفن.
زينب : مرحبا بيك لالة حفصة فسكيزوفرينيا الصحية ... ياما غاتحطي فمواقف بحال هادي .. انا مانقدر نقوليك والو انت القرار بيدك .
حفصة : عرفتي مالنا على حالتنا انعيط على احمد ونديها للمستشفى المحلي ونحيد علي المسؤولية.
حفصة مخاطبة الزوج : سير للقهوة عيط على احمد مول لابيلانص غانديوها للسبيطار الكبير ..خاص يشوفها طبيب وضرب شوكة باش ميوقعليهاش تعفن.
الزوج غاضبا: وعلاش غانديوها ضربليها انت الشوكة هنا ..حنا هدا هو سبيطار ديالنا.
حفصة : ايه اسيدي ولكن هنا مكاينش طبيب يسني على الشوكة ويلا مدارتهاش يقدرو يوقعو مضاعفات ..حنا لي فجهدنا ومقدورنا درناه ولي ماشي فاستطاعتنا ماعدنا مغانديروا.
الزوج :وايلا ماتعرفي ضربي حتا شوكة لاش جالسة هنا ؟
حفصة باستغراب كيف ضرب هذا الشخص مجهود انقاذ المرأة من النزيف عرض الحائط : دبا اسيدي حنا غير تنضيعوا الوقت مبغيتيش تديها غانعيط للسلطات سني هنا وتحمل مسؤوليتك.
حمل الزوج زوجته على مضص ..يسب طوال الطريق ويلعن ..لكنه للاسف لا يدري مخاطبه ..يمجد ناهبه ..ويلعن منقذه.
تعليقات
إرسال تعليق