"من مساوئ الصدف أن تولد في دول الجنوب والأسوأ أن تولد في جنوب دول الجنوب"
هكذا عبر صديق في تدوينة قديمة له عن الوضع الكارثي الذي يعيشه الموطن " الجنوبي" .
نعم هكذا يعيش المواطن الجنوبي أسوأ عيشة قد يتصورها أحدهم حيث التعليم يحتضر والصحة مجرد ضحك على الدقون ،بل مجرد إشاعة تصور إعلاميا عكس ذلك ...
في الجنوب حيث يعيش المرضى و الممرضون تحت رحمة سيارات الإسعاف المهترئة و التي أقرب مايكون إلى خرذة بأربع عجلات و تحت رحمة الطرقات المحفرة والضيقة و التي تستلزم تسامح أحد السائقين و إفساحه المجال للآخر في حالة ما التقيا تحت ما يسمى بأخلاقيات السائق ...
نعم "أخلاقيات السائق" ، الثغرة التي ابتدعناها كي نخلق منها حلا حينما" تتكالب" علينا الطرقات المحفرة، و تنفذ منها الجهات المسؤولة حينما تعجز عن أداء واجبها ومسؤوليتها تجاه هذا الشعب.
نعم في الجنوب حيث يضطر المواطن أن يصبح رحالة متنقلا بين مدن " الداخيل" طلبا للعلم و للعلاج أيضا .
ولك ان تتخيل معي سيدي القارئ كيف يكون وقع الخبر على الأسرة حينما تخبرها أنه عليها أن تنقل مريضها الى أغادير او مراكش للعلاج ،لك أن تتخيل وجوههم المحتقنة و أعينهم المحمرة و الدوخة التي تنتابهم حينما يفرض عليهم الواقع أن يحزمو المتاع في ظرف دقائق معدودة ويشدو الرحال مئات الكيلومترات ليتغربو في مدن أخرى ،فتلك بالنسبة لهم مصيبة أخرى عليهم التعايش معها،مصيبة و واقع كانت الوزارة السبب في اختلاقه من الأساس بسبب سياساتها العرجاء .
فحينما يصبح وقع هذا الخبر أسوأ من المرض نفسه فأعلم أننا نعيش كارثة إنسانية إجتماعية و اقتصادية حقيقية بكل المقاييس والمعايير ،ولا ألومهم حقا فإضافة الى تكلفة العلاج و الدواء و التحاليل و الأشعة ...الخ تنضاف مصاريف أخرى كسومةالكراء و مصاريف التنقل بين المدن و داخلها و مصاريف أخرى تثقل و تقسم ظهر هذا المواطن البائس الذي يقبع تحت عتبة الفقر.
نعم أسوأ سيناريو قد عيشه كل من أسرة المريض و المريض نفسه إلى جانب مرضه هو التنقل إلى مدينة أخرى، فكم من مريضة حامل انطلقت بحالة مستقرة لتدخل المخاض في الطريق نتيجة الطرق الضيقة المحفرة و الإهتزازت (les secousses ) ليتعسر الأمر بعدها -و للممرضات القابلات المرافقات قصص شتى في هذا السياق- .
واقع الصحة اليوم مصيبة" كحلاء زحلاء " مهما حاولت الوزارة إخفاءها إلا أنها تطفو للسطح بين الفينة والأخرى لتعري الإختلالات و الإختلاسات التي تطال الميزانية الهزيلة المخصصة لهذا القطاع على يد مسؤوليه ،فعلى الرغم من تزيين الإحصائيات و تغطيتها ببعض المكياج كي لا تبرز فضيحتنا دوليا و نصبح " شفاية للعديان" وكي لا نصنف إلى جانب دول العالم الثالث إلا اننا ما نزال نقبع في مؤخرة التصنيف على الدوام وهذه حقيقة أخرى علينا أن نأخذها بعين الاعتبار والتدبر فيها لا طمسها .
أسائلكم سيدي الوزير و كل المسؤولين الذين أغلبكم إبن القطاع طبيبا كان أو ممرضا تعلمتم أبجديات هذا العمل الإنساني خلال تكوينكم أن تضعو أنفسكم مكان المريض وتعيشو ما يعيشه او أن تتخيلوه أحد أبناءكم أو ذويكم ،هل تخيلتكم كيف كانت لحظات رضوة و ام المريضة المتوفية الأخيرة؟
هل جربتم أن تقفو قرب مغسلة الأموات تنتظرو جثمان فقيدكم توفي نتيجة وضع مماثل؟
هل تساءلتم كيف كانت لحظاتهن الأخيرة و سيارة الإسعاف تنقلب بهن ؟
هل فكرت رضوة في مصيرها بعد الحادثة إن نجت ؟
هل خافت أن تصاب بعاهة مستديمة ترافقها طوال حياتهامثل ما حدث لهند تيدارين؟
هل فكرت في أمها و أخيها الذي تخاف أن تفارقهما؟
أم انها قالت مايقوله الجميع في مصائب مماثلة" آش داني لهاد الضومين من الاول"؟
أم أن الوقت لم يسمح لها أساسا كي تفكر او تنطق شهادة ان لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله ؟
هل تعذبت المسكينتين بكسورهن التي نهشت أحشاءهن قبل أن تنفذ آخر قطرة من دماءهن؟
هل أفزعهما هول صوت حطام السيارة المتناثر فوقهن و الحجارة والغبار حولهن؟
هل أحستا بجمجمتيهما تتهشمان و سمعتا كسور عضامهما و تقطع أوتارهما ؟ هل صرختا ؟ هل بكيتا؟ وهل تألمتا؟
أم أنهما حظيتا بموت أرحم فوري و آني يخلص من عذاب مماثل ؟
نؤمن أن هذا قضاء الله و قدره و لامرد لمشيئة الله جل وتعالى ،كما نؤمن أنها مجرد أسباب لموت كتبه الله عليهن.ولكن ما نرفضه أن يكون السبب جاء نتيجة لتقصير أحدهم في مسؤوليته .و هنا على الوزارة في شخص الوزير تحمل مسؤوليتها لا نسخ رسائل التعزية والمواساة الباردة.
متأسفة لوصف أمور مؤلمة مماثلة تخالجني في هاته اللحظة ... ولكن هذا هو واقع الحال .
واقع ابتدعتموه يا أسيادي الذين تجلسون خلف مكاتبكم المكيفة و تقضون العطلات في المنتجعات السياحية ذوات الخمس نجوم وحينما تمرضون فإنكم تقصدون بلاد القوقاز للتداوي و التطبيب وعليكم الآن أن تجدو له المخرج فقد تجرعنا سم سياسيتكم و ذقنا درعا .
#إلى_متى؟
- رباب بولودن
ممرضة.
تعليقات
إرسال تعليق