منذ أن همشت المكاتب البلدية لحفظ الصحة، التي أصبحت شبه فارغة من تقنيي حفظ الصحة والبيئة، الفئة التي شرعت وزارة الصحة في تكوينها منذ 1962، وأسندت الأمور كليا إلى المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية « ONSSA » ، و صحة المستهلك معرضة للخطر، و لولا الألطاف الإلاهية لكانت الكارثة لكون جشع الربح لذا التجار، المصنعين و المستوردين أعمى بصيرتهم، زيادة على التطور التكنولوجي الذي أدخل على المنظومة الغذائية مواد كيميائية كثيرة في جميع المراحل، من أجل الإنتاج الوفير و الربح السريع على حساب صحة المواطنين.
هذا الخلل الذي يضع صحة المستهلك على كف عفريت، تطرق إليه التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات حيث أكد أن 80 %مما يستهلكه المغاربة غير خاضع لأي مراقبة، و المِؤسف هو أن هذا التقرير لم يحرك شعور الإدارة، المجتمع المدني و حتى المواطن العادي كأن الأمر يتعلق بدولة أخرى.
فرغم إلحاحية الخطب الملكية السامية على ضرورة التجسيد و التكريس لإدارة عمومية في خدمة المواطن المغربي، إلا أن واقع الحال لا يجسد هذا الطموح الملكي أو النظرة الدستورية المستقبلية للإدارة العمومية، ألأمر الذي لم تعمل على تطبيقه مجموعة من الوزارات الوصية على القطاعات الإدارية التي لها واجهة مباشرة و احتكاك يومي مع المواطن المغربي.
للذاكرة فقط: نهاية التسعينات، حصل المغرب على مساعدات ضخمة من طرف الاتحاد الأوروبي و من منظمة الأغذية و الزراعة الفاو « FAO » من أجل دمج 13 مصلحة تابعة لعدة وزارات معنية بمراقبة المواد الغذائية وحماية المستهلك، في وكالة واحدة « Agence Nationale de Sécurité Sanitaire de l’Alimentation , de l’Environnement et du Travail »، وتوالت الاجتماعات وكثرت السيناريوهات لوضع ضوابط هذه الوكالة التي كانت ستضم، زيادة على المصالح المعنية، تقنيي حفظ الصحة والبيئة التابعين لوزارة الصحة والذين كانوا يشتغلون بالمكاتب البلدية لحفظ الصحة، ببعض المراكز الصحية أو بالخلية الإقليمية لحفظ الصحة المتواجدة بكل مندوبيات وزارة الصحة وكان عددهم آنذاك يناهز 900 تقني والذي تقلص الآن إلى 600 بعد الإحالة على التقاعد لعدد منهم.
و بعد التطبيل والتزمير واستنزاف الأموال التي سلمت للمغرب من أجل توحيد المراقبة بواسطة وكالة واحدة، استحوذت وزارة الفلاحة بمفردها على المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ONSSA » سنة 2009 و جددت الوزارة ترسانتها القانونية الخاصة بها بينما الوزارات الأخرى من بينها وزارة الصحة، لم تواكب المنافسة في مجال المراقبة ولم تنتج قانونا واضحا خاص بها يوحي بأنها معنية بحماية المستهلك، مما دفع بتقنيي حفظ الصحة إلى تقليص تدخلاتهم ميدانيا لعدم توفرهم على الحماية القانونية، وأصبحوا يشاركون في لجان محلية وإقليمية مختلطة للمراقبة كمن يتبع هدية العرس بدون دور. (يأثث الفضاء فقط.)
وأغلب التقنيين الآن يتواجدون بالمندوبيات والمراكز الصحية يقومون بأعمال إدارية لا تمت بصلة بما تلقوه من تكوين لمدة 03 سنوات في ميدان حفظ الصحة وحماية المستهلك.
من لم يحمل هم الوطن، فهو هم على هذا الوطن
تعليقات
إرسال تعليق